وُلد أحمد شوقي عام 1870 في مصر التي صبغته بعروبتها وإسلامها; فقد تحدّر من أعراق مختلطة: كان جدّه لأبيه كرديّا، وكانت جدّته لأبيه يونانية تعمل في قصر الخديو. لكن أبويه وُلدا بمصر وتربّيا في رحابها.
نشأ شوقي في القاهرة، وضمن له تفوقه الدراسي مجانية تعليمية في مدرسة الحقوق. وعندما تخرج فيها عام 1887، عيّنه الخديو توفيق في قصره، وأرسله إلى فرنسا في بعثة لدراسة الحقوق والترجمة طالت حتى عام 1893 .
وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية. وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
وطوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي. ولذا، ظل تأثره بالثقافة الفرنسية محدودًا، ولم ينبهر بالشعراء الفرنسيين الرمزيين والحداثيين أمثال رامبو وبودلير وفيرلين الصاعدين آنذاك.
وبعد عودة شوقي إلى مصر، تعدّدت رحلاته إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلة منها كانت، مثل رحلته الدراسية الأولى، حاسمةً في تشكيل مصيره. كانت تلك الرحلة عام 1915 إلى برشلونة الإسبانية، التي اختارها الشاعر منفًى له، عندما أُمر بمغادرة مصر بعد خلع الإنكليز للخديو عباس حلمي. وتأمل شوقي مشاهد الحضارة العربية في الأندلس، واكتشف أن الارتباط بالعروبة أبقى وأجدر منه بدولة الخلافة العثمانية. كما تعززت نزعته الوطنية الغلابة في عشق مصر والتغني بأمجادها، وشهدت سنواته التالية ذروة تألقه الإبداعي في التعبير عن الضمير القومي، وشحذه لإمكاناته الإبداعية، وتوجيه طاقاته الخلاقة لتجديد روح الشعر العربي وتمكين صياغته. وفي عام 1927، تألفت لجنة عربية لتكريمه، وخلعت عليه لقب (أمير الشعراء. )
ويصف طه حسين التحول الذي قلب إستراتيجية شوقي الشعرية بعد المنفى الإسباني قائلاً: (إنه قد تحوّل تحولاً خطيرًا حقّا لا نكاد نعرف له نظيرًا عند غيره من الشعراء الذين سبقوه في أدبنا العربي (...). إن شعره التقليدي قد تحرر من التقيد بظروف السياسة (...). واستكشف نفسه، وإذا هو شاعر قد خلق ليكون مجدّدًا). كما يرى طه حسين أن (شوقي)، في كثير من قصائده الأخيرة، قد أخذ يحقق النموذج الجمالي والفكري للإنسان المصري والعربي.
ومن موقع النقد الأسلوبي المعاصر، يرى الدكتور محمد الهادي الطرابلسي أن أسلوب شوقي كان (يتغذى من رصيد ثقافي واسع، فخرج يمثل عصارة مصفّاة من التراث العربي الغني، ومن المعارف الإنسانية، إلى جانب تصويره تجربة طويلة للحياة. ولقد تميز أسلوب شوقي بالتوازن بين طاقتين: الإخبارية والإيحائية، فحقق بذلك رسالة مزدوجة: فكرية وفنية معًا
لقد اعتمد شوقي على توظيف عدد من التقنيات الشعرية الفعالة لتوليد الدلالات الكلية، من أهمها تجانس التراكيب والاشتقاقات، ومفارقات الصياغة، وآليات التكرار وطرائق التصوير والتجسيد، مع قدرة فائقة على إشباع الحس الجمالي للقارئ العربي والاستجابة لتوقعاته.
وفي أخريات سنواته، عكف شوقي على استئناف مشروعه الإبداعي الرائد في كتابة عدد من المسرحيات الشعرية الرفيعة، التي أسست لهذا الفن في اللغة العربية، حتى وافته المنية عام 1932 .
ضم ديوانه (الشوقيات) 11320 بيتًا، وبلغت (أرجوزة دول العرب) و(عظماء الإسلام) 1365 بيتًا، كما وصل شعره المسرحي إلى 6179 بيتًا. هذا بالإضافة إلى الشوقيات المجهولة التي نشرها الدكتور صبري السربوني، والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 4700 بيت، بما يشهد بخصوبة شوقي وثراء منجزه الإبداعي في الشعر، وبجدارته ليكون شاعر العروبة والإسلام في العصر الحديث.
مختارات من شعره
حافظ إبراهيم
قــد كـنتُ أُوثـرُ أَن تقـولَ رِثـائي يـا مُنْصِـفَ المـوْتى مـن الأَحيـــــــاءِ
لكـنْ سـبَقْتَ, وكـلُّ طـولِ سـلامةٍ قـــدرٌ, وكــلٌ مَنِيَّــةٍ بقضــــــــــــــاءِ
الحـقُّ نـادَى فاسْـتجَبْتَ, ولـم تَـزلْ بــالحقِّ تحــفِلُ عنـدَ كـلِّ نِـــــــــداءِ
وأَتيْـت صحـراءَ الإِمـامِ تـذوب من طُــولِ الحـنينِ لسـاكن الصحـراءِ
فلقيــت فـي الـدار الإِمـامَ محـمدًا فــي زُمْــرَةِ الأَبــرارِ والحُنفــــــــاءِ
أَثَــرُ النعيــم عـلى كـريمِ جبينـه ومراشـــدُ التفســـيرِ والإِفتــــــــــــاءِ
فشــكوتما الشَّـوْقَ القـديمَ, وذُقْتُمـا طِيــبَ التـداني بعـدَ طـولِ تنـائــــي
إِنْ كــانت الأُولــى منـازلَ فُرْقـةٍ فالســمْحَةُ الأُخــرى ديــارُ لِقــــــــاءِ
وودِدْتُ لـو أَنـي فـداكَ مـن الـرَّدَى والكـــاذبون المُرْجِــفونَ فِــــــدائي
النــاطقونَ عـن الضَّغينـةِ والهـوى المُوغِــرُو المَـوْتَى عـلى الأَحيـــاءِ
مــن كــلّ هَــدَّامٍ ويَبنـى مجـدَه بكـــرائم الأَنقــاضِ والأَشـــــــــــــــلاءِ
مـا حَـطَّموكَ, وإِنمـا بـكَ حُـطِّموا مــن ذا يُحـطِّم رَفْـرَف الجـوزاء?
اُنظُـره, فـأَنت كـأَمْسِ شـأْنُكَ بـاذخٌ فـي الشـرقِ, واسْـمُكَ أَرفعُ الأَسماءِ
بــالأَمسِ, قــد حَــلَّيْتَني بقصيـدةٍ غــراءَ تُحــفَظُ كــاليدِ البيضـــــــــــــاءِ
غِيـظ الحَسُـودُ لهـا وقمـتُ بشـكرها وكمــا علمــتَ مَــوَدَّتي ووفـائــــي
فــي مَحــفلٍ بَشَّـرْتُ آمـالي بـه لمــا رَفعـتَ إِلـى السـماءِ لِـوَائــــــــي
يــا مـانِحَ السُّـودانِ شـرْخ شـبابِه ووَلِيَّــهُ فــي السّــلمِ والهيْجــــــــــاءِ
لـمَّــا نـزلْت عـلى خمائلـه ثـوَى نبْــعُ البيــانِ وراءَ نَبْــع المــــــــــاءِ
قلَّدْتَــهُ الســيفَ الحُسـامَ, وزدْتَـهُ قلمًــا كصــدرِ الصَّعْـدةِ السـمــــراءِ
قلـم جـرى الحِـقبَ الطِّوالَ فما جرى يومًـــا بفاحشـــةٍ ولا بهجــــــاءِ
يكســو بِمدْحَتِــه الكِــرامَ جلالـةً ويُشَــيِّعُ المــوْتى بحســنِ ثَنــــــــــاءِ
إِسْــكَنْدَرِيّةُ يــا عــروسَ المــاء وخميلـــةَ الحكمــاءِ والشــعـــــــــراءِ
نشــأَتْ بشــاطِئِكِ الفنـونُ جميلـةً وتَرعــرعَتْ بســمائِك الزهـــــــراءِ
جــاءَتْكِ كــالطيرِ الكـريمِ غرائبًـا فجمعتِهـــا كـــالرَّبْوَةِ الغنَّــــــــــــاءِ
قـد جـمَّلوكِ, فصِـرْتِ زِنْبَقَـةَ الثرَى للوافـــــدين ودُرَّةَ الدَّأْمــــــــــــاءِ
غرَسُـوا رُبـاكِ عـلى خمـائلِ بـابلٍ وبَنَـوْا قصـورَك فـي سَـنا الحمراءِ
واســتحدثوا طُرُقًـا مُنـوَّرة الهـدى كسـبيلِ عيسـى فـي فِجـاجِ المـــاءِ
فخُــذي كـأَمِس مـن الثقافـة زينـةً وتجـــمَّلِي بشـــبابكِ النُّجَبــــــــــاءِ
وتقلَّــدي لغــةَ الكتــابِ; فإِنَّهــا حَجَــرُ البنــاءِ, وعُــدَّةُ الإِنشــــــــــاءِ
بَنَــتِ الحضـارةَ مَـرَّتيْن, ومهَّـدتْ للمُلــكِ فــي بغــدادَ والفَيْحــــــــاءِ
وسَــمَتْ بقرطبـةٍ ومصـرَ, فحلَّتـا بيـــن الممـــالكِ ذِرْوَة العَليــــــــاءِ
مـاذا حشـدتِ مِـن الدمـوع "لحافظٍ" وذخـرْتِ مـن حـزنٍ لـه وبُكـاءِ?
ووجــدْتِ مِـن وقـع البـلاءِ بفقـدهِ إِن البــلاءَ مَصــارِعُ العظمــــــــاءِ
اللــهُ يشــهدُ قــد وَفيْـتِ سـخيَّةً بــالدَّمع غــيرَ بَخيلــةِ الخطبـــــــــاءِ
وأَخـذتِ قِسـطًا مـن مَناحـةِ مـاجدٍ جَــمِّ المــآثِرِ, طيِّــبِ الأَنبــــــــاءِ
هَتــف الـرُّواةُ الحـاضرون بشـعره وحــدا بــه البـادون فـي البَيْـداءِ
لبنــانُ يَبكيـه, وتبكـي الضـادُ مـن حَــلبٍ إِلـى الفيْحـا إِلـى صَنْعــــاءِ
عـربُ الوَفـاءِ وَفـوْا بذمّـةِ شـاعرٍ بــانى الصفـوفِ, مُـؤلفِ الأَجـزاءِ
حـافظَ الفصحـى, وحـارسَ مَجْدِهـا وإِمــامَ مَــنْ نجَـلتْ مـن البُلغـاءِ
مــا زِلْـتَ تهتـفُ بـالقديم وفضلـهِ حــتى حَــمَيْت أَمانــةَ القُدمـــــــاءِ
جــدّدت أُســلوبَ (الوليدِ) ولفظَــه وأَتيْــت للدّنيــا بســحر (الطائي)
وجـريْت فـي طلـبِ الجديدِ إِلى المدى حــتى اقـترنْت بصـاحب البُؤسـاءِ
مـاذا وراءَ المـوت مـن سَلْوَى, ومن دَعَـةٍ, ومـن كـرَمٍ, ومـن إِغضاءِ?
اشـرحْ حقـائقَ مـا رأَيْـت, ولم تزل أَهــلاً لِشــرْح حقــائِقِ الأشـيــــــاءِ
رُتـبُ الشـجاعةِ فـي الرِّجـالِ جلائلٌ وأَجَـــــلُّهُنَّ شــــجاعــــــــةُ الآراءِ
كـم ضِقـتَ ذَرْعًـا بالحيـاة وكيْدِهـا وهتفــت بالشــكوى مـن الضــــَّـراءِ
فهلُــمَّ فـارِقْ يـأْسَ نفسِـك سـاعةً واطلُـعْ عـلى الـوادي شُـعاعَ رجـــــاءِ
وأَشــرْ إِلـى الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ خُــلِقتْ أَسِــرَّتُهُ مــن السَّـــــــــــــراءِ
يــا طالمــا مَـلأَ النَّـدِيَّ بشاشـةً وهــدى إِليــك حــوائجَ الفقــــــــــــــــراءِ
اليــومَ هـادنْت الحـوادِثَ; فـاطَّرِحْ عِـبْءَ السـنين, وأَلْـق عِـبْءَ الداءِ
خــلَّفْت فــي الدنيـا بيانًـا خـالدًا وتــركْت أَجيــالاً مــن الأبنـــــــــــاءِ
وغـدًا سـيذكرك الزمـانُ, ولـم يَزلْ للدِّهــرِ إِنصــافٌ وحسـنُ جـزاءِ
أنْدَلُسِيَّةٌ
نظمها الشاعر في منفاه بإسبانيا، وفيها يحن للوطن
يــا نـائح (الطلْحِ), أَشـباهٌ عَوَادِينـا نَشْـجى لِـوَادِيكَ, أَم نَأْسَـى لوادينـا?
مــاذا تقُـصُّ علينـا غـيرَ أَنّ يـدًا قصَّـتْ جنـاحك جـالت في حواشينا?
رمـى بنـا البيـنُ أَيْكًـا غـيرَ سامِرنا - أَخـا الغـريب - وظِـلاًّ غيرَ نادينا
كـلٌّ رَمَتْـه النَّـوى: رِيشَ الفِـراق لنا سَـهْمًا, وسُـلّ عليـكَ البيـنُ سِـكِّينا
إِذا دعـا الشـوقُ لـم نَـبرحْ بمُنْصَدِع مــن الجنــاحين عــيٍّ لا يُلَبِّينــــــــا
فـإِن يَـكُ الجـنسُ يا ابنَ الطَّلْحِ فرّقنا إِنّ المصــائبَ يجــمعْنَ المُصابينـا
لــم تـأْلُ مـاءك تَحْنانًـا, ولا ظمـأً ولا ادِّكـــارًا, ولاشــجْوا أَفانينـــــــــا
تَجُــرُّ مـن فنَـنٍ سـاقًا إِلـى فَنَـنٍ وتســحبُ الــذيلَ ترتـادُ المؤاسـينــــــــا
أُسـاةُ جسـمِكَ شـتَّى حـين تطلبهـم فمَــنْ لروحـك بـالنُّطْس المُدَاوينـا?
آهــا لنــا نـازِحَيْ أَيْـكٍ بـأَندَلُسٍ وإِن حَلَلْنَــا رفيفًــا مـن رَوَابينـــــــا!!
رسْـمٌ وقفنـا عـلى رَسْـمِ الوفـاء له نَجــيش بـالدَّمع, والإِجـلالُ يَثنينـا
لِفِتْيَــةٍ لا تنــال الأرضُ أَدمُعَهــم ولا مَفـــــارقَهم إِلاَّ مُصَلِّينــــــــــــا
لـو لـم يسـودوا بـدينٍ فيـه مَنْبَهـةٌ للنــاسِ; كـانت لهـم أَخـلاقُهم دينـا
لـم نَسْـرِ مـن حـرَمٍ إِلاَّ إِلـى حَـرَم كـالخمر مـن (بابلٍ) سـارت (لدارينا) لمـا نَبـا الخـلدُ نـابت عنـه نُسْـختهُ تَمــــــــاثُلَ الــورْدِ (خِيريًّا) و(نسْـرينا)
نسْــقِي ثـراهُمْ ثَنَـاءً, كلَّمـا نُـثِرتْ دُموعُنـــــــــــا نُظِمــتْ منهــا مراثينـا
كــادت عيــونُ قوافينــا تُحَرّكُـه وكِـدْنَ يـوقِظـــــْنَ فـي التُّرْبِ السلاطينا
لكـنّ مصـرَ وإِن أَغضـتْ عـلى مِقَةٍ عَيْـنٌ مـن الخــــُـلْدِ بالكـافور تَسـقينا
عــلى جوانبِهــا رَفَّــتْ تَمَائِمُنَـا وحــولَ حافاتِهــا قـامــــــــــــــتْ رَواقينـا
ملاعِــبٌ مَرِحَــتْ فيهــا مَآرِبُنـا وأَربُــعٌ أَنِسَــتْ فيهــا أَمانينـــــــــــــــــــا
ومَطْلَــعٌ لِسُــعودٍ مــن أَوَاخِرنـا ومَغْــرِبٌ لجُــدُودٍ مــن أَوَالينـــــــــــــــــا
بِنَّـا, فلـم نَخْـلُ مـن رَوْحٍ يُراوِحُنـا مـن بَـرِّ مصـرَ, وَرَيْحَـانٍ يُغادِينـــــــــا
كـأُمِّ موسَـى, عـلى اسـمِ اللـه تكْفُلُنا وباســمهِ ذهبــتْ فـي اليَـمِّ تُلقِينــــــــــا
ومصـرُ كـالكَرْمِ ذي الإِحسـان: فاكهةٌ لحـــاضِرينَ, وأَكــوابٌ لبَادينــــــــا
يـا سـاريَ الـبرقِ يَرمِي عن جوانِحنا بعـدَ الهـدوءِ, ويهمِـي عـن مآقينــــــا لمـا تَرقـرق فـي دمـع السـماءِ دمًا هـاج البكـا, فخَضبْنَـا الأَرضَ باكينـــــــا الليــلُ يشــهد لـم نهتِـك دَيَاجِيَـهُ عــلى نيــامٍ, ولـم نهتِـف بسـالينا
أيها النيل
مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ? وبــأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ?
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من علْيــا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ?
وبــــــــــأَيِّ عَيْــنٍ, أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ أَم أَيِّ طُوفــانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ?
وبــأَىِّ نَـــــــــــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ للضفَّتيْـــن, جَديدُهــا لا يَخــلَقُ?
تَسْـــوَدُّ دِيباجًـــــــا إِذا فارقتهـــا فـإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْـــــرَقُ
فــي كــلِّ آونــــــــــــــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً عجبًــا, وأَنــت الصـابغُ المُتــــَـأَنِّقُ
أَتَـت الدهـورُ عليـكَ, مَهــْـدُكَ مُـتْرَعٌ وحِيــاضُكَ الشُّــرق الشـهيــــَّةُ دُفَّـقُ
تَسْــقِي وتُطْعِـمُ, لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ بـــالواردين, ولا خــــــــــــوانُك يَنفُــقُ
والمــاءُ تَسْــكُبُه فيُسْـبَكُ عَسْـجَدًا والأَرضُ تُــــــــغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ
تُعيــي مَنـابِعُك العقـولَ, ويسـتـــــــــــوي مُتخــبِّطٌ فــي علمِهــا ومُحــقِّقُ
أَخـلَقْتَ راووقَ الدهـورِ, ولـم تـزل بــكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك, لا تَـــــــــتروَّقُ
حــمراءُ فـي الأَحـواض, إِلاّ أَنهـا بيضــاءُ فـي عُنُـق الـثرى تَتـــــــــــأَلَّقُ
دِيــنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويــــــــــَـرزُقُ?
لــو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن لِســواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلــــــــــــــُقُ
جـعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً إِنَّ العبـــادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّــــــــــــــقُ
دانــوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ عَــذْبِ المشــارعِ, مَـدُّهُ لا يُلْحَـــــــــــقُ
مُتقيِّــــد بعهـــودِه ووُعـــودِه يَجـري عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصــــــــــــــدُقُ
يَتقبَّــلُ الــوادي الحيــاةَ كريمـةً مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّــــــــــــــــقُ
متقلِّــب الجــنبيْن فــي نَعْمائِــهِ يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـي نَـداك فيُـــــــــــــورِقُ
فيبيــتُ خِصْبًـا فـي ثَـراه ونِعْمـة ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموسِــــــــــــــــقُ
وإِليـك - بَعْـدَ اللـهِ - يَرجِـع تحتـه مـا جَـفَّ, أَو مـا مـات, أَو ما يَنْــــــــفُقُ
أَيـن الفراعنـةُ الأُلـى اسـتذرى بهـم (عيسى), و(يوسف)و(الكَلِيمُ) المصْعَقُ? المُــورِدونَ النــاسَ مَنْهَـلَ حكمـةٍ أَفْضَــى إِليــه الأَنبيــاءُ ليَســــــــــــتقوا
الرافعــون إِلــى الضحـى آبـاءَهم فالشـمسُ أَصلُهـمُ الـوَضِيءُ المُعْــــرِقُ
وكأَنمــا بيــن البِــلى وقبــورِهم عهــدٌ عـلى أَنْ لا مِسـاسَ, ومَـوْــــــــثِقُ
فحجـابُهم تحـت الـثرى مـن هَيْبَـةٍ كحجــابهم فـوق الـثرى لا يُخــــــــرَقُ
بلغــوا الحقيقـةَ مِـنْ حيـاة علمُهـا حُجُــبٌ مُكَثَّفَــةٌ, وسِــرٌّ مُغلَــــــــــــــقُ
وتبيَّنـوا معنـى الوجـودِ, فلـم يَـرَوْا دونَ الخـــلودِ ســـعادةً تَتحــقّــــــــَقُ
يَبنــون للدنيــا كمــا تَبنِـي لهـم خِرَبًــا, غـرابُ البَيْـن فيهـا يَنْعَـــــــــــــقُ
فقصــورُهم; كُــوخٌ, وبيـتُ بَـداوةٍ وقبــورُهم; صـرْحٌ أَشَـمُّ, وجَوْســَـقُ
رفعــوا لهـا مِـنْ جَـنْدَلٍ وصفـائحٍ عَمَــدًا, فكــانت حائطًـا لا يُنْتــــــــَـقُ
تتشــايعُ الــدَّاران فيـه: فمـا بـدا دُنْيـا, ومـا لـم يَبْـدُ أُخـرى تَصْــــــــدُقُ
للمــوتِ سِــرٌّ تحتَــه, وجِــدارُه سُـورٌ عـلى السـرِّ الخـفيِّ, وخَـنْــــــــــدَقُ
وكــأَنَّ مــنزلهم بأَعمــاقِ الـثرى بيــن المحلَّــةِ والمحلَّــةِ" فُنْـــــــــــــدُقُ
مَوْفــورةٌ تحــت الـثرى أَزْوَادُهـم رَحْـب بهـم بيـن الكهـوف المُطْبِــــــــقُ
ولِمَـنْ هيـاكلُ قـد عـلا البـاني بها بيــن الثريَّــا والــثَّرى تتنَسّـــــــــــــَـقُ?
منهــا المشـيَّدُ كـالبروجِ, وبعضُهـا كــالطَّوْدِ مُضطَّجِــعٌ أَشَـمُّ مُنَطَّــــــــقُ
جُــدُدٌ كــأَوّلِ عهدهــا, وحِيالَهـا تتقــادَمُ الأَرضُ الفضــاءُ وتَعْتــــــــــُـقُ
مِــنْ كـلِّ ثقْـلٍ كـاهلُ الدُّنيـا بـه تَعِـبٌ, ووَجْـهُ الأَرضِ عنـه ضَــــــــيِّـقُ
عـال عـلى بـاع البِـلى, لا يَهتـدِي مــا يَعتــلِي منــه ومـا يَتســـــــــــلَّقُ
مُتمكِّـنٌ كـالطودِ أَصـلاً فـي الـثرى والفـرعُ فـي حَـرمِ السـماءِ مُحـلّــــــِقُ
هــي مــن بنـاءِ الظلـمِ, إِلا أَنـه يَبيَـضُّ وجـهُ الظلـمِ منـه ويُشْـــــــــــــرِقُ
لــم يُـرْهِق الأُمَـمَ الملـوكُ بمثلهـا فخــرًا لهــم يَبْقَـى وذكـرًا يَعْبـــــــــــَـقُ
فُتِنَــتْ بشـطَّيْكَ العِبَـادُ, فلـم يـزل قـــاصٍ يَحُجُّهُمَــا, ودانٍ يَــرْمُــــــــــقُ
وتضــوَّعَتْ مِسْـكَ الدُّهـورِ, كأَنمـا فــي كــلِّ ناحيـة بَخـورٌ يُحْـــــــــرَقُ
وتقـابلتْ فيهـا عـلى السُّـرُرِ الـدُّمَى مُسْـــتَرْدِيات الـــذلّ لا تَتَفَنَّــــــــــقُ
عَطَلـتْ, وكـان مكـانُهنّ مـن العُلى (بِلْقِيسُ) تَقْبِسُ مــن حـلاهُ وتَسْـرقُ
وعَـلا عليهـن الـترابُ, ولـم يكـن يَزْكُــو بِهـنّ سـوى العبـير ويَلـــبَـقُ
حُجُراتُهــا مَوْطــوءَةٌ, وســتورُها مَهتوكــةٌ, بيــد البِــلى تَتخـــــــــرّقُ
أَوْدَى بزينتهــا الزمــانُ وحَلْيهــا والحســنُ بــاقٍ والشـبابُ الـرَّيِّقُ
لــو رُدَّ فِرعــونُ الغـداةَ; لراعـه أَنّ الغَـــرانيق العُــلَى لا تَنطــقُ
خــلع الزمـانُ عـلى الـورى أَيامَـه فـإِذا الضُّحـى لـكَ حِصَّـةٌ والرَّوْنَقُ
لــكَ مــن مواسـمِه ومـن أَعيـادِه مــا تَحْسِـرُ الأَبصـارُ فيـه وتَـبْرَقُ
لا (الفرسُ) أُوتــوا مثَلـه يومًـا, ولا (بغدادُ) فـي ظـلِّ (الرشيد) و(جِـلَّق)
فَتْــحُ الممـالك, أَو قيـامُ (العِجْلِ), أَو يـومُ القبـور, أَو الزفـافُ المُـونِقُ?
كــم مــوكبٍ تَتخَـايلُ الدنيـا بـه يُجْـلَى كمـا تُجْـلَى النجـومُ ويُنْسـقُ!
(فرعونُ) فيــه مـن الكتـائبِ مُقبِـلٌ كالسُّـحْبِ, قَـرْنُ الشـمس منهـامُفتِقُ
تَعْنــو لعزَّتِــه الوجــوه, ووجهـهُ للشـمسِ فـي الآفـاقِ عـانٍ مُطــــــــــرِقُ
آبــتْ مــن السـفرِ البعيـدِ جـنودُه وأَتتْــه بــالفتحِ الســعيدِ الفَيْلَـــــــــــــــقُ
ومَشـى الملـوكُ مُصفَّـدِين, خـدودُهم نعــلٌ لفرعــونَ العظِيـم ونُمْــــــــرُقُ
نبذه عن سيرة أمير الشعراء
أحمد شوقي .
ولد عام 1868 في قصر الخديوي اسماعيل ، لم يكن آباؤه مصريين ، جده لأبيه هو أحمد على ، قدم الى مصر في عهد محمد على كان يحسن العربية والتركية فولى أمانة الجمارك وتوفى عن ثروة طائلة تحدرت الى شوقي أبنه .
نشأ شوقي في قصر اسماعيل وكان يعطف عليه ويبدو بين يديه بدرات الذهب .
تخرج على التعليم المدني الآخذ بالمنحي الأوروبي ، بدلا من التعليم الازهري الآخذ بالمنحي الديني .
عام 1885 دخل كلية الحقوق وشرع يدبج القصائد بمدح الخديوي توفيق ولما انشئ / قسم الترجمة في كلية الحقوق مال إليه وتخرج منه بعد عامين .
أثر تخرجه كان يتقن العربية التي ثقفها على معلمه الشيخ بسيوني البيباني وكان هذا شاعرا يمدح الخديوي فجرى تلميذه على مذهبه ، وأتقن كذلك الفرنسية التي سيفيد منها في الاطلاع على الشعر الاجنبي في المنزل .
عينه الخديوي توفيق مفتشا في الخدمة الخديوية وكان أبوه يتولى هذا المنصب .
بعد عام عزل الخديوي على ايفاده للتخصص في اوروبا فارتحل شوقي الى مونبليي في فرنسا حيث التحق بكلية الحقوق فيها وكان في الصيف يتجول في انحاء فرنسا ويطلع على معالمها الحضارية .
وفي نهاية السنة الثالثة اصيب بداء شديد اشرف منه على الموت فنصحه الاطباء بانتجاع البلاد الافريقية فعزم على السفر الى الجزائر حيث قضى اربعين يوما مستشفيا .
واقام في القصر اثر عودته وعام 1896 حضر مؤتمر المستشرقين في سويسرا وسافر منها الى بلجيكا للتجول في حواضرها .
اثر وفاة الخديوي توفيق تولى السلطة الخديوي عباس فلم يقرب شوقي الا بعد ان توسط له بعض المقربين ثم وثق به وجعله من خاصته الادنين .
وفي عام 1907 نظم قصيدة قصيدة للرد على اللورد كرومر حين ندد بنظام الجيش المصري منتصرا بذلك للخديوي .
هجا الثائر عرابي باشا اثر عودته من منفاه آخذا بذلك جانبا القصر .
دفعه اسماعيل الى مدح الخليفة التركي ليستدر عطفه عليه وقد اشاد بنصر الاتراك على الروس والبلقان ، كانت المدائح في عبدالحميد ومحمد رشاد .
اقام شوقي في اسبانيا حتى عام 1819 عندما عقدت الهدنة فسمح له بالتجوال في انحاء اسبانيا فشاهد محمد العرب في قرطبه واشبيلية وغرناطة وفي هذه الاثناء نظم اندلسياته معارضا البحتري والشريف الرضي وموشحات شعراء الاندلس .
في عام 1926 زاره الشاعر الهندي الكبير طاغور وكان بيته منتج زعماء العرب ، كما أنه اختير عضوا في مجلس الشيوخ .
في عام 1927 اعاد طبع ديوانه شوقيات ، واقيمت له حفله بهذه المناسبة وبويع على امارة الشعر بايعه عليها شعراء العرب أمثال سبلي ملاط وخليل مطران وأمين نخله وحافظ ابراهيم .
منذ عام 1924 اصبح المطرب محمد عبدالوهاب يتبعه كظلة ويلحن ويغني معظم قصائده وفي تلك الفترة طابت الحياة لشوقي وكانت دارته كالحانة ، كما انه كان يختلط بالشعب وينتقل من مقهى الى آخر .
حاول الاتجاه الى الشعر المسرحي فنظم مسرحيات قيس وليلى وكليوبترا وعلى بك الكبير .
توفى عام 1932 وخرجت المة المصرية تشيع شاعرها ورثاه شعراء العرب جميعا .
وكانت وفاتة بقصره المعروف باسم كرمة بن هاني على ضفاف النيل بالجيزة .
طبع شعرة باسم الشوقيات في اربعة أجزاء كما طبعت مسرحياته وقصصة النثرية المقامية الاسلوب ومقالاتة المعروفة باسم اسواق الذهب ، كما طبعت منفصلة ارجروزته المعروفة عن تاريخ العرب والاسلام .
التجارب والموضوعات العامة في شعر شوقي :
ان عرض مثل هذه النماذج والتجارب يبين موقف الشاعر من بعض القضايا المصيرية أو غير المصيرية التي اعتجلت في وجدانه حينا من الزمن كما انها قد تطلنعا على الهموم الكبرى التي تنازعه في شطر حياته ، ومما لا شك فيه ان شوقي كان وطنيا بمعنى انه كان يعني في شعره بشئون وطنة دون النظر في عمق تجربته واخلاصها ومدى الثورية والتقدمية التي تمخضت عنها فإذا اسقطنا الشعر المدحي المباشر الذي كان ينظمه في ذوي السلطة وبخاصة الاتراك الذين كان يصحب جيوشهم ويرثيهم ويهنئهم يمجد الخلافة ويؤلب لها كل فضية وخير ويحشد حولها صور ملحمية مستفادة في معظمها . من أجواء المدح كما اثر في شعر المتنبي وبخاصة في شعر ابي تمام ومن اليه وفي هذه القصائد نقع على وصف القتال والاحتفال بالنصر والرثاء للهزائم الطارئة كما انه ينفح الخليفة العثماني بتلك المثالية المأثورة في شعر مدح وذكر الوقائع في سجل احداثها الفلي ونجد القصيدة وقد مضت في التمطي والتطاول والتكثيف والتهجم بالدقائق وتخوض في الاحداث فكان شوقي عاد الى مهمة الشاعر القديم في الدفاع عن قبيلته وهجاء اعدائها والتغني بمآثرها وبطولاتها ففي قصيدة ( صدى الحرب ) وهي قصيدة مطولة يتغنى بسيف الاتراك البطاش والذي يذود عن الحق وعن الدين ،به يؤدب الطغاة وتداوي الدول مكن الداء الذي ينتابها في العنجهية والكبرياء وبه تنام الخطوب عن الرعيه فيما يسهر سيف الحزم المتربص بكل عدو فعبد الحميد يجلس على عرش الدهر وتخشاه الليالي وهو الذي يبعث الرزق والخطب ويحي الارض الموات وهو الذي يسهر لينام المسلمون ويتمرس بالبطولة والفتح في سبيل الامة فالسيف اصدق من حكمة سقراط وعزمه أمضى من شعر هومير وقد بز الاسكندر في الفتوح يحسم النزاع بين الحق والباطل يتهدد الاعداء ويصدق البلاء فيهم ثم أنه يمتدح الجنود فيقول :
ملكت سبيلهم ففي الشرق مضرب
لجيشك ممدود وفي الغرب مضرب
تمانون ألفا اسد غاب ضارغم
لها مخلب فيهم وللموت مخلــــــــــــب
اذا حملت فالشر وسنان نائـــــــــــــــم
وان غبت فالشر يقظان مغضــــــــــب
ولا شك ان الغريزة الدينية قد تميل بالشاعر الى التعصب الى فئة دون الاخرى الا ان الشاعر المسئول عن مصير الحقيقة ومصير الوحدة البشرية والذي يؤمن بكلية الانسان وشموليته يسقط دينه الروحي من عليائه الى زحمة القتال والتناحر بين البشر يجله عن التمرغ في وحول الدم ومباءة التوحش والغريزة وشوقي لم يكن من رواد الحقيقة الكلية الخالصة من كل شائبه وغير المتطعمة على ذاتها بمباذل البشر واحقادهم وتكالبهم على السلطة والنفوذ وسعيهم الى ان يحيا بعضهم من دماء الآخرين ولحومهم ..
ان للشاعر موقف واحد تجاه هذه القضية هو موقف الداعي الى السلم في سبيل الانسان فايا من مات من الفريقين لم يمت هو ذاته ، والانسان هو الذي مات به ومن خلاله ولو ترى شوقي واخذ بالمنحى التأملي لادراك هذه الحقيقة ولما استسلم الى غرائز القتل والدم وما الى ذلك مما يدعوه مجرمو الشرق والغرب بطولة ، تلك التي تغتذي من احشاء الانسان وتودعه قبر العدم فيما هي توهمه بأنها اودعته قبر الخلود لحا الله الارتزاق في الشعر فإن اولى ضحاياه السلام والحقيقية والاخوة الانسانية ويقع في هذا المضمار امتداحه للسيف على غرار الاقديمن دون افادة من تجارب المحدثين ومن تجارب مؤيدي السلام وزوال الحرب تلك العاهة الكبرى في تاريخ الانسان ، بلى ان الشاعر مسئول عن مصير الانسان وعن الاخوة والحرية للجميع فما باله يمتدح السيف بقوله :
بحقك يعلو الحق والحق أغلــــــــب
وينصر دين الله أيان تضـــــــــــرب
وما السيف الا آيه الملك في الورى
ولا الامر الا للذي يتطلـــــــــــــــب
شوقي في مرآة سكرتيره :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونتوقف مع هذه السطور القليلة اما العادات الصغيرة لشوقي كما يرويها سكرتيره ، فإن هذه العادات لها دلالتها الخاصة على شخصية شوقي ، من ذلك أنه كان لا يحب أن ينفرد بنفسه أبدا فكان يرتاح خمس دقائق بدون انيس وقد يكون هذا الامر غريبا على فنان مبدع يحتاج دائما الى الانفراد بنفسه ولكننا نعلم من هذا الكتاب ان الكثير من قائد شوقي كان يمليها على سكرتيره ومع ذلك فقد كان شوقي يحتمل الوحدة اذا ما كان يعمل في بعض مسرحياته ذلك لان المسرحيات كانت تفرض عليه في أغلب الاحيان أن يكتبها بنفسه ، لانها تحتاج الى مرحلة من التفكير والتخطيط قبل مرحلة الصياغة الشعرية وهذا امر يختلف عن كتابة القصائد التي تعبر عن خواطر مباشرة يستطيع أن يمليها على الغير ...
ومن عادات شوقي ايضا انه كان يدخل السينما كل ليلة بعد العشاء ولم ينقطع عن هذه العادة الا في الشهور الاخيرة من حياته وهي شهور المرض الذي مات على أثره سنة 1932 وكان شوقي يحب السطوع أو يتعاطاه كل يوم ثم انقطع عنه سنة 1928 قبل وفاته بأربع سنوات وكان اذا اراد كتابة قصيدة عالجة لسبب او مناسبة كأن تكون هذه القصيدة مطلوبة منه لالقائها في أحد الاحتفالات أو المناسبات المحددة فقد كان شوقي في هذه الحالة يتناول صفار ثلاث بيضات يشربها نيئه ثم يبدأ في النظم فلا تمض ساعة حتى تكتمل القصيدة .
شوقي في مرآة إبنه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغريب والملفت للنظر أن شوقي كان يحض إبنه على عدم كتاب الشعر ويروي لنا حسين أبنه عن والده والذي سماه ابي شوقي فيقول (( كان ابي يحملنا على الذهاب الى اهرام الجيزة كل يوم جمعة تقريبا ، كنا نأخذ معنا طعامنا ثم نذهب الى مقهى صغير منعزل أمام فندق مينا هاوس وكنا نختار هذا المكان المتواضع لنكون أحرار أذ كنا نذهب في عصبة بوهيمية مرحة كثيرة الصخب من أدباء وفنانين وكان يحضر معنا هذه الرحلات المرحوم حافظ بك ابراهيم الذي كانت صحبته مسلية جدا ، سألني حافظ بك مرة اثناء إحدى هذه الرحلات أتقول الشعر ؟ فأجبته : أجل ولكن قليلا فقال : إذن قل شيئا في الهرم أو في ابو الهول فقلت :
أيا هرمي مصر سلام عليكم
ولكني لم أتمكن من تكملة البيت ، عندئذ فكر حافظ إبراهيم لحظة ثم قال سلام مشوق منذ خمس إليكما
وهو يعني بالخمس ، الخمس سنوات التي قضاها شوقي وأسرته بالمنفى وانشدت حافظ بك ابيات كنت نظمتها في مناسبة أخرى فالتقيت الى ابى وقال ، اتعلم يا شوقي أن ابنك يرجى منه ؟ عليك ان تتعهده ليصير شاعرا مطبوعا فأجا إني افضل ان يعني هو بالنثر لا بالنظم لان الشعر لا يتحمل الوسط ، وحسين لن يبلغ في القمة : فقال حافظ موجها الى الخطاب : لا تطع مشورة أبيك يا حسين ، إنه يقول ذلك لانه غيران منك إذا يخشى ان تسبقه في يوم من الايام : فقال أبي في مرارة : لماذا بربك تريد أن يكون المسكين شاعرا لماذا بربك تريد أن يكون المسكين شاعرا ؟ أليشقى مثلنا ويحرق اعصابه ؟
ويعلق حسين شوقي على هذه الحالة بعد ذلك فيقول ( عرفت صدق كلام أبي بعد مرور عشر سنوات على هذا الحديث عند وفاته لما سألت طبيبنا النمساوي عن سبب الموت لان أبي لم يكن متقدما في السن اذ توفى في الثانية والستين فأجابني الطبيب بأن أبي وإن لم يكن مسنا كانت أعصابه مع الاسف بالية ، وكانت أعصاب شيخ جاوز الثمانين .
وما يقوله عن والده وضعف اعصابه تؤكد مصادر أخري فقد كان الشعر يمتص حياة شوقي بلا رحمه .
المراجع :
*- دراسة ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء .
تأليف : رجاء النقاش .
دار سعاد الصباح لللنشر .
*- احمد شوقي أمير الشعراء
الجزء الثالث – الموضوعات العامة .
تأليف : إليا الحاوي .
دار الكتاب اللبناني – بيروت
*- الشعر العربي المعاصر – دراسة وتقييم
- احمد شوقي أمير الشعراء
الجزء الثاني – دراسة عامة .
تأليف : إليا الحاوي .
دار الكتاب اللبناني – بيروت
الثلاثاء، 19 أبريل 2011
تحليل قصيدة أنشودة المطر للسياب
أنشودة المطر - للسيّاب
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَـهُ المَسَاء ،
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف ،
وَالمَوْتُ ، وَالميلادُ ، والظلامُ ، وَالضِّيَاء ؛
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي ، رَعْشَةُ البُكَاء
كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر !
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر ...
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم ،
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر...
مَطَر...
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ - التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : " بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. " -
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِـهَا وَتَشْرَبُ المَطَر ؛
كَأنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟
بِلا انْتِهَاءٍ - كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ،
كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى - هُوَ الْمَطَر !
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار ،
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ .
أصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـه النشيجْ :
" يَا خَلِيجْ
يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى ... "
أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ ،
حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ
لم تترك الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تَئِنُّ ، والمهاجرين
يُصَارِعُون بِالمجاذيف وبالقُلُوع ،
عَوَاصِفَ الخليج ، والرُّعُودَ ، منشدين :
" مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا - خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ - حِينَ يُعْشُب الثَّرَى- نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
في كُلِّ قَطْرَةٍ مِنَ المَطَر
حَمْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ مِنْ أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وَكُلّ دَمْعَةٍ مِنَ الجيَاعِ وَالعُرَاة
وَكُلّ قَطْرَةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العَبِيدْ
فَهيَ ابْتِسَامٌ في انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جَدِيد
أوْ حُلْمَةٌ تَوَرَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيــدْ
في عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، وَاهِب الحَيَاة !
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
سيُعْشِبُ العِرَاقُ بِالمَطَر ... "
أصِيحُ بالخليج : " يا خَلِيجْ ...
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـهُ النشيجْ :
" يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى . "
وينثر الخليجُ من هِبَاتِـهِ الكِثَارْ ،
عَلَى الرِّمَالِ ، : رغوه الأُجَاجَ ، والمحار
وما تبقَّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لُجَّـة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
" مطر .
مطر ..
مطر ...
في كلِّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراءُ من أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حُلْمَةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، واهب الحياة . "
وَيَهْطُلُ المَطَرْ ..
المصدر : عن ديوانه " أنشودة المطر " ، ضمن مجموعته الكاملة المجلد الأول ص 474 . دار العودة - بيروت - 1997
حدد نوع الصور التي قامت عليها هذه القصيدة ثم اشرحها؟:cup:
أولا: التعريف بالشاعر :بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة:
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
المفردات :
السحر :قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
التحليل
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر ..
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَـهُ المَسَاء ،
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف ،
وَالمَوْتُ ، وَالميلادُ ، والظلامُ ، وَالضِّيَاء ؛
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي ، رَعْشَةُ البُكَاء
كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر !
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر ...
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم ،
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر...
مَطَر...
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ - التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : " بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. " -
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِـهَا وَتَشْرَبُ المَطَر ؛
كَأنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟
بِلا انْتِهَاءٍ - كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ،
كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى - هُوَ الْمَطَر !
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار ،
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ .
أصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـه النشيجْ :
" يَا خَلِيجْ
يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى ... "
أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ ،
حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ
لم تترك الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تَئِنُّ ، والمهاجرين
يُصَارِعُون بِالمجاذيف وبالقُلُوع ،
عَوَاصِفَ الخليج ، والرُّعُودَ ، منشدين :
" مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا - خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ - حِينَ يُعْشُب الثَّرَى- نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
في كُلِّ قَطْرَةٍ مِنَ المَطَر
حَمْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ مِنْ أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وَكُلّ دَمْعَةٍ مِنَ الجيَاعِ وَالعُرَاة
وَكُلّ قَطْرَةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العَبِيدْ
فَهيَ ابْتِسَامٌ في انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جَدِيد
أوْ حُلْمَةٌ تَوَرَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيــدْ
في عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، وَاهِب الحَيَاة !
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
سيُعْشِبُ العِرَاقُ بِالمَطَر ... "
أصِيحُ بالخليج : " يا خَلِيجْ ...
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـهُ النشيجْ :
" يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى . "
وينثر الخليجُ من هِبَاتِـهِ الكِثَارْ ،
عَلَى الرِّمَالِ ، : رغوه الأُجَاجَ ، والمحار
وما تبقَّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لُجَّـة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
" مطر .
مطر ..
مطر ...
في كلِّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراءُ من أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حُلْمَةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، واهب الحياة . "
وَيَهْطُلُ المَطَرْ ..
المصدر : عن ديوانه " أنشودة المطر " ، ضمن مجموعته الكاملة المجلد الأول ص 474 . دار العودة - بيروت - 1997
حدد نوع الصور التي قامت عليها هذه القصيدة ثم اشرحها؟:cup:
أولا: التعريف بالشاعر :بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة:
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
المفردات :
السحر :قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
التحليل
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر ..
تحليل قصيدة ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة ) للقيصر/ فلاح الغريب
تحليل ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة)للقيصر/ فلاح الغريب.
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني = فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ِيْوما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَالكِ
جو النص:
سقوط بغداد،وإرجاع العراق إلى العصر الحجري،وتدمير الحضارة الإسلامية، ودفن كلّ محاولة للتطور العلمي عند العرب،وإبقائهم في ذيل قائمة التطوّر الإنساني والحضاري، ونهب خيراتهم؛ليبقوا لقمة سائغة للغرب،الذي أخذ يبذر كلّ أشكال الفتن،وكلّ أنواع السموم الفكري،التي تتناسب مع قنابله وأحقاده،وحلمه ،بتفتيت العالم الإسلامي،والعمل على إفراغ الدين الإسلامي من محتواه،وقتل كلّ نسمة أمل بالثقة بالنفس،وجعل أرضنا مزرعة لهم ولأبنائهم،وسكانها عبيداً لهم ولأحفادهم.
أفكار النص: وموضوع القصيدة الشكوى ورثاء بغداد ،يصف القيصر في بداية قصيدته جمال بغداد ومرابعها ومغانيها وليالي أنسها ونعيمها وعزّها ومجدها قبل أن تغتالها يد الغدر والتآمر، ويستهلها بمناجاة الأديب الكبير عيسى جرابا،ويأسه من لقاء أصحابه وخلانه،مبيناً أن الشعر يعجز عن وصف هول الكارثة،علما بأن شعر القيصر كان ينساب انسياباّ دفّاقاً وهو يتغنّى بأمجادها قبل تدميرها وفي أيّام عزّها. ولهول المصيبة يُصدم العقل وتشلّ حركته ،فجمالها يحوّله دعاة الحضارة والديمقراطيّة قبحاً،وبناياتها الشامخات يجعلونها يباباً وأطلالاً،والغناء بكاءً،والصباح المشرق ليلا دامساً،والأفراح أحزاناً،والصفاء مكراً،والابتسامات أشجاناً،والطرب شكوى.
وخيول الروم تدمّر الأخضر واليابس،والأهل والإخوان يتفرّجون ،وخيولهم لم تعد تصهل،لأنّها أُعدّت لمقاتلة الإخوان وأبناء العمومة،ورايات نكفورن كلب الروم تعلو خفّاقة،وأيام العز العربي قد ولّت،ولا حيلة للشاعر سوى البكاء على بغداد،وزفرات حرى ،وأشواق بائسة،وتحيّات مكلومة.
يتبع
العاطفة:
تجلّت في القصيدة عدة عواطف،أهمها:
1.الإعجاب ببغداد، وجمال طبيعتها،وحلاوة لياليها،وأمجادها،قبل اجتياح مغول العصر لها.
2.عاطفة الحزن والأسى والألم عمّا حلّ ببغداد،وما حصل لها من تدمير لكل ما هو جميل.
3.عاطفة الكره لجموع الكفر،وما اقترفته أيديهم من هدم وهدٍ ولحد.
4.عاطفة الحب والإعجاب بتاريخ بغداد وأبطالها،ومآثرها.
5.الدهشة لمواقف ذوي القربى،بسكوت قسم ،وتآمر قسم ثان،ومشاركة قسم ثالث...
6.الأمل بالتحرر والانعتاق في آخر المطاف.
7.حبّ العقيدة،ورجالاتها.
ويبدو الشاعر من خلال قصيدته متأثراً أشد التأثر،معتزاً بالذات والقيم الأصيلة،وهي في مجملها عواطف حزينة صادقة،تنم عما يعانيه الشاعر من إحباط وقهر،تحركه أحاسيسه المرهفة،مع الشعور بالأنفة والعزة،وحلم بالمستقبل،وكلها عواطف إنسانية متوهجة.
الخصائص الأسلوبية في النص:
أولاً التصوير الفني:
حرص الشاعر على إبراز أفكاره وترسيخها في نفس السامع أو المتلقي بحشد العديد من الصور الفنية التي انتزعها من بيئته التراثية والثقافيّة،ومن ذلك:
1.قال:
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
(سَوَادُ عينَيْكِ):شبه بغداد بفتاة عينيها سوداوين في الجمال،حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2. (النجومُ الداري في ليَالِيْكِ ) كناية عن ليالي الأنس في بغداد قبل النكبة.
3.قال:
من هاهنا قد رَسَمْتِ المَجْدَ وابتسَمَتْ = أزهارُ روضِكِ وازدَانتْ مَغَانيكِ
(رَسَمْتِ المَجْدَ)
شبه القيصر بناء المجد بالرسم ،بجامع الإيجاد في كلٍ، حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
4.( ابتسَمَتْ أزهارُ روضِكِ)شبّه ابتسام أزهار الروض بفتاة تبتسم بجامع البهجة في كلٍ،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به فالاستعارة مكنية.
5.( وازدَانتْ مَغَانيكِ )شبه المغاني بعروس تزدان لعريسها ،بجامع الجمال في كلٍ، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
يقول الغريب:
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
6.(بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
7. .(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
8. (إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي) شبّه الشعر حُرُوفَ الشّعرِ بإنسان يُتعب،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة. 9.( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ) شبّه حروف الشعر بإنسان يرتمي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
10.يقول الشاعر:
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )يشبه الشاعر نفسه بقيصر، تشبيه بليغ.
11.( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ )يشبه بديع الشعر بالهديّة، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
12.يقول القيصر:
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
13.(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي )يشبه المعاني بملكة يعلو التاج مفرقيها،
، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
14.كما يشبه تاج المعاني بشيء لا يؤرّق...مكنيّة.
15.( دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ )شبه درّ البيان بكائن حي يأتي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
16وو(دُرَّ البَيَانِ) كناية عن الشعر الفصيح القوي البليغ.
( دُرَّ البَيَانِ)كنية عن اللفظ الفصيح،.( تاجَ المعاني)كناية عن المعنى الشريف.
17.( فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)ذكر القوافي(الجزء) وراد به الكل(الشعر) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
يقول الغريب:
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
18.( رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بشجرة ناعمة،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
19.( والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بإنسان يطرب، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية 20.( شدوُ المآثرِ) شبه ما تُحدثه المآثر بالشدو،بجامع الفرح في كلّ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
21.( الدّهرُ يَرْوِيكِ )شبه الشاعر الدهر بإنسان يروي ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
22.يشبه الغريب (مآثرنا) ب(سِنة)أي نعاس،تشبيه بليغ. فلم يترك مغول العصر لبغداد فرصة لتهنأ بنعيمها.
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
23.( وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا ) كناية عن التاريخ العربي الحافل بالأمجاد والبطولات.
24.( صَمْتُ الثّريَّا)و( وألحانُ المَسَاء) كناية عن غياب السرور والفرح عند الشاعر،وعند صاحب النخوة بمجيء الغزو والدمار.
25.( بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ )يشبه الشاعر القلب بالبلبل،، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالشاعر يتوجّع على محبوبته..ويبكيها.
والعبارة أيضاً كناية عن الأسى والحزن،بسبب الاحتلال وجرائمه وأعوانه.
26.(القلب)ذكر الشعر القلب(الجزء) وأرادبه(الشخص ذا المروءة(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئية.
يقول القيصر:
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
27(أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) يشبه القيصر غياب بغداد بغياب وجه غانية جميلة،بسبب الاحتلال،بجامع غياب الجمال في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
ويتوجع الشاعر ويتأوه من عظم ما رأى وما سمع.
28( وجْهُ غَانِيَةٍ ) ذكر الوجه(الجزء)وأراد به الغانية(الكل)مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
ويقول الشاعر:
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
29.( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ) شبه بغداد بفتاة ذات حُسن وجمال، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
فالشاعر يقارن بين محبوبته الجميلة قبل الاغتصاب،والمدمّرة والمستباحة بعد الانتهاك.
30. (بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
31.(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
32.يشبه الشاعر بغداد بالطلل بجامع التدمير الشامل الشامل الشامل في كلّ،تشبيه بليغ من النوع المقلوب،لأنّ التدمير في المشبه(بغداد) أقوى منه في المشبه به (الطلل).
33.( ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ ) كناية عن جمال روابي بغداد قبل الاغتصاب،وإزالة عفتها،بعد أن جنى عليها الصديق والعدو والقريب.
ويقول فلاح:
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
34.يستحضر الشاعر بيت الشاعر العذري، الذي يتأسّى على محبوبته،فيقول:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
ويسمّي النقّاد هذه الطاهرة بالتّناص الأدبي.
35.( وأشواقي وتذكرتي دفنتُها)ويشبه إخفاء الأشواق والذكريات بالدفن بجامع عدم الظهور في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
36.( دفنتُها في فؤادٍ) شبه الفؤاد بالقبر، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالذكريات الحلوة أضاعها التدمير والتشنيع.
ويقول القيصر:
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
37.كناية عن توحّد الشاعر مع العراق،والاندماج،ويركّز الشاعر على الجمال، الذي ذوى وأصبح قبحاً على أيدي أصحاب التقدم والحرية،باسم مساعدة الشعوب،أقصد تدميرها ومحوها عن الخارطة.
ويقول الغريب:
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
38(وفي الرّصافة غنّى القلبُ) ذكر الشاعر القلب(الجزء) وأراد به شخصه(الكلّ) مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفيه أيضا استعاره مكنيّة.
ونلاحظ أن الشاعر يهرب من حاضره بعقله المكدود في هذه الأبيات،من هول ما رأى من مفاجع ومواجع إلى ماضي بغداد الزاهر.
39.(وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ) كناية عن حب الشاعر لمحبوبته بغداد.
40.( وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ ) كناية عن قناعة المحبوبة ورضاها على المحبوب ولفتاته.
يقول القيصر:
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
41.كناية عن بكاء الشاعر على بغداد وما ألمّ بها من فواجع يندى بها جبين الأحرار.
يقول الغريب محاولاً أن يختفي وراء الكلمة مثلي تماماّ،ومعنا الحق في ذلك:
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
42.( فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني ) كناية عن سكوت العامة والخاصة عما يحصل،وعمّا حصل.
43.( ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ )كناية عن غياب الأصالة العربية،وتخاذل الإخوان وأبناء العمومة وتقصيرهم في الدفاع عن الشرف المهدور والمستباح.....(أسد علي وفي الحروب نعامة).
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
44.( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا )الضاد:كناية عن اللغة العربيّة،كناية عن موصوف. 45.( لا همسٌ يذكّرنا )كناية عن سكوت العرب عما حلّ من تدمير أخت،واستباحة شرفها. يتساءل القيصر متعجبا عن سبب صمت أبناء العربية صمت أصحاب الرقيم، فلم يحركوا ساكناً،ولم يقيموا حتّى بمظاهرة شجباً واستنكاراً،وهل اكتفوا بالماضي المجيد،وتركوا صناعة التاريخ للباغي.
46.( بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ)المشبه الهاء العائدة على الضاد،والمشبه به: الفرات،تشبيه مرسل مجمل. يتساءل الشاعر مستغرباً(والشاعر وأنا أحيانا نختبئ وراء الكلمة) لماذا لم تعد الأم تساعد ابتنها،ولماذا تخلت عنها؟
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
يتساءل القيصر هل لزعيم المحتل(بوش) من أمل في نجاحه في العراق؟وبُعيد احتلال العراق صرّح بوش في إحدى الكنائس،قائلاً وهو يهذي(لقد جاءني الرب الليلة الماضية،وقال لي: يا جورج إنّ العراق هبة أمريكا)وسنبقى فيه ما لا يقلّ عن سبعين عاما .
وكأني بالقيصر يستعيد قوته،ويتغلب على ضعفه،ويقول-وكأنني متربع في رأسه-:
لن يقوى بوش على بغداد وأرض المسلمين حاضراً،تماما مثلما خاب ظن نكفور سابقاّ،وكأنّ التاريخ يعيد نفسه.
47.( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ )كناية عن أمجاد بغداد.
يقول القيصر:
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
هذا بيت يحمل المعاني الكبيرة،والدلالات العميقة-والقلم لا يسعفني،تماماّ مثلما لم تؤاتِيْ الشاعر القوافيِ(فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ)،يذكرنا الشاعر بتاريخ بغداد المجيد، فها هو الإمام أحمد بن حنبل يقارع ثلاثة خلفاء:المأمون والمعتصم ثمّ الواثق في قضية خلق القرآن،يُسجن ويُجلد بالسياط وتُخلع يده ويُكبّل بالسلاسل، ويُعارض الخلفاء، ويرى أنّ القرآن ليس مخلوقا،وساعد الإمام في محنته العامة والعلماء،وسأروي لكم قصة عالم أهمله التاريخ،هذا العالم من بلدتي إذنا/الخليل،قبره موجود في الأراضي المحتلة، يبعد عن بيتي ثلاثة كيلو مترات ،عندما علم هذا العالم بمحنة الإمام أحمد، هبّ مسرعاً إلى بغداد،قاطعاً الجبال والأودية والفيافي والصحاري،متجشماً المخاطر ،راكباً دابّة،وليس سيّارة أو طائرة ،إلى أن قابل الخليفة،فسلّم عليه وقال:عظّم الله أجركم في القرآن الكريم ،فقال له الخليفة زاجراً: ولِمَ؟ فقال العالم:ألست تزعم بأنّه مخلوق؟ قال الخليفة:نعم ،فردّ عليه العالم :و أليس كلّ مخلوق سيموت؟والقرآن سيموت إذن.
أخذ الخليفة حينها يتراجع،ثمّ أطلق سراح أحمد بن حنبل،والسؤال ما دور العلماء عندما انتهكت محارم الحمى؟؟؟ وأين العلماء اليوم الذين لهم مواقف عزّ دينية كوقفات أبي حنيفة النعمان؟ وما دور العامة اليوم؟
ويقول الغريب بعد أن امتص هول الضربة،حيث أخذ يستردّ قوته:
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
48.( رِّياحِ الهُوْجِ)كناية عن المصائب. ويشبه الشاعر كلاً من الرياح والليالي بإنسان ينبئ ويخبّر،استعارة مكنيّة في كلّ.
49.(كفَّ الصَّليبِ) كناية عن بطش وهمجيّة المحتلين.
50.( عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ )شبّه القيصر الودّ برحّالة ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
فلدى الشاعر بُعد نظر واستشراف للمستقبل،فيقول-وهذا ما حصل في بداية غزو العراق، عندما خرجت الدهماء ترحب بجند الغزو- إنّ المحتلين النصارى وراء ضحكاتهم الصفراء الويل والثبور،وصح ما توقّعه القيصر ببصيرته الثّاقبة ،وإن الأدهى والأمر من مصائب المحتل،والذلّ الذي لحق بنا وبك هو سكوت أولي الأمر،ولقد رأينا كيف أن أحدهم يستقبل بوش برقصة السيوف‘وهذا تعبير عمّا لحق بنا من ذل،يحاولا الشاعر أن يبتعد عن قول مثل هذا لكن ضغط شجاعته،وشعوره بدفقة شعورية عارمة تنتاب مشاعره، وتكاد تعصف بها-يقول ويخرج عن طوره .
ويقول فلاح،حيث أخذ يزداد قوّة أمام ضغوطات نبل المشاعر والمروءة،وإمارات الضعف أخذت تتراجع وتتهاوى أمام وقع استشرافاته المستقبلية،ومراجعته للتاريخ:
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ينادي الشاعر محبوبته،والنداء هنا يفيد التحبب،فيقول لها:إنّ الاحتلال لن يدم،بعد أن أطبق جند الكفر على حماك بصلف وغرور،واستخفّ بتاريخك،ويؤكّد الشاعر قوله بحرف الجر الزائد في(بدائمَةٍ ) والشاعر يتخوّف من غدر ومكر الأعادي،لكنه ببصيرة المؤمن الصابر الدارس لأصول الدين والتاريخ، مدرك أنّ الاحتلال في زوال،وأن المجد العربي عائد لا محالة إلى ربوع العراق .
(الليالي)كناية عن مصائب الأعادي(ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ)كناية عن سيطرة جموع الكفر على عاصمة الحضارة الإسلامية التي تشكل كابوسا يقضّ مضاجع بوش ومن لفّ لفّه.(الفجر)كناية عن تحرر العراق،فالشاعر باستشرافه للمستقبل يقرر أن الاحتلال سيندحر مهزوماً،وستعود العزة ومعاني الرفعة والسمو إلى ربوعه،وستستمرّ شامخة في كبد السماء،لتؤكّد مكانة العراق الذي سينتصر وسيلقّن الأعادي درساً لن ينسوه،ومن الملاحظ أن استشراف الشاعر قد تحقّق ويتحقّق بعون الله.
(وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ) يشبه الشاعر المجد بشيء يُلمح ويخفق ويناغي، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
(وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ )
يشبه الشاعر الفجر بشيء يُرسم...ويشبّهه مرة أخرى بإنسان يُلقي التحيّة،وفي الحالتين، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
يقول القيصر بعد أن استعاد كلّ قواه،و ولّى ضعفه هارباً:
وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَال
وعندما طلبت من الأحرار نُصرة العراق الذبيح،رأيت مواكب الأبطال قد هبّوا لنجدته،والشاعر يستخدم الفعل الماضي؛لأنه يصلح للسرد القصصي .
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد يتغنّى بهم،وهم مستمتعون.
المشبّه به:صورة الحادي يسير على وقع أنغام قصيدة عذبة،وهو يستمتع بها.
وجه الشبه:صورة شيء يستمتع بشيء آخر.
نوع التشبيه:تمثيلي.
(أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد حولهم يتغنّى بهم،
المشبه به: زهرةُ الروضِ والنّدى يكسُوها ألقاً. أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وجه الشبه:وجود شيء جميل تحفّ به أشياء جميلة.
نوع التشبيه:تمثيلي.
ويصوّر الشاعر مواكب الأحرار الذين هبّوا لنُصرة العراق الذبيح، والأمجاد تحيط بهم،بزهرة الربا تحفّ بها قطرات الندى،أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وهؤلاء الأحرار ساروا على سنة ربهم وحملوا راية الجهاد،راجين نصرته؛لإنقاذ العراق الجريح.
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
والشاعر يقذف بحممه في وجه صلف الغازي،ويخرج عن الأطواق بحذر شديد، يشارك الأحرار،ليس في الأحزان فقط بل بالأفعال،يلبّي داعي الجهاد،يريد مرضاة ربه،وطاعة قلبه(والعمل) بلسم لتفريج الكُرب،والتخفيف من موجات الدفقات الشعورية المتتابعة والضاغطة على أوصال مشاعره الإنسانيّة،وها هو يخرج عن...(الكلمات لا تؤاتيني،ولا إبداع في غياب الحريّة) وقول الشاعر في بغداد زفرات حرّى،محمّلة بالأشجان والأشواق،والتحيّات،والأوج اع من أمّة تاهت،وفقدت بوصلتها،وقتلت دليلها قرباناّ لأحفاد نكفور . والصور الشعرية نابضة بالحركة،مثل:ترتمي،الحان،غ� �ّيد،يأتي ،المدرار ،الريح،يغطي،،الريح،يغطي،خ فافا،سقط.....
وهي زاخرة بعنصر اللون،مثل:دراري،الليل،الف� �ر،بدر،سواد.
وحافلة بعنصر الصوت،مثل:أنغام،شادي،شدو،� �اجيني،سألت،صدى، ،صوت،صهيل....الخ
ثانياّ:
اللغة والأسلوب:
[color="red"]أ.العنوان: ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة).
يوحي العنوان معاني التاريخ الإسلامي المتلألئ كالدرر في حواضره المختلفة،وخاصّة بغداد الرشيد،التي تسبى أمام عجز كامل،وتدمير للنفس،فينقطع الكلام،وتتوقف الأقلام،وتنتشر الأوهام،وتموت الأحلام،وتعجز الأقدم،من هول زلزال قذائف الكفر،وقوّة ضخ ماكينته الإعلاميّة الضخمة ،وحربه الإعلامية.
،فتأتي ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة) لتتلألأ في سماء ليل عربي مدلهم؛لتقول ابتعدوا عن الأوهام،والسكوت عجز،والدرة كوكب متلألئ،استوحت معانيها من تاريخ متلألئ ،والعنوان يختزل التاريخ،ويوحي بما يجب أن يكون عليه الحاضر،فجاء العنوان موفّقاً.
ب.الألفاظ والتراكيب:
جاءت المفردات والتراكيب سهلة وواضحة تلائم الموقف الذي يعبّر عنه الشاعر،ففي مواقف الأسى والحزن والشعور بالمرارة اختار الألفاظ التي التي تعبّر عن لواعج نفسه،وحرقة كبده،ومكنونات فؤاده، بلغة تعبيرية تتسم بالعفويّة والتلقائيّة،فألفاظه سهلة ومأنوسة،ومثال ذلك:أشواق،الصدى،القلب، يشجيني،الفؤاد،أحزان...إلخ.
واختار التراكيب المألوفة،والتي اكتسبها من واقع الحياة والممارسة ولها قدرة على التأثير والإيحاء،تنساب عذبة رقراقة في كلّ أذن،ويستعذبها السامع،وهذه الألفاظ والأساليب تشي ظلالها وإشعاعاتها لتصوّر لنا أحوال الشاعر،وأحواله النفسيّة والشعورية معبرة عن ألم الهزيمة،وذلّ الانكسار ،وقد حشد الشاعر العديد من هذه الألفاظ العاطفية والانفعالية، كما في مثل :( أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) ،( من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ) ،(ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ )، ( لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ)،( وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ ) ،(وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ)،( سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي)، ( دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ ) .( وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )،( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي) ، (وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني ) ،(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ ) ، ( شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ) ومثلها كثير.
أما في نهاية القصيدة فقد اختار ألفاظه من معجم يحمل في طيّاته لغة التحدي،والإيمان بالنصر الإلهي، كما في قوله : (بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً) ،( إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ)،
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية)، ( بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)،( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
ج. الأساليب الخبريّة والإنشائيّة: راوح الشاعر في أساليبه التعبيرية بين الخبر والإنشاء؛حتى لا يكون أسلوبه على وتيرة واحدة،وليجدد نشاط السامع،ويؤثر فيه،ومن الأساليب الإنشائية: الاستفهام الذي يفيد الأسى والحزن(سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ )وفي قوله:( أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ)،ويفيد النفي:( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ)
،والنداء الذي يفيد التحبب والتقرب، في قوله:( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ)
( والتعجب والاستغراب:( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ )،(أم طَلَلٌ عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ)،ويفيد الدهشة والاستغراب كما في قوله:( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ وكما في قوله:( (فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)
أمّا الأساليب الخبريّة،فهي في مجملها تحمل معاني الأسى والحزن والوجد،وتدلّ على هول المصيبة،وألم الفراق والضياع،وعلى قسوة المعاناة،ومرارة التجربة،مثل،( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ)،
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ) ،(وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي)،( وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ)
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني )،
(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )،(شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ)
(وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا )،(لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ)وأغلب القصيدة جاءت أساليبها خبريّة.
د.التناص:
وتعريفه :يرى ميخائيل باختن أن التّناص :تداخل السياقات ووجود علاقة بين نص قديم وآخر جديد .
وترى جوليا كرستيفا أن التّناص :لوحة فسيفسائية من الاقتباسات,وكل نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخرى،وهو أنواع:
التناص الأدبي،ومنه في القصيدة: سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وهذا البيت يذكّرنا بقول الشاعر:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
التناص التاريخي،ومنه: ( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،(وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
التناص الديني:ومنه :( وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ )،(وفقهُ نعمانَ في أقْصَى
أقاصِيْكِ).
وهذا يدلل على سعة ثقافة الشاعر.
ثالثاّ:الوزن والموسيقا:
اختار الشاعر بحر البسيط ؛ليجد متنفساّ للتعبير عن همومه وآلامه،وكذلك أسهم الصائت الطويل (صوت ياء المد) والصائت القصير(الكسرة)، في إيجاد مساحة كافية للتأوّه،وبث الشكوى،والإعلان عما يفيض به قلب الشاعر من لواعج الأسى والحزن،وصوت (النون)يتّسم بالوضوح السمعي كما يرى علماء الأصوات،و يرى الخليل بن أحمد أن هذا الصوت أحد أصوات ثلاثة تجّمل الكلمة،وتولّد الجرس،كل ذلك ساعد على إيجاد نغم موسيقي مفعم باللوعة والأسى والوجد
شخصيّة الشاعر:
اتّسمت شخصيّة الشاعر بالشخصيّة المؤمنة بربها العاملة بأوامره،فهو يقول:
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
وهو ملتزم بقضايا وطنه ودينه،وهذا ساهم على إنجاح هذا العمل،ويتّسم الشاعر بالصدق الفني،فجعله محلقاً بالرغم من الأطواق،التي عملت على تقصيرها،ويبدو أن الشاعر طويل النفس.
ويبدو الشاعر من خلال هذا النص، جيّاش العاطفة،مرهف الحس،رقيق المشاعر،متمسّكاً بالمبادئ السامية،برغم المحبطات.[/color]
منهجي النقديّ:
المنهج التضافريّ،حيث اتكأت على المنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، والبنيويّ ، والمنهج الأخير كان اعتمادي عليه أكثر.،
وآخر دعوانا أن الحمد لله.
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني = فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ِيْوما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَالكِ
جو النص:
سقوط بغداد،وإرجاع العراق إلى العصر الحجري،وتدمير الحضارة الإسلامية، ودفن كلّ محاولة للتطور العلمي عند العرب،وإبقائهم في ذيل قائمة التطوّر الإنساني والحضاري، ونهب خيراتهم؛ليبقوا لقمة سائغة للغرب،الذي أخذ يبذر كلّ أشكال الفتن،وكلّ أنواع السموم الفكري،التي تتناسب مع قنابله وأحقاده،وحلمه ،بتفتيت العالم الإسلامي،والعمل على إفراغ الدين الإسلامي من محتواه،وقتل كلّ نسمة أمل بالثقة بالنفس،وجعل أرضنا مزرعة لهم ولأبنائهم،وسكانها عبيداً لهم ولأحفادهم.
أفكار النص: وموضوع القصيدة الشكوى ورثاء بغداد ،يصف القيصر في بداية قصيدته جمال بغداد ومرابعها ومغانيها وليالي أنسها ونعيمها وعزّها ومجدها قبل أن تغتالها يد الغدر والتآمر، ويستهلها بمناجاة الأديب الكبير عيسى جرابا،ويأسه من لقاء أصحابه وخلانه،مبيناً أن الشعر يعجز عن وصف هول الكارثة،علما بأن شعر القيصر كان ينساب انسياباّ دفّاقاً وهو يتغنّى بأمجادها قبل تدميرها وفي أيّام عزّها. ولهول المصيبة يُصدم العقل وتشلّ حركته ،فجمالها يحوّله دعاة الحضارة والديمقراطيّة قبحاً،وبناياتها الشامخات يجعلونها يباباً وأطلالاً،والغناء بكاءً،والصباح المشرق ليلا دامساً،والأفراح أحزاناً،والصفاء مكراً،والابتسامات أشجاناً،والطرب شكوى.
وخيول الروم تدمّر الأخضر واليابس،والأهل والإخوان يتفرّجون ،وخيولهم لم تعد تصهل،لأنّها أُعدّت لمقاتلة الإخوان وأبناء العمومة،ورايات نكفورن كلب الروم تعلو خفّاقة،وأيام العز العربي قد ولّت،ولا حيلة للشاعر سوى البكاء على بغداد،وزفرات حرى ،وأشواق بائسة،وتحيّات مكلومة.
يتبع
العاطفة:
تجلّت في القصيدة عدة عواطف،أهمها:
1.الإعجاب ببغداد، وجمال طبيعتها،وحلاوة لياليها،وأمجادها،قبل اجتياح مغول العصر لها.
2.عاطفة الحزن والأسى والألم عمّا حلّ ببغداد،وما حصل لها من تدمير لكل ما هو جميل.
3.عاطفة الكره لجموع الكفر،وما اقترفته أيديهم من هدم وهدٍ ولحد.
4.عاطفة الحب والإعجاب بتاريخ بغداد وأبطالها،ومآثرها.
5.الدهشة لمواقف ذوي القربى،بسكوت قسم ،وتآمر قسم ثان،ومشاركة قسم ثالث...
6.الأمل بالتحرر والانعتاق في آخر المطاف.
7.حبّ العقيدة،ورجالاتها.
ويبدو الشاعر من خلال قصيدته متأثراً أشد التأثر،معتزاً بالذات والقيم الأصيلة،وهي في مجملها عواطف حزينة صادقة،تنم عما يعانيه الشاعر من إحباط وقهر،تحركه أحاسيسه المرهفة،مع الشعور بالأنفة والعزة،وحلم بالمستقبل،وكلها عواطف إنسانية متوهجة.
الخصائص الأسلوبية في النص:
أولاً التصوير الفني:
حرص الشاعر على إبراز أفكاره وترسيخها في نفس السامع أو المتلقي بحشد العديد من الصور الفنية التي انتزعها من بيئته التراثية والثقافيّة،ومن ذلك:
1.قال:
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
(سَوَادُ عينَيْكِ):شبه بغداد بفتاة عينيها سوداوين في الجمال،حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2. (النجومُ الداري في ليَالِيْكِ ) كناية عن ليالي الأنس في بغداد قبل النكبة.
3.قال:
من هاهنا قد رَسَمْتِ المَجْدَ وابتسَمَتْ = أزهارُ روضِكِ وازدَانتْ مَغَانيكِ
(رَسَمْتِ المَجْدَ)
شبه القيصر بناء المجد بالرسم ،بجامع الإيجاد في كلٍ، حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
4.( ابتسَمَتْ أزهارُ روضِكِ)شبّه ابتسام أزهار الروض بفتاة تبتسم بجامع البهجة في كلٍ،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به فالاستعارة مكنية.
5.( وازدَانتْ مَغَانيكِ )شبه المغاني بعروس تزدان لعريسها ،بجامع الجمال في كلٍ، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
يقول الغريب:
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
6.(بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
7. .(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
8. (إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي) شبّه الشعر حُرُوفَ الشّعرِ بإنسان يُتعب،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة. 9.( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ) شبّه حروف الشعر بإنسان يرتمي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
10.يقول الشاعر:
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )يشبه الشاعر نفسه بقيصر، تشبيه بليغ.
11.( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ )يشبه بديع الشعر بالهديّة، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
12.يقول القيصر:
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
13.(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي )يشبه المعاني بملكة يعلو التاج مفرقيها،
، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
14.كما يشبه تاج المعاني بشيء لا يؤرّق...مكنيّة.
15.( دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ )شبه درّ البيان بكائن حي يأتي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
16وو(دُرَّ البَيَانِ) كناية عن الشعر الفصيح القوي البليغ.
( دُرَّ البَيَانِ)كنية عن اللفظ الفصيح،.( تاجَ المعاني)كناية عن المعنى الشريف.
17.( فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)ذكر القوافي(الجزء) وراد به الكل(الشعر) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
يقول الغريب:
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
18.( رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بشجرة ناعمة،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
19.( والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بإنسان يطرب، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية 20.( شدوُ المآثرِ) شبه ما تُحدثه المآثر بالشدو،بجامع الفرح في كلّ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
21.( الدّهرُ يَرْوِيكِ )شبه الشاعر الدهر بإنسان يروي ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
22.يشبه الغريب (مآثرنا) ب(سِنة)أي نعاس،تشبيه بليغ. فلم يترك مغول العصر لبغداد فرصة لتهنأ بنعيمها.
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
23.( وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا ) كناية عن التاريخ العربي الحافل بالأمجاد والبطولات.
24.( صَمْتُ الثّريَّا)و( وألحانُ المَسَاء) كناية عن غياب السرور والفرح عند الشاعر،وعند صاحب النخوة بمجيء الغزو والدمار.
25.( بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ )يشبه الشاعر القلب بالبلبل،، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالشاعر يتوجّع على محبوبته..ويبكيها.
والعبارة أيضاً كناية عن الأسى والحزن،بسبب الاحتلال وجرائمه وأعوانه.
26.(القلب)ذكر الشعر القلب(الجزء) وأرادبه(الشخص ذا المروءة(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئية.
يقول القيصر:
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
27(أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) يشبه القيصر غياب بغداد بغياب وجه غانية جميلة،بسبب الاحتلال،بجامع غياب الجمال في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
ويتوجع الشاعر ويتأوه من عظم ما رأى وما سمع.
28( وجْهُ غَانِيَةٍ ) ذكر الوجه(الجزء)وأراد به الغانية(الكل)مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
ويقول الشاعر:
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
29.( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ) شبه بغداد بفتاة ذات حُسن وجمال، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
فالشاعر يقارن بين محبوبته الجميلة قبل الاغتصاب،والمدمّرة والمستباحة بعد الانتهاك.
30. (بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
31.(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
32.يشبه الشاعر بغداد بالطلل بجامع التدمير الشامل الشامل الشامل في كلّ،تشبيه بليغ من النوع المقلوب،لأنّ التدمير في المشبه(بغداد) أقوى منه في المشبه به (الطلل).
33.( ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ ) كناية عن جمال روابي بغداد قبل الاغتصاب،وإزالة عفتها،بعد أن جنى عليها الصديق والعدو والقريب.
ويقول فلاح:
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
34.يستحضر الشاعر بيت الشاعر العذري، الذي يتأسّى على محبوبته،فيقول:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
ويسمّي النقّاد هذه الطاهرة بالتّناص الأدبي.
35.( وأشواقي وتذكرتي دفنتُها)ويشبه إخفاء الأشواق والذكريات بالدفن بجامع عدم الظهور في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
36.( دفنتُها في فؤادٍ) شبه الفؤاد بالقبر، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالذكريات الحلوة أضاعها التدمير والتشنيع.
ويقول القيصر:
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
37.كناية عن توحّد الشاعر مع العراق،والاندماج،ويركّز الشاعر على الجمال، الذي ذوى وأصبح قبحاً على أيدي أصحاب التقدم والحرية،باسم مساعدة الشعوب،أقصد تدميرها ومحوها عن الخارطة.
ويقول الغريب:
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
38(وفي الرّصافة غنّى القلبُ) ذكر الشاعر القلب(الجزء) وأراد به شخصه(الكلّ) مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفيه أيضا استعاره مكنيّة.
ونلاحظ أن الشاعر يهرب من حاضره بعقله المكدود في هذه الأبيات،من هول ما رأى من مفاجع ومواجع إلى ماضي بغداد الزاهر.
39.(وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ) كناية عن حب الشاعر لمحبوبته بغداد.
40.( وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ ) كناية عن قناعة المحبوبة ورضاها على المحبوب ولفتاته.
يقول القيصر:
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
41.كناية عن بكاء الشاعر على بغداد وما ألمّ بها من فواجع يندى بها جبين الأحرار.
يقول الغريب محاولاً أن يختفي وراء الكلمة مثلي تماماّ،ومعنا الحق في ذلك:
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
42.( فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني ) كناية عن سكوت العامة والخاصة عما يحصل،وعمّا حصل.
43.( ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ )كناية عن غياب الأصالة العربية،وتخاذل الإخوان وأبناء العمومة وتقصيرهم في الدفاع عن الشرف المهدور والمستباح.....(أسد علي وفي الحروب نعامة).
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
44.( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا )الضاد:كناية عن اللغة العربيّة،كناية عن موصوف. 45.( لا همسٌ يذكّرنا )كناية عن سكوت العرب عما حلّ من تدمير أخت،واستباحة شرفها. يتساءل القيصر متعجبا عن سبب صمت أبناء العربية صمت أصحاب الرقيم، فلم يحركوا ساكناً،ولم يقيموا حتّى بمظاهرة شجباً واستنكاراً،وهل اكتفوا بالماضي المجيد،وتركوا صناعة التاريخ للباغي.
46.( بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ)المشبه الهاء العائدة على الضاد،والمشبه به: الفرات،تشبيه مرسل مجمل. يتساءل الشاعر مستغرباً(والشاعر وأنا أحيانا نختبئ وراء الكلمة) لماذا لم تعد الأم تساعد ابتنها،ولماذا تخلت عنها؟
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
يتساءل القيصر هل لزعيم المحتل(بوش) من أمل في نجاحه في العراق؟وبُعيد احتلال العراق صرّح بوش في إحدى الكنائس،قائلاً وهو يهذي(لقد جاءني الرب الليلة الماضية،وقال لي: يا جورج إنّ العراق هبة أمريكا)وسنبقى فيه ما لا يقلّ عن سبعين عاما .
وكأني بالقيصر يستعيد قوته،ويتغلب على ضعفه،ويقول-وكأنني متربع في رأسه-:
لن يقوى بوش على بغداد وأرض المسلمين حاضراً،تماما مثلما خاب ظن نكفور سابقاّ،وكأنّ التاريخ يعيد نفسه.
47.( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ )كناية عن أمجاد بغداد.
يقول القيصر:
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
هذا بيت يحمل المعاني الكبيرة،والدلالات العميقة-والقلم لا يسعفني،تماماّ مثلما لم تؤاتِيْ الشاعر القوافيِ(فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ)،يذكرنا الشاعر بتاريخ بغداد المجيد، فها هو الإمام أحمد بن حنبل يقارع ثلاثة خلفاء:المأمون والمعتصم ثمّ الواثق في قضية خلق القرآن،يُسجن ويُجلد بالسياط وتُخلع يده ويُكبّل بالسلاسل، ويُعارض الخلفاء، ويرى أنّ القرآن ليس مخلوقا،وساعد الإمام في محنته العامة والعلماء،وسأروي لكم قصة عالم أهمله التاريخ،هذا العالم من بلدتي إذنا/الخليل،قبره موجود في الأراضي المحتلة، يبعد عن بيتي ثلاثة كيلو مترات ،عندما علم هذا العالم بمحنة الإمام أحمد، هبّ مسرعاً إلى بغداد،قاطعاً الجبال والأودية والفيافي والصحاري،متجشماً المخاطر ،راكباً دابّة،وليس سيّارة أو طائرة ،إلى أن قابل الخليفة،فسلّم عليه وقال:عظّم الله أجركم في القرآن الكريم ،فقال له الخليفة زاجراً: ولِمَ؟ فقال العالم:ألست تزعم بأنّه مخلوق؟ قال الخليفة:نعم ،فردّ عليه العالم :و أليس كلّ مخلوق سيموت؟والقرآن سيموت إذن.
أخذ الخليفة حينها يتراجع،ثمّ أطلق سراح أحمد بن حنبل،والسؤال ما دور العلماء عندما انتهكت محارم الحمى؟؟؟ وأين العلماء اليوم الذين لهم مواقف عزّ دينية كوقفات أبي حنيفة النعمان؟ وما دور العامة اليوم؟
ويقول الغريب بعد أن امتص هول الضربة،حيث أخذ يستردّ قوته:
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
48.( رِّياحِ الهُوْجِ)كناية عن المصائب. ويشبه الشاعر كلاً من الرياح والليالي بإنسان ينبئ ويخبّر،استعارة مكنيّة في كلّ.
49.(كفَّ الصَّليبِ) كناية عن بطش وهمجيّة المحتلين.
50.( عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ )شبّه القيصر الودّ برحّالة ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
فلدى الشاعر بُعد نظر واستشراف للمستقبل،فيقول-وهذا ما حصل في بداية غزو العراق، عندما خرجت الدهماء ترحب بجند الغزو- إنّ المحتلين النصارى وراء ضحكاتهم الصفراء الويل والثبور،وصح ما توقّعه القيصر ببصيرته الثّاقبة ،وإن الأدهى والأمر من مصائب المحتل،والذلّ الذي لحق بنا وبك هو سكوت أولي الأمر،ولقد رأينا كيف أن أحدهم يستقبل بوش برقصة السيوف‘وهذا تعبير عمّا لحق بنا من ذل،يحاولا الشاعر أن يبتعد عن قول مثل هذا لكن ضغط شجاعته،وشعوره بدفقة شعورية عارمة تنتاب مشاعره، وتكاد تعصف بها-يقول ويخرج عن طوره .
ويقول فلاح،حيث أخذ يزداد قوّة أمام ضغوطات نبل المشاعر والمروءة،وإمارات الضعف أخذت تتراجع وتتهاوى أمام وقع استشرافاته المستقبلية،ومراجعته للتاريخ:
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ينادي الشاعر محبوبته،والنداء هنا يفيد التحبب،فيقول لها:إنّ الاحتلال لن يدم،بعد أن أطبق جند الكفر على حماك بصلف وغرور،واستخفّ بتاريخك،ويؤكّد الشاعر قوله بحرف الجر الزائد في(بدائمَةٍ ) والشاعر يتخوّف من غدر ومكر الأعادي،لكنه ببصيرة المؤمن الصابر الدارس لأصول الدين والتاريخ، مدرك أنّ الاحتلال في زوال،وأن المجد العربي عائد لا محالة إلى ربوع العراق .
(الليالي)كناية عن مصائب الأعادي(ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ)كناية عن سيطرة جموع الكفر على عاصمة الحضارة الإسلامية التي تشكل كابوسا يقضّ مضاجع بوش ومن لفّ لفّه.(الفجر)كناية عن تحرر العراق،فالشاعر باستشرافه للمستقبل يقرر أن الاحتلال سيندحر مهزوماً،وستعود العزة ومعاني الرفعة والسمو إلى ربوعه،وستستمرّ شامخة في كبد السماء،لتؤكّد مكانة العراق الذي سينتصر وسيلقّن الأعادي درساً لن ينسوه،ومن الملاحظ أن استشراف الشاعر قد تحقّق ويتحقّق بعون الله.
(وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ) يشبه الشاعر المجد بشيء يُلمح ويخفق ويناغي، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
(وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ )
يشبه الشاعر الفجر بشيء يُرسم...ويشبّهه مرة أخرى بإنسان يُلقي التحيّة،وفي الحالتين، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
يقول القيصر بعد أن استعاد كلّ قواه،و ولّى ضعفه هارباً:
وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَال
وعندما طلبت من الأحرار نُصرة العراق الذبيح،رأيت مواكب الأبطال قد هبّوا لنجدته،والشاعر يستخدم الفعل الماضي؛لأنه يصلح للسرد القصصي .
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد يتغنّى بهم،وهم مستمتعون.
المشبّه به:صورة الحادي يسير على وقع أنغام قصيدة عذبة،وهو يستمتع بها.
وجه الشبه:صورة شيء يستمتع بشيء آخر.
نوع التشبيه:تمثيلي.
(أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد حولهم يتغنّى بهم،
المشبه به: زهرةُ الروضِ والنّدى يكسُوها ألقاً. أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وجه الشبه:وجود شيء جميل تحفّ به أشياء جميلة.
نوع التشبيه:تمثيلي.
ويصوّر الشاعر مواكب الأحرار الذين هبّوا لنُصرة العراق الذبيح، والأمجاد تحيط بهم،بزهرة الربا تحفّ بها قطرات الندى،أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وهؤلاء الأحرار ساروا على سنة ربهم وحملوا راية الجهاد،راجين نصرته؛لإنقاذ العراق الجريح.
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
والشاعر يقذف بحممه في وجه صلف الغازي،ويخرج عن الأطواق بحذر شديد، يشارك الأحرار،ليس في الأحزان فقط بل بالأفعال،يلبّي داعي الجهاد،يريد مرضاة ربه،وطاعة قلبه(والعمل) بلسم لتفريج الكُرب،والتخفيف من موجات الدفقات الشعورية المتتابعة والضاغطة على أوصال مشاعره الإنسانيّة،وها هو يخرج عن...(الكلمات لا تؤاتيني،ولا إبداع في غياب الحريّة) وقول الشاعر في بغداد زفرات حرّى،محمّلة بالأشجان والأشواق،والتحيّات،والأوج اع من أمّة تاهت،وفقدت بوصلتها،وقتلت دليلها قرباناّ لأحفاد نكفور . والصور الشعرية نابضة بالحركة،مثل:ترتمي،الحان،غ� �ّيد،يأتي ،المدرار ،الريح،يغطي،،الريح،يغطي،خ فافا،سقط.....
وهي زاخرة بعنصر اللون،مثل:دراري،الليل،الف� �ر،بدر،سواد.
وحافلة بعنصر الصوت،مثل:أنغام،شادي،شدو،� �اجيني،سألت،صدى، ،صوت،صهيل....الخ
ثانياّ:
اللغة والأسلوب:
[color="red"]أ.العنوان: ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة).
يوحي العنوان معاني التاريخ الإسلامي المتلألئ كالدرر في حواضره المختلفة،وخاصّة بغداد الرشيد،التي تسبى أمام عجز كامل،وتدمير للنفس،فينقطع الكلام،وتتوقف الأقلام،وتنتشر الأوهام،وتموت الأحلام،وتعجز الأقدم،من هول زلزال قذائف الكفر،وقوّة ضخ ماكينته الإعلاميّة الضخمة ،وحربه الإعلامية.
،فتأتي ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة) لتتلألأ في سماء ليل عربي مدلهم؛لتقول ابتعدوا عن الأوهام،والسكوت عجز،والدرة كوكب متلألئ،استوحت معانيها من تاريخ متلألئ ،والعنوان يختزل التاريخ،ويوحي بما يجب أن يكون عليه الحاضر،فجاء العنوان موفّقاً.
ب.الألفاظ والتراكيب:
جاءت المفردات والتراكيب سهلة وواضحة تلائم الموقف الذي يعبّر عنه الشاعر،ففي مواقف الأسى والحزن والشعور بالمرارة اختار الألفاظ التي التي تعبّر عن لواعج نفسه،وحرقة كبده،ومكنونات فؤاده، بلغة تعبيرية تتسم بالعفويّة والتلقائيّة،فألفاظه سهلة ومأنوسة،ومثال ذلك:أشواق،الصدى،القلب، يشجيني،الفؤاد،أحزان...إلخ.
واختار التراكيب المألوفة،والتي اكتسبها من واقع الحياة والممارسة ولها قدرة على التأثير والإيحاء،تنساب عذبة رقراقة في كلّ أذن،ويستعذبها السامع،وهذه الألفاظ والأساليب تشي ظلالها وإشعاعاتها لتصوّر لنا أحوال الشاعر،وأحواله النفسيّة والشعورية معبرة عن ألم الهزيمة،وذلّ الانكسار ،وقد حشد الشاعر العديد من هذه الألفاظ العاطفية والانفعالية، كما في مثل :( أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) ،( من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ) ،(ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ )، ( لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ)،( وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ ) ،(وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ)،( سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي)، ( دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ ) .( وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )،( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي) ، (وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني ) ،(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ ) ، ( شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ) ومثلها كثير.
أما في نهاية القصيدة فقد اختار ألفاظه من معجم يحمل في طيّاته لغة التحدي،والإيمان بالنصر الإلهي، كما في قوله : (بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً) ،( إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ)،
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية)، ( بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)،( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
ج. الأساليب الخبريّة والإنشائيّة: راوح الشاعر في أساليبه التعبيرية بين الخبر والإنشاء؛حتى لا يكون أسلوبه على وتيرة واحدة،وليجدد نشاط السامع،ويؤثر فيه،ومن الأساليب الإنشائية: الاستفهام الذي يفيد الأسى والحزن(سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ )وفي قوله:( أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ)،ويفيد النفي:( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ)
،والنداء الذي يفيد التحبب والتقرب، في قوله:( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ)
( والتعجب والاستغراب:( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ )،(أم طَلَلٌ عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ)،ويفيد الدهشة والاستغراب كما في قوله:( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ وكما في قوله:( (فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)
أمّا الأساليب الخبريّة،فهي في مجملها تحمل معاني الأسى والحزن والوجد،وتدلّ على هول المصيبة،وألم الفراق والضياع،وعلى قسوة المعاناة،ومرارة التجربة،مثل،( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ)،
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ) ،(وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي)،( وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ)
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني )،
(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )،(شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ)
(وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا )،(لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ)وأغلب القصيدة جاءت أساليبها خبريّة.
د.التناص:
وتعريفه :يرى ميخائيل باختن أن التّناص :تداخل السياقات ووجود علاقة بين نص قديم وآخر جديد .
وترى جوليا كرستيفا أن التّناص :لوحة فسيفسائية من الاقتباسات,وكل نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخرى،وهو أنواع:
التناص الأدبي،ومنه في القصيدة: سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وهذا البيت يذكّرنا بقول الشاعر:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
التناص التاريخي،ومنه: ( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،(وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
التناص الديني:ومنه :( وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ )،(وفقهُ نعمانَ في أقْصَى
أقاصِيْكِ).
وهذا يدلل على سعة ثقافة الشاعر.
ثالثاّ:الوزن والموسيقا:
اختار الشاعر بحر البسيط ؛ليجد متنفساّ للتعبير عن همومه وآلامه،وكذلك أسهم الصائت الطويل (صوت ياء المد) والصائت القصير(الكسرة)، في إيجاد مساحة كافية للتأوّه،وبث الشكوى،والإعلان عما يفيض به قلب الشاعر من لواعج الأسى والحزن،وصوت (النون)يتّسم بالوضوح السمعي كما يرى علماء الأصوات،و يرى الخليل بن أحمد أن هذا الصوت أحد أصوات ثلاثة تجّمل الكلمة،وتولّد الجرس،كل ذلك ساعد على إيجاد نغم موسيقي مفعم باللوعة والأسى والوجد
شخصيّة الشاعر:
اتّسمت شخصيّة الشاعر بالشخصيّة المؤمنة بربها العاملة بأوامره،فهو يقول:
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
وهو ملتزم بقضايا وطنه ودينه،وهذا ساهم على إنجاح هذا العمل،ويتّسم الشاعر بالصدق الفني،فجعله محلقاً بالرغم من الأطواق،التي عملت على تقصيرها،ويبدو أن الشاعر طويل النفس.
ويبدو الشاعر من خلال هذا النص، جيّاش العاطفة،مرهف الحس،رقيق المشاعر،متمسّكاً بالمبادئ السامية،برغم المحبطات.[/color]
منهجي النقديّ:
المنهج التضافريّ،حيث اتكأت على المنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، والبنيويّ ، والمنهج الأخير كان اعتمادي عليه أكثر.،
وآخر دعوانا أن الحمد لله.
الأحد، 19 ديسمبر 2010
السياب وإليوت أمام خرابين
مأساة تموز او في التناص بين اليوت وبدر شاكر السياب
اهداء خاص الي الكاتب والقاص الاخ / عبد الغني كرم الله
مأساة تموز - دراسة في تأثير اليوت على شعر السياب*
بقلم : عبد المنعم عبد الله عجب الفيا
أذكر أنه في بداية انفتاحي على القصيدة الحديثة ، في بواكير الشباب كنت معجبا جدا بمطلع قصيدة السياب " أنشودة المطر " حيث يقول :
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأي عنهما القمر
وكنت قد سمعت هذين الشطرين من أحد زملاء الدراسة فعلقا بذاكرتي على الفور وصرت دائم الترديد لهما . ودفعني هذا الإعجاب إلى البحث عن النص الكامل للقصيدة . وكم كانت خيبتي كبيرة عندما قرأت القصيدة كاملة . فقد كنت أظن أن القصيدة من شعر الغزل ، وأن الشاعر سوف يستمر في النسج على المنوال الغنائي الحالم الذي استهل به القصيدة . لكنه ما أن تجاوز الشطر الخامس أو السادس حتى أنتقل فجأة دونما تمهيد من تلك الغنائية الحالمة إلى تصوير مشاهد الموت والجفاف والجوع والعظام المبعثرة واستغاثات الأطفال والعصافير لنزول المطر ثم الفيضان المدمر .
ولم أدرك سر ذلك التحول المفاجئ في نظام القصيدة إلا بعد أن اطلعت على قصيدة ( الأرض الخراب ) للشاعر الإنجليزي الأمريكي ت . اس . اليوت . عندها فقط تبين لي حجم التغيير الذي أحدثه اليوت ليس في شكل ومضمون القصيدة العربية وحسب بل في طريقة قراءتها وتذوقها أيضا .
وتنطلق فكرة قصيدة ، اليوت الأرض الخراب ) من فرضية أن العالم قد تحول عشية الحرب العالمية الأولي إلى أرض جرداء ميتـة وأن أمـل الشاعر صار في إمكانية استعادة الخصوبة إلى هذه الأرض الميتة وبعث الحياة فيها من جديد . وقد انطلق اليوت في الترميز لهذه الرؤية الشعرية بأساطير وطقوس الخصوبة والنماء عند شعوب الشرق القديم والتي استمدها من كتاب " الغصن الذهبي " لجيمس فريزر ، وكتاب "من الطقوس لادب الرومانس " لجسي وستن .
يقول صاحب " الغصن الذهبي " أن الأغريق أخذوا عبادة ادونيس إله الجنس والخصوبة من البابليين والسوريين في حوالي القرن السابع قبل الميلاد . وإن الاسم الحقيقي لأدونيس هو تموز وأن ادونيس مأخوذ في الأصل من اللفظ السومرى ادون أو أدوناى بمعنى الرب أو الإله ويقول أن الأغريق استعملوا لقب التعظيم خطأ وتركوا الاسم الحقيقي . لذلك فهو يعتقد أن قصة ادونيس وافردويت إلهة الحب والجنس الإغريقية هي في الأصل محاكاة لقصة تموز وعشـتار البابلية .
و يعتقد أن الإله تموز يموت في كل سنة مرة وعند موته تختفي معشوقته الإلهة عشتار رمز الأم والخصوبة في عالم الأموات بحثا عنه وفي فترة غيابها يجف الزرع والضرع ويعم القحط . وبعد لأي تنجح في إقناع إله الموت بإطلاق سراح تموز والعودة به إلى عالم الأحياء وعند عودتهما تزدهر الحياة من جديد في الحيوان والنبات . ويمثل غياب تموز لإنسان الشرق القديم فصل الصيف بينما تمثل عودته إلى الحياة ، الربيع . وكانت المراثي والطقوس الاحتفالية تقام في شهر تموز ، الذي سمي باسمه كل عام من أجل عودته وانبعاثه مرة أخري في الربيع . (1)
و قد استلهم اليوت أسطورة إله الخصوبة ، ادونيـس أو تموز، لتجسيد أمله في عودة الحياة والنظام والاستقرار إلى العالم الذي عمته الفوضى والإفلاس الفكري والجدب العاطفي بسبب الحرب العالمية الأولي .
وجريا على طريقة اليوت التقط شعراء الحداثة العرب الفكرة ووظفوها للتعبير عن واقعهم العربـي الـذي رأوا فيـه واقعـا مزريا ينطبق عليه وصف ( الأرض الخراب ) تلك الأرض الميتة التي فقدت القدرة على العطاء . ولم يروا مخرجا من الاستعانة بهذه الرموز الأسطورية التي استفاد منها اليوت والتي هي أصلا جزءا من موروثهم الحضاري القديم وذلك لتجسيد حلمهم بنهضة أمتهم العربية من سباتها الطويل .
وكان جبرا إبراهيم جبرا قد ترجم الأجزاء الخاصة بادونيس وآتيس وأوزيرس من كتاب ( الغصن الذهبي ) لجيمس فريزر . ونشرت الترجمة بإحدى المجلات ببغداد سنة 1954م قبل أن تصدر في كتاب بيروت سنة 1957م (2) . ويبـدو أن السياب قد تعرف على هذه الأساطير من اطلاعه على ترجمة صديقه جبرا . وإذا كان جبرا إبراهيم جبرا قد أطلق صفة الشعراء التموزيين على شعراء الحداثة العرب الذين استلهموا أسطورة تموز ( ادونيس ) في إشعارهم ، فإن بدر شاكر السياب يعد أكثر هؤلاء الشعراء استخداما لرمز تموز وعشيقته ( عشتار ) .
وفي تبريره لتوظيف الأسطورة في الشعر استخدم السياب ذات المنطق الذي سبق أن استخدمه اليوت لتبرير الشئ نفسه . يقول السيباب في ذلك :
" .. لم تكن الحاجة إلى الرمز ، الأسطورة أمس مما هي اليوم . فنحن نعيش في عالم لا شعر فيه ، أعني أن القيم التي تسوده قيم لا شعرية والكلمة العليا فيه للمادة لا الروح . وراحت الأشياء التي كان في وسع الشاعر أن يقولها ، أن يحولها إلى جزء من نفسه تتحطم واحدا فواحدا ، أو تنسحب إلى هامش الحياة . إذن فالتعبير المباشر عن اللاشعور لن يكون شعرا فماذا يفعل الشاعر إذن ؟ عاد إلى الأساطير إلى الخرافات التي ما تزال تحتفظ بحرارتها لأنها ليست جزء من هذا العالم ، عاد إليها ليستعملها رموزا وليبني منها عوالم يتحدى بها منطق الذهب والحديد ، كما راح من جهة إلى أخرى يخلق أساطير جديدة ، وإن كانت محاولاته في خلق هذا النوع من الأساطير قليلة حتى الآن " .(3)
إذن الغرض من استلهام الأسطورة فنيا هو محاولة لاعادة بناء عالم جديد بديلا لهذا العالم الذي يرفضه الشاعر . وفي ذلك يقول اليوت :
" .. إنها ببساطة – أي الأسطورة – وسيلة لاعادة تشكيل العالم تشكيلا يجعله ذا معنى ومحاولة للسـيطرة علـى حركـة التاريخ المعاصر الذي تسوده الفوضـى والعبـث واللاجدوى " .(4)
ومن خلال فكرة الانبعاث والتجدد التي استوحاها من قصيدة ( الأرض الخراب ) وظف السياب ، أساطير الخصوبة لبعث وبناء العالم الذي يحلم به فـي أشعاره . وبلغ قمة نضوجـه فـي ذلك فـي مجموعتـه التي تضم أعظم أشعاره " أنشودة المطر " التي صدرت سنة 1954م ، وأبرز قصائد هذه المجموعة التي تجسد فكرة الانبعاث هي : ( مدينة السندباد ) ، ( مدينة الآلهة ) ، ( تمـوز جيكـور ) ، ( سربروس في بابل ) ، ( رؤيـا عام 1956م ) ، ( النهـر والموت ) ، إضافة إلى ( أنشودة المطر ) التي تحمل اسم الديوان .
فإذا كان العالم قد بدأ في نظر اليوت عشية الحرب العالمية الأولي ( أرضا خرابا ) فإن العالم العربي غدا في نظرالسياب هو الآخر أرضا خرابا أيضا ، لا بسبب الحرب وحسب بل بسبب عوامل أخرى مثل الجهل والتخلف والظلم والاستبداد .
وإذا كان اليوت قد استلهم أساطير الخصوبة عند الشعوب القديمة لمعالجة فكرة استعادة الحياة والنظام إلى أرضه الخراب ، فإن بدر شاكر السياب فعل الشيء نفسه باستعادة هذه الأساطير للتعبير عن رؤاه الشعرية المتمثلة في استنهاض واقعه وتجديده . وإذا كان إله الخصوبة يموت طقوسيا في الصيف ليعود ويبعث في الربيع ليجدد دورة الحياة في الإنسان والحيوان والنبات . فإن الشاعر يرى في هذا الموات الذي يحسه يسود عالمه ، ضرورة حتمية وثمن لابد من دفعه لتأمين طريق النهضة ( الانبعاث ) العربي . بل هو يتمني هذا الموت ويحلم به لأنه السبيل الوحيد لاستعادة الحياة إليه من جديد في قوله بقصيدة ( النهر والموت ) :
أود لو غرفت في دمى إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
وأبعث الحياة إن موتي انتصار !
وكذلك في قصيدة ( مدينة السندباد ) حيث يقول :
فآه يا مطر !
نود لو ننام من جديد
نود لو نموت من جديد
فنومنا براعم انتباه
نود لو أعادنا الإله
ولعل أكثر قصائد السياب تجسيدا لفكرة بعـث ( الأرض الخـراب ) مـن
مواتهـا ، قصـيدة ( أنشودة المطر ) وذلك بخلاف ما يوحي بـه ظاهر القصيدة لا سيما مطلعها الذي يوهم القارئ أول وهلة بأن القصيدة غزلية ذات نغمة رومانسية حالمة . ولعل هذا الاستيهام هو الذي جعل هذه القصيدة الأكثر شهرة بين سائر القراء .
تبدأ ( أنشودة المطر ) بتأكيد خصوبة الأرض وعطاءها السخي حيث تضج كل عناصر الطبيعة بالحب وعنفوان الشباب وذلك في إشارة خفية غير مصرح بها ، إلى ذورة العلاقة وعنفوانها بين الإلهة عشـتار ( الأرض ) وعشيقـها الإله ( تموز ) . ثم ما يلبث أن يدور الزمان دورته ويستحيل كل هذا الرخاء والسخاء إلى جفاف وعقم ويعم الفقر والجوع والموت . ويظل الجميع يحلم بنزول المطر الذي يروي الأرض ويفجر بذرة الحياة فيها لتنبت من كل زوج بهيج .
ولكن حتى عندما يستجاب الدعاء وينزل المطر ، يستحيل إلى فيضان مدمر فيتحول الماء الأمل المرتجي إلى عنصر هلاك ودمار وخراب هو الآخر . ومع ذلك يظل الشاعر يحلم بنزول المطر !
لقد أتخذ السياب في هذه القصيدة ، من ( ثيمة ) المطر ناظما جماليا أو "معادلا موضوعيا " حسب المفهوم الاليوتى للتعبير عن الجفاف المادي والمعنوي رغبة منه في أحياء الموات الذي يسود العالم . وذلك مثلما فعل اليوت حينما وظف ( ثيمة ) الماء للتعبير عن ذات الفكرة في ( الأرض الخراب ) . لذلك نجد أن مفردة ( مطر ) تكررت في قصيدة السياب كثيرا وقد وردت أحيانا في صيغة لازمة موسيقية توالت في ايقاع منتظم : " مطر .. مطر .. مطر .. " أكثر من مرة وبذات الطريقة التي تكررت بها مفـردة ( مـاء ) فـي قصيـدة اليوت .
فقول السياب :
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر ..
مطر ..
مطر ..
هو في الواقع محاكاة لقول اليوت بالقسم الخامس والأخير من ( الأرض الخـراب ) المسـمى ( مـاذا يقـول الرعـد ) حيث يصور اليوت رحلة البحث ( الصحراوية ) عـن المـاء بمعنـاه المـادي والمعنوي تصويرا رائعا تتقطع لـه الأنفاس (5):
Here there is on water but only rock
…………….
If there were the sound of water only
Where the hermit-thrush sings in the pine trees
Drip drop drip drop drop drop
But there is on water
لا ماء هنا وإنما صخر
.........
لو كان هنالك فقط صوت الماء
حيث تغرد عصافير السمان على أشجار الصنوبر
( طق .. طق .. طق )
قطرة ، قطرة ، قطرة
لكن لا ماء.
حتى الخليج الذي يتكرر ذكره في قصيدة السياب أكثر من مرة والذي صار لايهب سوى الموت وعظام الغرقى ، فيه إشارة إلى خليج الدردنيل الذي غرق فيه جان فردينال صديق اليوت في الحرب العالمية الأولي . وقد وردت إليه الاشارة في قـول اليـوت فـي الأرض الخراب :
I think we are in the rats alley
Where the dead men lost their bones.
" أفكر، أنا في ممر الجذران ، حيث فقد الموتى عظامهم " .
ويأتـي ذكـر الخليج في ( أنشودة المطر ) في مقطع شعري يتكرر نحو ثلاث مرات في صورة لازمة موسيقية حيث ينادي الشاعر الخليج بقوله :
" يا خليج يا واهب اللؤلؤ والمحار"
فيرتد إليه صدى النداء خاسئا حسيرا :
" يا خليج يا واهب المحار والردى "
مستبدلا كلمة اللؤلؤ بالردى .
إن ( الموت بالماء ) أو الموت غرقا هو عنوان الجزء الرابع من ( الأرض الخراب ) ويمثل هذا العنوان خاصية من خصائص اليوت الأسلوبية الساخرة وهي توظيف المفارقة كقيمة جمالية للتعبير عن رؤاه الشعرية . فالماء العنصر الأساسي والوحيد في انبعاث الموات واعادة الحياة إلى ( الأرض الخراب ) يتحول إلى عامل من عوامل هذا الموات نفسه . ويعتبر الجزء الرابع ( الموت بالماء ) أقصر أجزاء قصيدة اليوت وقد خصصه اليوت للحديث رمزا عن صديقه جان فردينال الذي مات غرقا في خليج الدردنيل وذلك من خلال توظيف أسطورة الإله الفينيقي فليباس حيث يقول :
Phlelbas the Phoenician, a fortnight dead,
Forget the cry of gulls, and the deep sea swell
And the profit and loss.
A current under sea
Picked his bones in whispers.As he rose and fell
He passed the stages oh his age and youth
Entering the Whirlpool.
فيلباس الفينيقي ميت منذ أسبوعين
نسى صوت النوارس ولجة البحر العميق
والربح والخسارة
تيار بعمق البحر فت عظامه في رفق
وإذ صار يعلو ويهبط
وهو يلج الدوامة
مر بمراحل طفولته والشباب
استلهم السياب في ( أنشودة المطر ) صورة هذا الملاح الغريق الذي تناثرت عظامه في قاع البحر بعد أن ظل طافيا بفعل الموج لبعض الوقت ، ليعيد صياغتها لوصف الخليج ( العربي ) الذي صار لا يلقي باللؤلؤ كما كان يفعل من قبل وإنما يلقي بالزبد وجثث الغرقى من البحارة والمهاجرين البائسين الفقراء ، حيث يقول :
وينشر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوة الأجاج والمحار
وما تبقي من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج والقرار
لاحظ التناص بين قوله : " وما تبقي من عظام بائس غريق ظل يشرب الردى من لجة الخليج والقرار " . وقول اليوت : " تيار بعمق البحر فت عظامه في رفق – وإذ راح يعلو ويهبط وهو يلج الدوامة " .
كذلك استعار السياب في ( أنشودة المطر ) صور شعرية أخري لاليوت من غير ( الأرض الخراب ) . ومن ذلك تشبيه المساء بإنسان وهي من التشبيهات المستحدثة التي أدخلها اليوت ووقف عندها النقاد وقلده فيها الشعراء . وقد ورد هذا التشبيه في أول قصيدة ( أغنية حب الفريد ج . بروفروك ) .
ومن ذلك أيضا تشبيه اليوت الشهير للمساء المتمدد على الكون كتمدد مريض مخدر على منصة طبيب جراح والوارد في مطلع القصيدة المذكورة . وقد استعار السياب هذا التشبيهات في ( أنشودة المطر ) في قوله :
" كالبحر سرح اليدين فوقـه المساء " . وقولـه : " تثـاءب المساء " .
وإذا جاوزنا قصيدة ( أنشودة المطر ) نجد أن السياب وظف فكرة الدفن الواردة في عنوان الجزء الأول ( دفن الموتى ) من قصيدة اليوت في قصائد مثل ( سربروس في بابل ) ، و ( من رؤيا فوكاى ) ، و ( عودة جيكور ) وغيرها ، وذلك في ترسيخ فكرة الانبعاث والانبـات من جديـد . وقـد كانـت جثة إله الخصوبة ادونيس ، تموز ، آتيس ، أوزيريس عند الشعوب القديمة ، تدفن في المزارع كسبر لاستمرار اخضرار الأرض من جديد . ولما كان السياب يتخذ من موت إله الخصوبة كغيره من شعراء الحداثة الذين عرفوا بالتموزيين ، رمزا لموات الواقع العربي ، فإن النهضة التي ينشدها لا تتحقق إلا بدفن هذا الواقع الميت . يقول في قصيدة ( سربروس في بابل ) :
ليعو سربروس في الدروب
وينبش التراب عن إلهنا الدفين
تموزنا الطعين
يأكل ، يمص عينيه إلى القرار
يقصم صلبه ، ينثر الورود والشفيق
آواه لو يفيق
إلهنا الفتى لو يبرعم الحقول
لو ينثر البيادر النضار في السهول
لو ينتض الحسام لو يفجر الرعود والبروق والمطر
ويطلق السيول من يديه . آه لو يؤوب !
وجريا على طريقة اليوت يشـرح الشـاعر فـي هوامش القصيـدة معنى ( سربروس ) ويقول : " سربروس هو الكلب الذي يحرس مملكة الموت في الأساطير اليونانية حيث يقوم عرش برسفون إلهة الربيع بعـد أن أختطفها إله الموت ، وقد صوره دانتى في الكوميديا الإلهيـة حارسـا ومعذبا للأرواح الخاطئة " . (6)
إذن فالكلب الذي أشار اليوت بطرده في المقطع الأخير من الجزء الأول من الأرض الخراب ، حتى لا ينبش الجثة التي زرعها الشخص الذي يخاطبه ويمنعها من الاخضرار والأنبات – هو ذاته الكلب الإله حارس الموتى في الأسطورة اليونانية الذي حبس إلهة الربيع مثلما حبس الإله تموز ومنعه من العودة إلى عالم الأحياء ليعيد الخصوبة إلى الأرض التي ضربهـا الجفاف والعقم فـي غيابه . يقول اليوت :
That corpse you planted last year in your garden,
Has it begun to sprout? Will it bloom this year?
Or has the sudden frost disturbed its bed?
Oh keep the Dog far hence ,that’s friend to men,
Or with his nail he will dig it up again!
هل أنبتت الجثة التي زرعتها في حديقتك ؟
العام الماضي ؟ أتراها تزهر هذا العام ؟
أم ترى أن الصقيع المفاجئ اقضي مضجعها ؟
ألا فتطرد الكلب ، صديق البشر بعيدا عنها
وإلا نبش بأظافره وأخرج الجثة من جديد !!
فالسياب آخذ هذه الصورة الشعرية من اليوت وأعاد توظيفها في قصائده وبالإضافة إلى الحمولات الأسطورية لهذه الصورة التي أشرنا إليها ، فإن اليوت يسخر هنا من جدوى الحرب التي زرعت جثث الموتى في كل مكان ويتساءل لو كان في الإمكان أن تبعث هذه الجثث إلى الحياة من جديد كما كان يبعث إله الخصوبة بعد موته كل عام . ولا شك أن اليوت مهموم بصفة خاصة بالطبع بصديقه جان فردينال الذي مات في الحرب .
ولما كان الموت معبر حتمي إلى الحياة الأبدية الخالدة فهو في حد ذاته شكل من أشكال الحياة وإن أختلف عن الحياة التي نعرفها . فـي الجـزء الأول من ( الأرض الخراب ) يذهب الشاعر إلى العرافة الشهيرة فتجد أن في حياته هذا ( الملاح الفينيقي الغريق ) في إشارة إلى جان فردينال :
Here, said she,
Is your card, the drowned Phoenician Sailor,
(Those are pearls that were his eyes. Look ! )
قالت : هنا !
ها هو كارتك ،
الملاح الفينيقي الغريق
أنظر ! هاتان اللؤلؤتان كانتا عينيه .
ويستعير السياب صورة العينين اللتين تستحيلان إلى لؤلؤلتين من اليوت في قصيدة ( من رؤيا فوكاي ) حيث يقول :
أبوك رائد البحار نام في القرار
من مقلتيه لؤلؤ يبيعه التجار
وحظك الدموع والمحار
وكان اليوت قد ذكر فـي هوامـش ( الأرض الخـراب ) أنه أخذ عبارة ( لؤلؤتان كانتا عينيه ) من قول شكسبير في مسرحية ( العاصفة ) حيث كان الخادم الجني يغني سلوانا لفردناند الذي ظن أن أباه مات غرقا في العاصفة ويخبره أن أباه لم يمت وإنما مر بتحول بحري نفيس ونادر (7):
ها على بعد خمسة أميال
يرقد أبوك ..
من عظامه صنع المرجان
عيناه صارت لؤلؤلتان
لا يتحلل منه شىء
بل يتحول إلى شئ غال ونفيس
عرائس البحر يقرعن ناقوس نعيه كل ساعة
دنغ ، دنغ
ويثبت ذلك السياب في هوامش قصيدته ويقول : " العاصفة ، شكسبير أغنية آريل لفردناند وقد اتخذه ت . س . اليوت في قصيدة الأرض الخراب رمزا عن الحياة من خلال الموت . ولكن لاحظ كيف حولت يبيعه التجار المعنى ! " .(
و" فوكاى " كما يقول السياب في مقدمة كتبت اعلي القصيدة: " كاتب في البعثة اليسوعية في هيروشيما جن من هول ما شاهده عندما ضربت بالقنبلة الذرية " .
اذن إذا كانت قصيدة ( الأرض الخراب ) قد كتبت لنعى الحضارة الغربية عشية الحرب العالمية الأولى ، فإن قصيدة السياب من ( رؤيا فوكاى ) قد كتبت للاحتجاج على أهوال الحرب العالمية الثانية التي وصلت قمة مأساتها بأول تفجير للقنبلة الذرية . لذلك تعد قصيدة ( من رؤيا فوكاى ) أكثر القصائد التي حذا فيها السياب حذر اليوت في ( الأرض الخراب ) من حيث تقسيم القصيدة إلى أجزاء كل جزء يحمل اسما خاص به . ومن حيث توظيف ظاهرة التناص أو التضمين والاستعانة بالهوامش لتوضيح المصادر التي اقتبس منها . إلى جانب تقليد اليوت في استخدام شخصية أسطورية تلتقي عندها جميع شخصيات القصيدة الأخرى .
في أحد هوامش القصيدة يقول السياب : " وليلاحظ قراء قصيدتي هذه أن هنالك شخوصا ثلاثة تترابط في ذهني : الصياد الياباني أو الصيني الغريق الذي أخاطب ابنته ، وابو فرديناند الذي زعم آريل أنه غرق – والقردة ( البابيون ) التي أتخذت مكان أم الطفل في قرارة المحيط كما جاء في قصيدة ايديث ستويل ترنيمة السرير .. " . (9)
وهذه محاكاة صريحة لاليوت عندمـا حـاول أن يجعـل جميع شخصيات ( الأرض الخراب ) تلتقي عند شخصية تيرزياس الأسطورية حيث يقول في هوامشه :
" بالرغم من أن تيرزياس مجرد شاهد في القصيدة إلا أنه يعتبر أهم شخصية في القصيدة كلها ، إذ أنه يوحد بين الجميع . وتلتقي عنده كل الشخصيات الأخري . فالتاجر الأعور وبائع الزبيب يذوبان في الملاح الفينيقي . والملاح الفينيقي لا يختلف هو الآخر كثيرا عـن فردينانـد أميـر نابولـي فـي مسرحية ( العاصفة ) . وكذلك فإن جميع النساء في القصيدة امرأة واحدة ، ويلتقي الجميع رجال ونساء في شخصية تيرزياس . فالذي يراه تيرزياس في الواقع هو جوهر القصيدة .. " . (10)
ولما كانت قصيدة ( من رؤيا فوكاى ) بمثابة مرثية لضحايا القنبلة الذرية في اليابان فقد عمد السياب إلى إيجاد أسطورة يابانية أو صينية ليتخذها معادلا موضوعيا للتعبير عن تعاطفه مع الضحايا والاحتجاج على النهاية المأساوية البشعة التي انتهت إليها الحضارة الغربية . وعن هذه الأسطورة يقول السياب في هامش القصيدة :
" تحدثنا إحدى الأساطير الصينية عن ملك أراد ناقوسا ضخما يصنع من الذهب ، والحديد والفضة والنحاس . وكلف أحد الحكام بصنعه . ولكن المعادن المختلفة أبت أن تتحد . واستشارت كونغاى – وهي ابنة ذلك الحاكم – العرافين بالأمر فأنباؤها بأن المعادن لم تتحد ما لم تمتزج بدماء فتاة عذراء .. وهكذا ألقت كونغاى بنفسها في القدر الضخمة التي تصهر فيها المعادن .. فكان الناقوس .. وظل صدى كونغاى يتردد منـه كلمـا دق : هياى .. كونغاى ، كونغاى " . (11)
وقد جعل السياب من صوت الناقوس في رثاء كونغاى عنوانا للجزء الأول من قصيدة ( من رؤيا فوكاى ) والتي يقول مطلعها :
ما زال ناقوس أبيك يقلق المساء
بأفجع الرثاء :
" هياى .. كونغاى ، كونغاى "
ولا يخفى الشبه بين قول السياب هذا وأغنية ( آريل ) في مسرحية (العاصفة) لشكسبير في رثاء أمير نابولي والتي استوحاها السياب من تناصص اليوت معها في ( الأرض الخراب ) لا سيما في استخدم الناقوس كوسيلة لاعلان الموت والحداد .
وكان قد تعرف السياب قد تعرف اول مرة على شعر اليوت ، أثناء دراسته بكلية المعلمين العالية ببغداد حيث يقول : " وفي سنتي الأخيرتين في دار المعلمين العالية ، تعرفت لأول مرة بالشاعر الإنجليزي تي . اس . اليوت " (12)
وكانت أول إشارة إلى اليوت في شعر السياب ، وردت في ديوان ( أساطير ) الذي صدر سنة 1950م وضم قصائده التي كتبها في سـنتيه الأخيرتيـن بـدار المعلميـن وهما سنتي 47 – 1948م . ووردت الإشارة إلى اليوت في هذا الديوان في موضعين ، الأولى في قصيدة ( ملال ) في قوله :
وتجول عيني في الطريق وتستقر على كتابي
وأكيل بالأقداح ساعاتي وأسخر باكتئابي
فقد أقتبس قوله : " أكيل بالأقداح ساعاتي " من تشبيه مشهور لأليوت ورد بقصيدة " أغنية حب الفريد ج بروفروك " حيث يقول :
" أقيس حياتي بملاعق القهوة " . والإشارة الثانية جاءت في قوله :-
فلتنبت الأرض الخراب
على سنا النجم الحزين
صبارها . (13)
ويعلق السياب على هامش القصيدة على عبارة " الأرض الخراب " قائلا : " عنوان قصيدة للشاعر الإنجليزي الرجعى ت . اس . اليوت " . ووصفه لأليوت هنا بالرجعى ربما يعود إلى انتمائه إلى الحزب الشيوعي آنذاك . حيث كان اليوت في ذلك الوقت يصنف من قبل الشيوعيين باعتباره رمزا من رموز الرجعية الرأسمالية في الأدب . ويبدو أن السياب لا يعبر هنا عن رأيه الشخصي فـي اليوت ، بقدر ما كان يعبر عن ممالاة التزامه الحزبي . فبعد سنوات من ذلك يعود ويصف اليوت بأنه أعظم شاعر حديث في اللغة الإنجليزية . (14)
وبعد انسلاخه عن الحزب الشيوعي في حوالي عام 1953 صار أكثر حرية في التعاطي مع تيارات الشعر العالمي بمختلف اتجاهاته . وبتأثير من الشاعر الإنجليزي اليساري استيفن سبندر تبنى له اتجاها شعريا جديدا سماه " الواقعية الحديثة " حيث يقول : " .. الواقعية التي أدعو إليها هي الواقعية الحديثة التي تحدث عنها الناقد والشاعر الإنجليزي ستيفن سبندر في محاضرته القيمة عن الواقعية الجديدة والفن والتي جاء فيها أن الفنان الحديث أصبح انطباعيا وسرياليا وتكعيبيا ورمزيا في محاولة منه للانسجام بين ذاته والمجتمع " .(15)
هذا المفهوم الشمولي للفن دفعه إلى الإقبال على شعر اليوت والتأثر به أكثر فأكثر . وتجلى ذلك أول الأمر في استلافه لأساطير الخصوبة والبعث التي استلهمها اليوت في قصيدة ( الأرض الخراب ) . فبعد أن كان استعماله الأسطورة لا يتجاوز الزج بأسماء الأساطير اليونانية القديمة في ثنايا قصائده كما كان يفعل شعراء الغرب الرومانسيين مثل كيتس وشيلى اللذين تأثر بهما في بواكير شبابه ، صار يستدعى الأساطير الشرقية مثل عشتار وتموز وادونيس ويحولها إلى مطلق أو معادل موضوعي يجسد أحلامه وأشواقه الخاصة والعامة .
وهكذا يتضح مدي عمق تأثر السياب - أهم رواد قصيدة الحداثة العربية- باليوت وأسلوبه الشعري . إلا أنه يمكن القول إجمالا أن هذا التأثر يكاد ينحصر في الاقتباس والتضمين ( التناص ) وفي استخدام الأسطورة ولا يتعدى ذلك إلى البنية الموسيقية والدرامية للقصيدة والتعبير بالصورة الشعرية ، بديلا عن التقرير المباشر الذي يميز طريقة السياب في الكتابة الشعرية .
________
* نشرت بمجلة الرافد - دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة - عدد 69 - مايو 2003
** فصل من كتاب تحت الطبع : تاثير اليوت علي القصيدة العربية الحديثة
الهوامش :
1- James Frazer,The Golden Bough,Oxford Press,1994,p300-3004
2- د. احسان عباس - بدر شكر السياب - حياته وشعره - دار الثقافة - بيروت - الطبعة الخامسة ص
3- ناجي علوش - مقدمة ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص
4- Students Guide to the selected poems of T.s.Eliot, B.c.Southam,Faber & Faber,Six Edition,p.131
5- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص 482
6- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص 356
7- د. عبد الواحد لؤلؤة - الارض اليباب - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - الطبعة الاولي 1980 - بيروت
8- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995
9- المصدر السابق ص 357
10- T.S.Eliot,The Waste land and other Poems,Faber & Faber,1990,p 44
11- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص 355
12- د. احسان عباس - بدر شكر السياب - حياته وشعره - دار الثقافة - بيروت - الطبعة الخامسة ص 89
13- المصدر السابق ص 145 .
14- المصدر السابق ص 145 .
15- ديوان بدر ساكر السياب - مقدمة ناجي علوش - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995
اهداء خاص الي الكاتب والقاص الاخ / عبد الغني كرم الله
مأساة تموز - دراسة في تأثير اليوت على شعر السياب*
بقلم : عبد المنعم عبد الله عجب الفيا
أذكر أنه في بداية انفتاحي على القصيدة الحديثة ، في بواكير الشباب كنت معجبا جدا بمطلع قصيدة السياب " أنشودة المطر " حيث يقول :
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأي عنهما القمر
وكنت قد سمعت هذين الشطرين من أحد زملاء الدراسة فعلقا بذاكرتي على الفور وصرت دائم الترديد لهما . ودفعني هذا الإعجاب إلى البحث عن النص الكامل للقصيدة . وكم كانت خيبتي كبيرة عندما قرأت القصيدة كاملة . فقد كنت أظن أن القصيدة من شعر الغزل ، وأن الشاعر سوف يستمر في النسج على المنوال الغنائي الحالم الذي استهل به القصيدة . لكنه ما أن تجاوز الشطر الخامس أو السادس حتى أنتقل فجأة دونما تمهيد من تلك الغنائية الحالمة إلى تصوير مشاهد الموت والجفاف والجوع والعظام المبعثرة واستغاثات الأطفال والعصافير لنزول المطر ثم الفيضان المدمر .
ولم أدرك سر ذلك التحول المفاجئ في نظام القصيدة إلا بعد أن اطلعت على قصيدة ( الأرض الخراب ) للشاعر الإنجليزي الأمريكي ت . اس . اليوت . عندها فقط تبين لي حجم التغيير الذي أحدثه اليوت ليس في شكل ومضمون القصيدة العربية وحسب بل في طريقة قراءتها وتذوقها أيضا .
وتنطلق فكرة قصيدة ، اليوت الأرض الخراب ) من فرضية أن العالم قد تحول عشية الحرب العالمية الأولي إلى أرض جرداء ميتـة وأن أمـل الشاعر صار في إمكانية استعادة الخصوبة إلى هذه الأرض الميتة وبعث الحياة فيها من جديد . وقد انطلق اليوت في الترميز لهذه الرؤية الشعرية بأساطير وطقوس الخصوبة والنماء عند شعوب الشرق القديم والتي استمدها من كتاب " الغصن الذهبي " لجيمس فريزر ، وكتاب "من الطقوس لادب الرومانس " لجسي وستن .
يقول صاحب " الغصن الذهبي " أن الأغريق أخذوا عبادة ادونيس إله الجنس والخصوبة من البابليين والسوريين في حوالي القرن السابع قبل الميلاد . وإن الاسم الحقيقي لأدونيس هو تموز وأن ادونيس مأخوذ في الأصل من اللفظ السومرى ادون أو أدوناى بمعنى الرب أو الإله ويقول أن الأغريق استعملوا لقب التعظيم خطأ وتركوا الاسم الحقيقي . لذلك فهو يعتقد أن قصة ادونيس وافردويت إلهة الحب والجنس الإغريقية هي في الأصل محاكاة لقصة تموز وعشـتار البابلية .
و يعتقد أن الإله تموز يموت في كل سنة مرة وعند موته تختفي معشوقته الإلهة عشتار رمز الأم والخصوبة في عالم الأموات بحثا عنه وفي فترة غيابها يجف الزرع والضرع ويعم القحط . وبعد لأي تنجح في إقناع إله الموت بإطلاق سراح تموز والعودة به إلى عالم الأحياء وعند عودتهما تزدهر الحياة من جديد في الحيوان والنبات . ويمثل غياب تموز لإنسان الشرق القديم فصل الصيف بينما تمثل عودته إلى الحياة ، الربيع . وكانت المراثي والطقوس الاحتفالية تقام في شهر تموز ، الذي سمي باسمه كل عام من أجل عودته وانبعاثه مرة أخري في الربيع . (1)
و قد استلهم اليوت أسطورة إله الخصوبة ، ادونيـس أو تموز، لتجسيد أمله في عودة الحياة والنظام والاستقرار إلى العالم الذي عمته الفوضى والإفلاس الفكري والجدب العاطفي بسبب الحرب العالمية الأولي .
وجريا على طريقة اليوت التقط شعراء الحداثة العرب الفكرة ووظفوها للتعبير عن واقعهم العربـي الـذي رأوا فيـه واقعـا مزريا ينطبق عليه وصف ( الأرض الخراب ) تلك الأرض الميتة التي فقدت القدرة على العطاء . ولم يروا مخرجا من الاستعانة بهذه الرموز الأسطورية التي استفاد منها اليوت والتي هي أصلا جزءا من موروثهم الحضاري القديم وذلك لتجسيد حلمهم بنهضة أمتهم العربية من سباتها الطويل .
وكان جبرا إبراهيم جبرا قد ترجم الأجزاء الخاصة بادونيس وآتيس وأوزيرس من كتاب ( الغصن الذهبي ) لجيمس فريزر . ونشرت الترجمة بإحدى المجلات ببغداد سنة 1954م قبل أن تصدر في كتاب بيروت سنة 1957م (2) . ويبـدو أن السياب قد تعرف على هذه الأساطير من اطلاعه على ترجمة صديقه جبرا . وإذا كان جبرا إبراهيم جبرا قد أطلق صفة الشعراء التموزيين على شعراء الحداثة العرب الذين استلهموا أسطورة تموز ( ادونيس ) في إشعارهم ، فإن بدر شاكر السياب يعد أكثر هؤلاء الشعراء استخداما لرمز تموز وعشيقته ( عشتار ) .
وفي تبريره لتوظيف الأسطورة في الشعر استخدم السياب ذات المنطق الذي سبق أن استخدمه اليوت لتبرير الشئ نفسه . يقول السيباب في ذلك :
" .. لم تكن الحاجة إلى الرمز ، الأسطورة أمس مما هي اليوم . فنحن نعيش في عالم لا شعر فيه ، أعني أن القيم التي تسوده قيم لا شعرية والكلمة العليا فيه للمادة لا الروح . وراحت الأشياء التي كان في وسع الشاعر أن يقولها ، أن يحولها إلى جزء من نفسه تتحطم واحدا فواحدا ، أو تنسحب إلى هامش الحياة . إذن فالتعبير المباشر عن اللاشعور لن يكون شعرا فماذا يفعل الشاعر إذن ؟ عاد إلى الأساطير إلى الخرافات التي ما تزال تحتفظ بحرارتها لأنها ليست جزء من هذا العالم ، عاد إليها ليستعملها رموزا وليبني منها عوالم يتحدى بها منطق الذهب والحديد ، كما راح من جهة إلى أخرى يخلق أساطير جديدة ، وإن كانت محاولاته في خلق هذا النوع من الأساطير قليلة حتى الآن " .(3)
إذن الغرض من استلهام الأسطورة فنيا هو محاولة لاعادة بناء عالم جديد بديلا لهذا العالم الذي يرفضه الشاعر . وفي ذلك يقول اليوت :
" .. إنها ببساطة – أي الأسطورة – وسيلة لاعادة تشكيل العالم تشكيلا يجعله ذا معنى ومحاولة للسـيطرة علـى حركـة التاريخ المعاصر الذي تسوده الفوضـى والعبـث واللاجدوى " .(4)
ومن خلال فكرة الانبعاث والتجدد التي استوحاها من قصيدة ( الأرض الخراب ) وظف السياب ، أساطير الخصوبة لبعث وبناء العالم الذي يحلم به فـي أشعاره . وبلغ قمة نضوجـه فـي ذلك فـي مجموعتـه التي تضم أعظم أشعاره " أنشودة المطر " التي صدرت سنة 1954م ، وأبرز قصائد هذه المجموعة التي تجسد فكرة الانبعاث هي : ( مدينة السندباد ) ، ( مدينة الآلهة ) ، ( تمـوز جيكـور ) ، ( سربروس في بابل ) ، ( رؤيـا عام 1956م ) ، ( النهـر والموت ) ، إضافة إلى ( أنشودة المطر ) التي تحمل اسم الديوان .
فإذا كان العالم قد بدأ في نظر اليوت عشية الحرب العالمية الأولي ( أرضا خرابا ) فإن العالم العربي غدا في نظرالسياب هو الآخر أرضا خرابا أيضا ، لا بسبب الحرب وحسب بل بسبب عوامل أخرى مثل الجهل والتخلف والظلم والاستبداد .
وإذا كان اليوت قد استلهم أساطير الخصوبة عند الشعوب القديمة لمعالجة فكرة استعادة الحياة والنظام إلى أرضه الخراب ، فإن بدر شاكر السياب فعل الشيء نفسه باستعادة هذه الأساطير للتعبير عن رؤاه الشعرية المتمثلة في استنهاض واقعه وتجديده . وإذا كان إله الخصوبة يموت طقوسيا في الصيف ليعود ويبعث في الربيع ليجدد دورة الحياة في الإنسان والحيوان والنبات . فإن الشاعر يرى في هذا الموات الذي يحسه يسود عالمه ، ضرورة حتمية وثمن لابد من دفعه لتأمين طريق النهضة ( الانبعاث ) العربي . بل هو يتمني هذا الموت ويحلم به لأنه السبيل الوحيد لاستعادة الحياة إليه من جديد في قوله بقصيدة ( النهر والموت ) :
أود لو غرفت في دمى إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
وأبعث الحياة إن موتي انتصار !
وكذلك في قصيدة ( مدينة السندباد ) حيث يقول :
فآه يا مطر !
نود لو ننام من جديد
نود لو نموت من جديد
فنومنا براعم انتباه
نود لو أعادنا الإله
ولعل أكثر قصائد السياب تجسيدا لفكرة بعـث ( الأرض الخـراب ) مـن
مواتهـا ، قصـيدة ( أنشودة المطر ) وذلك بخلاف ما يوحي بـه ظاهر القصيدة لا سيما مطلعها الذي يوهم القارئ أول وهلة بأن القصيدة غزلية ذات نغمة رومانسية حالمة . ولعل هذا الاستيهام هو الذي جعل هذه القصيدة الأكثر شهرة بين سائر القراء .
تبدأ ( أنشودة المطر ) بتأكيد خصوبة الأرض وعطاءها السخي حيث تضج كل عناصر الطبيعة بالحب وعنفوان الشباب وذلك في إشارة خفية غير مصرح بها ، إلى ذورة العلاقة وعنفوانها بين الإلهة عشـتار ( الأرض ) وعشيقـها الإله ( تموز ) . ثم ما يلبث أن يدور الزمان دورته ويستحيل كل هذا الرخاء والسخاء إلى جفاف وعقم ويعم الفقر والجوع والموت . ويظل الجميع يحلم بنزول المطر الذي يروي الأرض ويفجر بذرة الحياة فيها لتنبت من كل زوج بهيج .
ولكن حتى عندما يستجاب الدعاء وينزل المطر ، يستحيل إلى فيضان مدمر فيتحول الماء الأمل المرتجي إلى عنصر هلاك ودمار وخراب هو الآخر . ومع ذلك يظل الشاعر يحلم بنزول المطر !
لقد أتخذ السياب في هذه القصيدة ، من ( ثيمة ) المطر ناظما جماليا أو "معادلا موضوعيا " حسب المفهوم الاليوتى للتعبير عن الجفاف المادي والمعنوي رغبة منه في أحياء الموات الذي يسود العالم . وذلك مثلما فعل اليوت حينما وظف ( ثيمة ) الماء للتعبير عن ذات الفكرة في ( الأرض الخراب ) . لذلك نجد أن مفردة ( مطر ) تكررت في قصيدة السياب كثيرا وقد وردت أحيانا في صيغة لازمة موسيقية توالت في ايقاع منتظم : " مطر .. مطر .. مطر .. " أكثر من مرة وبذات الطريقة التي تكررت بها مفـردة ( مـاء ) فـي قصيـدة اليوت .
فقول السياب :
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر ..
مطر ..
مطر ..
هو في الواقع محاكاة لقول اليوت بالقسم الخامس والأخير من ( الأرض الخـراب ) المسـمى ( مـاذا يقـول الرعـد ) حيث يصور اليوت رحلة البحث ( الصحراوية ) عـن المـاء بمعنـاه المـادي والمعنوي تصويرا رائعا تتقطع لـه الأنفاس (5):
Here there is on water but only rock
…………….
If there were the sound of water only
Where the hermit-thrush sings in the pine trees
Drip drop drip drop drop drop
But there is on water
لا ماء هنا وإنما صخر
.........
لو كان هنالك فقط صوت الماء
حيث تغرد عصافير السمان على أشجار الصنوبر
( طق .. طق .. طق )
قطرة ، قطرة ، قطرة
لكن لا ماء.
حتى الخليج الذي يتكرر ذكره في قصيدة السياب أكثر من مرة والذي صار لايهب سوى الموت وعظام الغرقى ، فيه إشارة إلى خليج الدردنيل الذي غرق فيه جان فردينال صديق اليوت في الحرب العالمية الأولي . وقد وردت إليه الاشارة في قـول اليـوت فـي الأرض الخراب :
I think we are in the rats alley
Where the dead men lost their bones.
" أفكر، أنا في ممر الجذران ، حيث فقد الموتى عظامهم " .
ويأتـي ذكـر الخليج في ( أنشودة المطر ) في مقطع شعري يتكرر نحو ثلاث مرات في صورة لازمة موسيقية حيث ينادي الشاعر الخليج بقوله :
" يا خليج يا واهب اللؤلؤ والمحار"
فيرتد إليه صدى النداء خاسئا حسيرا :
" يا خليج يا واهب المحار والردى "
مستبدلا كلمة اللؤلؤ بالردى .
إن ( الموت بالماء ) أو الموت غرقا هو عنوان الجزء الرابع من ( الأرض الخراب ) ويمثل هذا العنوان خاصية من خصائص اليوت الأسلوبية الساخرة وهي توظيف المفارقة كقيمة جمالية للتعبير عن رؤاه الشعرية . فالماء العنصر الأساسي والوحيد في انبعاث الموات واعادة الحياة إلى ( الأرض الخراب ) يتحول إلى عامل من عوامل هذا الموات نفسه . ويعتبر الجزء الرابع ( الموت بالماء ) أقصر أجزاء قصيدة اليوت وقد خصصه اليوت للحديث رمزا عن صديقه جان فردينال الذي مات غرقا في خليج الدردنيل وذلك من خلال توظيف أسطورة الإله الفينيقي فليباس حيث يقول :
Phlelbas the Phoenician, a fortnight dead,
Forget the cry of gulls, and the deep sea swell
And the profit and loss.
A current under sea
Picked his bones in whispers.As he rose and fell
He passed the stages oh his age and youth
Entering the Whirlpool.
فيلباس الفينيقي ميت منذ أسبوعين
نسى صوت النوارس ولجة البحر العميق
والربح والخسارة
تيار بعمق البحر فت عظامه في رفق
وإذ صار يعلو ويهبط
وهو يلج الدوامة
مر بمراحل طفولته والشباب
استلهم السياب في ( أنشودة المطر ) صورة هذا الملاح الغريق الذي تناثرت عظامه في قاع البحر بعد أن ظل طافيا بفعل الموج لبعض الوقت ، ليعيد صياغتها لوصف الخليج ( العربي ) الذي صار لا يلقي باللؤلؤ كما كان يفعل من قبل وإنما يلقي بالزبد وجثث الغرقى من البحارة والمهاجرين البائسين الفقراء ، حيث يقول :
وينشر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوة الأجاج والمحار
وما تبقي من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج والقرار
لاحظ التناص بين قوله : " وما تبقي من عظام بائس غريق ظل يشرب الردى من لجة الخليج والقرار " . وقول اليوت : " تيار بعمق البحر فت عظامه في رفق – وإذ راح يعلو ويهبط وهو يلج الدوامة " .
كذلك استعار السياب في ( أنشودة المطر ) صور شعرية أخري لاليوت من غير ( الأرض الخراب ) . ومن ذلك تشبيه المساء بإنسان وهي من التشبيهات المستحدثة التي أدخلها اليوت ووقف عندها النقاد وقلده فيها الشعراء . وقد ورد هذا التشبيه في أول قصيدة ( أغنية حب الفريد ج . بروفروك ) .
ومن ذلك أيضا تشبيه اليوت الشهير للمساء المتمدد على الكون كتمدد مريض مخدر على منصة طبيب جراح والوارد في مطلع القصيدة المذكورة . وقد استعار السياب هذا التشبيهات في ( أنشودة المطر ) في قوله :
" كالبحر سرح اليدين فوقـه المساء " . وقولـه : " تثـاءب المساء " .
وإذا جاوزنا قصيدة ( أنشودة المطر ) نجد أن السياب وظف فكرة الدفن الواردة في عنوان الجزء الأول ( دفن الموتى ) من قصيدة اليوت في قصائد مثل ( سربروس في بابل ) ، و ( من رؤيا فوكاى ) ، و ( عودة جيكور ) وغيرها ، وذلك في ترسيخ فكرة الانبعاث والانبـات من جديـد . وقـد كانـت جثة إله الخصوبة ادونيس ، تموز ، آتيس ، أوزيريس عند الشعوب القديمة ، تدفن في المزارع كسبر لاستمرار اخضرار الأرض من جديد . ولما كان السياب يتخذ من موت إله الخصوبة كغيره من شعراء الحداثة الذين عرفوا بالتموزيين ، رمزا لموات الواقع العربي ، فإن النهضة التي ينشدها لا تتحقق إلا بدفن هذا الواقع الميت . يقول في قصيدة ( سربروس في بابل ) :
ليعو سربروس في الدروب
وينبش التراب عن إلهنا الدفين
تموزنا الطعين
يأكل ، يمص عينيه إلى القرار
يقصم صلبه ، ينثر الورود والشفيق
آواه لو يفيق
إلهنا الفتى لو يبرعم الحقول
لو ينثر البيادر النضار في السهول
لو ينتض الحسام لو يفجر الرعود والبروق والمطر
ويطلق السيول من يديه . آه لو يؤوب !
وجريا على طريقة اليوت يشـرح الشـاعر فـي هوامش القصيـدة معنى ( سربروس ) ويقول : " سربروس هو الكلب الذي يحرس مملكة الموت في الأساطير اليونانية حيث يقوم عرش برسفون إلهة الربيع بعـد أن أختطفها إله الموت ، وقد صوره دانتى في الكوميديا الإلهيـة حارسـا ومعذبا للأرواح الخاطئة " . (6)
إذن فالكلب الذي أشار اليوت بطرده في المقطع الأخير من الجزء الأول من الأرض الخراب ، حتى لا ينبش الجثة التي زرعها الشخص الذي يخاطبه ويمنعها من الاخضرار والأنبات – هو ذاته الكلب الإله حارس الموتى في الأسطورة اليونانية الذي حبس إلهة الربيع مثلما حبس الإله تموز ومنعه من العودة إلى عالم الأحياء ليعيد الخصوبة إلى الأرض التي ضربهـا الجفاف والعقم فـي غيابه . يقول اليوت :
That corpse you planted last year in your garden,
Has it begun to sprout? Will it bloom this year?
Or has the sudden frost disturbed its bed?
Oh keep the Dog far hence ,that’s friend to men,
Or with his nail he will dig it up again!
هل أنبتت الجثة التي زرعتها في حديقتك ؟
العام الماضي ؟ أتراها تزهر هذا العام ؟
أم ترى أن الصقيع المفاجئ اقضي مضجعها ؟
ألا فتطرد الكلب ، صديق البشر بعيدا عنها
وإلا نبش بأظافره وأخرج الجثة من جديد !!
فالسياب آخذ هذه الصورة الشعرية من اليوت وأعاد توظيفها في قصائده وبالإضافة إلى الحمولات الأسطورية لهذه الصورة التي أشرنا إليها ، فإن اليوت يسخر هنا من جدوى الحرب التي زرعت جثث الموتى في كل مكان ويتساءل لو كان في الإمكان أن تبعث هذه الجثث إلى الحياة من جديد كما كان يبعث إله الخصوبة بعد موته كل عام . ولا شك أن اليوت مهموم بصفة خاصة بالطبع بصديقه جان فردينال الذي مات في الحرب .
ولما كان الموت معبر حتمي إلى الحياة الأبدية الخالدة فهو في حد ذاته شكل من أشكال الحياة وإن أختلف عن الحياة التي نعرفها . فـي الجـزء الأول من ( الأرض الخراب ) يذهب الشاعر إلى العرافة الشهيرة فتجد أن في حياته هذا ( الملاح الفينيقي الغريق ) في إشارة إلى جان فردينال :
Here, said she,
Is your card, the drowned Phoenician Sailor,
(Those are pearls that were his eyes. Look ! )
قالت : هنا !
ها هو كارتك ،
الملاح الفينيقي الغريق
أنظر ! هاتان اللؤلؤتان كانتا عينيه .
ويستعير السياب صورة العينين اللتين تستحيلان إلى لؤلؤلتين من اليوت في قصيدة ( من رؤيا فوكاي ) حيث يقول :
أبوك رائد البحار نام في القرار
من مقلتيه لؤلؤ يبيعه التجار
وحظك الدموع والمحار
وكان اليوت قد ذكر فـي هوامـش ( الأرض الخـراب ) أنه أخذ عبارة ( لؤلؤتان كانتا عينيه ) من قول شكسبير في مسرحية ( العاصفة ) حيث كان الخادم الجني يغني سلوانا لفردناند الذي ظن أن أباه مات غرقا في العاصفة ويخبره أن أباه لم يمت وإنما مر بتحول بحري نفيس ونادر (7):
ها على بعد خمسة أميال
يرقد أبوك ..
من عظامه صنع المرجان
عيناه صارت لؤلؤلتان
لا يتحلل منه شىء
بل يتحول إلى شئ غال ونفيس
عرائس البحر يقرعن ناقوس نعيه كل ساعة
دنغ ، دنغ
ويثبت ذلك السياب في هوامش قصيدته ويقول : " العاصفة ، شكسبير أغنية آريل لفردناند وقد اتخذه ت . س . اليوت في قصيدة الأرض الخراب رمزا عن الحياة من خلال الموت . ولكن لاحظ كيف حولت يبيعه التجار المعنى ! " .(
و" فوكاى " كما يقول السياب في مقدمة كتبت اعلي القصيدة: " كاتب في البعثة اليسوعية في هيروشيما جن من هول ما شاهده عندما ضربت بالقنبلة الذرية " .
اذن إذا كانت قصيدة ( الأرض الخراب ) قد كتبت لنعى الحضارة الغربية عشية الحرب العالمية الأولى ، فإن قصيدة السياب من ( رؤيا فوكاى ) قد كتبت للاحتجاج على أهوال الحرب العالمية الثانية التي وصلت قمة مأساتها بأول تفجير للقنبلة الذرية . لذلك تعد قصيدة ( من رؤيا فوكاى ) أكثر القصائد التي حذا فيها السياب حذر اليوت في ( الأرض الخراب ) من حيث تقسيم القصيدة إلى أجزاء كل جزء يحمل اسما خاص به . ومن حيث توظيف ظاهرة التناص أو التضمين والاستعانة بالهوامش لتوضيح المصادر التي اقتبس منها . إلى جانب تقليد اليوت في استخدام شخصية أسطورية تلتقي عندها جميع شخصيات القصيدة الأخرى .
في أحد هوامش القصيدة يقول السياب : " وليلاحظ قراء قصيدتي هذه أن هنالك شخوصا ثلاثة تترابط في ذهني : الصياد الياباني أو الصيني الغريق الذي أخاطب ابنته ، وابو فرديناند الذي زعم آريل أنه غرق – والقردة ( البابيون ) التي أتخذت مكان أم الطفل في قرارة المحيط كما جاء في قصيدة ايديث ستويل ترنيمة السرير .. " . (9)
وهذه محاكاة صريحة لاليوت عندمـا حـاول أن يجعـل جميع شخصيات ( الأرض الخراب ) تلتقي عند شخصية تيرزياس الأسطورية حيث يقول في هوامشه :
" بالرغم من أن تيرزياس مجرد شاهد في القصيدة إلا أنه يعتبر أهم شخصية في القصيدة كلها ، إذ أنه يوحد بين الجميع . وتلتقي عنده كل الشخصيات الأخري . فالتاجر الأعور وبائع الزبيب يذوبان في الملاح الفينيقي . والملاح الفينيقي لا يختلف هو الآخر كثيرا عـن فردينانـد أميـر نابولـي فـي مسرحية ( العاصفة ) . وكذلك فإن جميع النساء في القصيدة امرأة واحدة ، ويلتقي الجميع رجال ونساء في شخصية تيرزياس . فالذي يراه تيرزياس في الواقع هو جوهر القصيدة .. " . (10)
ولما كانت قصيدة ( من رؤيا فوكاى ) بمثابة مرثية لضحايا القنبلة الذرية في اليابان فقد عمد السياب إلى إيجاد أسطورة يابانية أو صينية ليتخذها معادلا موضوعيا للتعبير عن تعاطفه مع الضحايا والاحتجاج على النهاية المأساوية البشعة التي انتهت إليها الحضارة الغربية . وعن هذه الأسطورة يقول السياب في هامش القصيدة :
" تحدثنا إحدى الأساطير الصينية عن ملك أراد ناقوسا ضخما يصنع من الذهب ، والحديد والفضة والنحاس . وكلف أحد الحكام بصنعه . ولكن المعادن المختلفة أبت أن تتحد . واستشارت كونغاى – وهي ابنة ذلك الحاكم – العرافين بالأمر فأنباؤها بأن المعادن لم تتحد ما لم تمتزج بدماء فتاة عذراء .. وهكذا ألقت كونغاى بنفسها في القدر الضخمة التي تصهر فيها المعادن .. فكان الناقوس .. وظل صدى كونغاى يتردد منـه كلمـا دق : هياى .. كونغاى ، كونغاى " . (11)
وقد جعل السياب من صوت الناقوس في رثاء كونغاى عنوانا للجزء الأول من قصيدة ( من رؤيا فوكاى ) والتي يقول مطلعها :
ما زال ناقوس أبيك يقلق المساء
بأفجع الرثاء :
" هياى .. كونغاى ، كونغاى "
ولا يخفى الشبه بين قول السياب هذا وأغنية ( آريل ) في مسرحية (العاصفة) لشكسبير في رثاء أمير نابولي والتي استوحاها السياب من تناصص اليوت معها في ( الأرض الخراب ) لا سيما في استخدم الناقوس كوسيلة لاعلان الموت والحداد .
وكان قد تعرف السياب قد تعرف اول مرة على شعر اليوت ، أثناء دراسته بكلية المعلمين العالية ببغداد حيث يقول : " وفي سنتي الأخيرتين في دار المعلمين العالية ، تعرفت لأول مرة بالشاعر الإنجليزي تي . اس . اليوت " (12)
وكانت أول إشارة إلى اليوت في شعر السياب ، وردت في ديوان ( أساطير ) الذي صدر سنة 1950م وضم قصائده التي كتبها في سـنتيه الأخيرتيـن بـدار المعلميـن وهما سنتي 47 – 1948م . ووردت الإشارة إلى اليوت في هذا الديوان في موضعين ، الأولى في قصيدة ( ملال ) في قوله :
وتجول عيني في الطريق وتستقر على كتابي
وأكيل بالأقداح ساعاتي وأسخر باكتئابي
فقد أقتبس قوله : " أكيل بالأقداح ساعاتي " من تشبيه مشهور لأليوت ورد بقصيدة " أغنية حب الفريد ج بروفروك " حيث يقول :
" أقيس حياتي بملاعق القهوة " . والإشارة الثانية جاءت في قوله :-
فلتنبت الأرض الخراب
على سنا النجم الحزين
صبارها . (13)
ويعلق السياب على هامش القصيدة على عبارة " الأرض الخراب " قائلا : " عنوان قصيدة للشاعر الإنجليزي الرجعى ت . اس . اليوت " . ووصفه لأليوت هنا بالرجعى ربما يعود إلى انتمائه إلى الحزب الشيوعي آنذاك . حيث كان اليوت في ذلك الوقت يصنف من قبل الشيوعيين باعتباره رمزا من رموز الرجعية الرأسمالية في الأدب . ويبدو أن السياب لا يعبر هنا عن رأيه الشخصي فـي اليوت ، بقدر ما كان يعبر عن ممالاة التزامه الحزبي . فبعد سنوات من ذلك يعود ويصف اليوت بأنه أعظم شاعر حديث في اللغة الإنجليزية . (14)
وبعد انسلاخه عن الحزب الشيوعي في حوالي عام 1953 صار أكثر حرية في التعاطي مع تيارات الشعر العالمي بمختلف اتجاهاته . وبتأثير من الشاعر الإنجليزي اليساري استيفن سبندر تبنى له اتجاها شعريا جديدا سماه " الواقعية الحديثة " حيث يقول : " .. الواقعية التي أدعو إليها هي الواقعية الحديثة التي تحدث عنها الناقد والشاعر الإنجليزي ستيفن سبندر في محاضرته القيمة عن الواقعية الجديدة والفن والتي جاء فيها أن الفنان الحديث أصبح انطباعيا وسرياليا وتكعيبيا ورمزيا في محاولة منه للانسجام بين ذاته والمجتمع " .(15)
هذا المفهوم الشمولي للفن دفعه إلى الإقبال على شعر اليوت والتأثر به أكثر فأكثر . وتجلى ذلك أول الأمر في استلافه لأساطير الخصوبة والبعث التي استلهمها اليوت في قصيدة ( الأرض الخراب ) . فبعد أن كان استعماله الأسطورة لا يتجاوز الزج بأسماء الأساطير اليونانية القديمة في ثنايا قصائده كما كان يفعل شعراء الغرب الرومانسيين مثل كيتس وشيلى اللذين تأثر بهما في بواكير شبابه ، صار يستدعى الأساطير الشرقية مثل عشتار وتموز وادونيس ويحولها إلى مطلق أو معادل موضوعي يجسد أحلامه وأشواقه الخاصة والعامة .
وهكذا يتضح مدي عمق تأثر السياب - أهم رواد قصيدة الحداثة العربية- باليوت وأسلوبه الشعري . إلا أنه يمكن القول إجمالا أن هذا التأثر يكاد ينحصر في الاقتباس والتضمين ( التناص ) وفي استخدام الأسطورة ولا يتعدى ذلك إلى البنية الموسيقية والدرامية للقصيدة والتعبير بالصورة الشعرية ، بديلا عن التقرير المباشر الذي يميز طريقة السياب في الكتابة الشعرية .
________
* نشرت بمجلة الرافد - دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة - عدد 69 - مايو 2003
** فصل من كتاب تحت الطبع : تاثير اليوت علي القصيدة العربية الحديثة
الهوامش :
1- James Frazer,The Golden Bough,Oxford Press,1994,p300-3004
2- د. احسان عباس - بدر شكر السياب - حياته وشعره - دار الثقافة - بيروت - الطبعة الخامسة ص
3- ناجي علوش - مقدمة ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص
4- Students Guide to the selected poems of T.s.Eliot, B.c.Southam,Faber & Faber,Six Edition,p.131
5- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص 482
6- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص 356
7- د. عبد الواحد لؤلؤة - الارض اليباب - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - الطبعة الاولي 1980 - بيروت
8- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995
9- المصدر السابق ص 357
10- T.S.Eliot,The Waste land and other Poems,Faber & Faber,1990,p 44
11- ديوان بدر ساكر السياب - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995 ص 355
12- د. احسان عباس - بدر شكر السياب - حياته وشعره - دار الثقافة - بيروت - الطبعة الخامسة ص 89
13- المصدر السابق ص 145 .
14- المصدر السابق ص 145 .
15- ديوان بدر ساكر السياب - مقدمة ناجي علوش - المجلد الاول - دار العودة بيروت - طبعة 1995
الأربعاء، 26 مايو 2010
منهجية تحليل نص المنهج الاجتماعي او النقدي او البنوي( منقول)
منهجية تحليل نص المنهج
الاجتماعي او النقدي او البنوي
سلك الادب العربي طريقا طويلا في درب التطور وذلك انطلاقا من
القصيدة الشعرية مرورا بالاشكال النثرية و انتهاءا بالمقالة النقدية فاصبح
النقد العملة المتبادلة بين النقاد و الادباء .فاصبح النقد كل واحد منهم له
وجهة نضره الخاصة و يعلق عليها بطريقته الخاصة فرغم اختلاف هذا الراي ضل
النقد هو القاسم المشترك بين جل النقاد و الادباء .و لعل المقالة التي بين
ايدينا وهي للناقد{.....} و التي جاءت معنونة ب {.....}نجد ان العنوان يوحي
دلاليا {.....}اذن انطلاقا من دلالة العنوان فالفرضيات التي تطرح نفسها هي
ربما الناقد يتحدث عن {.....}او ربما يتحدث عن {....}او قد يتحدث عن {...}
ولعل هذه الفرضيات حثمت طرح مجموعة من الاشكاليات تكون بمثابة الجسر
الذي سيربطنا باعماق المقالة اذن ما هي يا ثرى القضية المنتقدة في هذه
المقالة . وماهو راي صاحبها . وماهي الخصائص الموضفة من الاساليب و لغة . و
مامدى تمثيلية المقالة للخطاب النثري الذي تنتمي اليه . للاجابة عن كل هذه
التساؤلات سوف نقوم بتسليط الاضواء على كل جوانيب المقالة لايجاد اجوبة
لمختلف هذه الاسئلة بدءا من المنهج و انتهاءا بالخصائص التي وظفها الناقد .
ان المنهج الموضف يظهر انه منهج {.....} وتتضح
الصورة اكثر عندما نجد القصية هي قضية (....5 اسطر ...)اذن يتضح لا غرابة
اذ راينا ان صاحبنا (......)قد وضف المنهج (النفسي )لتعبير عن القضية
(النفسية ) .
اذن و للتعبير عن هذا المنهج و رغبة منه
في ايصال افكاره و انتقاداته و لكل ما يعنيه الامر فانه و ضف مجموعة من
الخصائص فنجده قد استعمل الاسلوب استنباطي حيث انتقل من العام الي الخاص
(........) وقد يستعمل الاستقرائي (...عكس الاستنباطي ..) وكذلك نجده قد
استعمل الاسلوب الحجازي مثلا (.الصبر=ايوب )وايضا نجده قد سخر اسلوب الوصف
قوله (....) وايضا اسلوب التعريف بدوره حاضر في هذه المقالة كقوله (....)
وايضا نجد اسلوب التماثل كقوله (....) وايضا نجد مظاهر الاتساق و الانسجام
حاضرة في المقالة حيث نجد الربط المثنوي قوله (.....) وايضا نجد الربط
الجمعوي قوله (.......) بينما الحالة المقامية بدورها حاضرة حيث استعمل
ضمير المتكلم ويظهر ذلك في قوله (.....) كما نجده قد استخدم الاحالة النصية
حث نجده قد استعمل ضمير الغائب قوله (.....) اما لغة المقالة فتميزت
بالانتقاض الحاد وهي لغة واضحة و سهلة تحمل طابع اقناعي و نرى ان المقالة
قد اتخدت طابعا منهجيا ابتداءا بمقدمة و مرورا بعرض و انتهاءا بخاثمة . بعد
كل هذه الاشواط من التحليل لهذه المقالة النقدية تبين لنا انها تحمل طابع
نقدي ووضف فيها الكاتب المنهج (.....) و اساليبها لم تخرج عن الاساليب
المعمول بها و ذلك باستعمال اما الاسلوب الاستنباطي او الاستقرائي و ايضا
اسلوب التعريف .و ذلك اظفت جمالية على المقالة .
وفي
الخثام يمكن ان نقول هذه المقالة مثلت الاتجاه النقدي خير تمثيل وهي تنظاف
ابداعات النقيض الكبير (....)
الاجتماعي او النقدي او البنوي
سلك الادب العربي طريقا طويلا في درب التطور وذلك انطلاقا من
القصيدة الشعرية مرورا بالاشكال النثرية و انتهاءا بالمقالة النقدية فاصبح
النقد العملة المتبادلة بين النقاد و الادباء .فاصبح النقد كل واحد منهم له
وجهة نضره الخاصة و يعلق عليها بطريقته الخاصة فرغم اختلاف هذا الراي ضل
النقد هو القاسم المشترك بين جل النقاد و الادباء .و لعل المقالة التي بين
ايدينا وهي للناقد{.....} و التي جاءت معنونة ب {.....}نجد ان العنوان يوحي
دلاليا {.....}اذن انطلاقا من دلالة العنوان فالفرضيات التي تطرح نفسها هي
ربما الناقد يتحدث عن {.....}او ربما يتحدث عن {....}او قد يتحدث عن {...}
ولعل هذه الفرضيات حثمت طرح مجموعة من الاشكاليات تكون بمثابة الجسر
الذي سيربطنا باعماق المقالة اذن ما هي يا ثرى القضية المنتقدة في هذه
المقالة . وماهو راي صاحبها . وماهي الخصائص الموضفة من الاساليب و لغة . و
مامدى تمثيلية المقالة للخطاب النثري الذي تنتمي اليه . للاجابة عن كل هذه
التساؤلات سوف نقوم بتسليط الاضواء على كل جوانيب المقالة لايجاد اجوبة
لمختلف هذه الاسئلة بدءا من المنهج و انتهاءا بالخصائص التي وظفها الناقد .
ان المنهج الموضف يظهر انه منهج {.....} وتتضح
الصورة اكثر عندما نجد القصية هي قضية (....5 اسطر ...)اذن يتضح لا غرابة
اذ راينا ان صاحبنا (......)قد وضف المنهج (النفسي )لتعبير عن القضية
(النفسية ) .
اذن و للتعبير عن هذا المنهج و رغبة منه
في ايصال افكاره و انتقاداته و لكل ما يعنيه الامر فانه و ضف مجموعة من
الخصائص فنجده قد استعمل الاسلوب استنباطي حيث انتقل من العام الي الخاص
(........) وقد يستعمل الاستقرائي (...عكس الاستنباطي ..) وكذلك نجده قد
استعمل الاسلوب الحجازي مثلا (.الصبر=ايوب )وايضا نجده قد سخر اسلوب الوصف
قوله (....) وايضا اسلوب التعريف بدوره حاضر في هذه المقالة كقوله (....)
وايضا نجد اسلوب التماثل كقوله (....) وايضا نجد مظاهر الاتساق و الانسجام
حاضرة في المقالة حيث نجد الربط المثنوي قوله (.....) وايضا نجد الربط
الجمعوي قوله (.......) بينما الحالة المقامية بدورها حاضرة حيث استعمل
ضمير المتكلم ويظهر ذلك في قوله (.....) كما نجده قد استخدم الاحالة النصية
حث نجده قد استعمل ضمير الغائب قوله (.....) اما لغة المقالة فتميزت
بالانتقاض الحاد وهي لغة واضحة و سهلة تحمل طابع اقناعي و نرى ان المقالة
قد اتخدت طابعا منهجيا ابتداءا بمقدمة و مرورا بعرض و انتهاءا بخاثمة . بعد
كل هذه الاشواط من التحليل لهذه المقالة النقدية تبين لنا انها تحمل طابع
نقدي ووضف فيها الكاتب المنهج (.....) و اساليبها لم تخرج عن الاساليب
المعمول بها و ذلك باستعمال اما الاسلوب الاستنباطي او الاستقرائي و ايضا
اسلوب التعريف .و ذلك اظفت جمالية على المقالة .
وفي
الخثام يمكن ان نقول هذه المقالة مثلت الاتجاه النقدي خير تمثيل وهي تنظاف
ابداعات النقيض الكبير (....)
الثلاثاء، 25 مايو 2010
الطريقة السليمة لكتابة نص انشائي (منقول)
2010
هام الطريقة السليمة لكتابة نص انشائي/ La Production écrite
ما يجب أن تعرفه:
- لا يكون الامتحان على الموضوع في حد ذاته (إرهاب، إعدام، طفولة، قصة...)، بمعنى لا يجب أن تستعرض عضلاتك المعرفية في الثقافة العامة،
- الامتحان يكون على آليات الكتابة التي قد آكتسبتها في الدرس.
- و عليه، إن كانت أفكارك ثمينة، و لا تعرف طرق تقديمها، فأنت لم تقدم شيئا،
- و إن كانت لديك أفكار بسيطة، لكنك تعطيها في قالب أدبي راق، فأنت قد نجحت.
- أما إذا كنت تملك الاثنين: الفكرة و الاسلوب، فقد وفيت.
كيفية تنقيط الامتحان في الانشاء:
يراعى في الامتحان معايير 4:
* التناسق في الافكار: تجدون أسفله نموذجا للتناسق
* اللغة السليمة: الحذر من الاخطاء اللغوية الشائعة ( pluriel, accents, la terminaison ...)
* التقديم: الكتابة الواضحة، إحترام الفقرات و توضيحها، تجنب الاكثار من التشطيب...
المواضيع:
لديكم موضوع واحد في الامتحان، في كل الحالات، كل المواضيع مرتبطة بنوع النص Typologie textuelle ، كيف؟
1-النص السردي Texte narratif
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
Raconte une séquente narrative où tu présentes tes sentiments vis-vis d'un objet d'enfance
المطلوب إذن هو سرد قصة حيث تعبر عن إحساسك و شيء طغى طفولتك، لعبة، قلم، دفتر، سيارة خشبية...
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص سردي:
** الزمن: بما أن الامر يتعلق بحكاية، فلا بد من إستعمال الماضي Le passé simple et l'imparfait
متى أستعمل l'imparfait و متى أستعمل Le passé simple ؟
عندي فعلين: ألعب مع سيارتي الصغيرة jouer avec ma voiture--- دق أحدهم باب الغرفة Frapper à la porte
قارن معي أخي الحبيب مدة اللعب و مدة الدق على الباب la durée de l'action
-----كما تلاحظ، مدة اللعب طويلة......... إذن أستعمل l'imparfait .........
Je jouais avec ma voiture
----- مدة الدق قصيرة ....... إذن أستعمل Le passé simple ....
Quelqu'un frappa à la porte
** روابط زمنية: puis, ensuite, enfin...
** حقل معجمي مناسب Champ lexical: عد معي للموضوع، المطلوب هو إحساسي بلعبة الطفولة
إذن، لا أنسى أن أستعمل حقلا دلاليا مناسبا للاحاسيس
مثلا:من أجل إحساس الفرحة أستعمل حقلا معجميا للفرحة
Champ lexical de la joie: heureux, tranquilité, pays des merveilles, rêver, etc
2-النص الوصفي Texte de--xx--if
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
A la manière du narrateur, décris une maison marocaine traditionnelle
المطلوب إذن هو وصف منزل مغربي تقليدي على طريقة الراوي الذي يصف دار الشوافة
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص وصفي:
** الزمن: لا تورط نفسك بآستعمال زمن الماضي، استعمل الحاضر Le présent. و إن كنت مضطرا للوصف في الماضي، فممنوع آستعمال Le passé simple. إستعمل l'imparfait
** روابط مكانية: à côté de, près de, en haut, en bas, derrière...
** إستراتيجية وصف: لا تصف غرفة النوم، ثم تنتقل إلى السطح، ثم تعود للتكلم عن الحمام... يجب أن تتخذ موقفا للرؤية. مثلا، تشاهد المنزل التقليدي من الخارج إلى الداخل، أو العكس... ومن العام إلى الخاص...
3-النص الحجاجي Texte argumentatif
مثلا في مسرحية Antigone قد يكون المطلوب ما يلي:
Antigone affirme qu'il est difficile de dire non. Etes-vous d'accord avec cette idée?
المطلوب إذن هو رأيي في فكرة Antigone
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص حجاجي:
** الزمن: استعمل الحاضر Le présent
** روابط منطقية: تجدون الجدول كاملا على هذا الرابط
** فكرة مدافعة عنها Thèse soutenue ou défendue: هي فكرتك، أو موقفك.
لا تجب ب: Je suis d'accord ou je suis contre...
عليك ببناء الحجاج، و المصحح سيفهم الموقف
كيف أبني الحجاج؟
1- فكرتي المدافع عنها + حجج + أمثلة
Il est difficile de dire non. parfois, l'homme est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. les conséquences sont lourdes.
2- العكس
Parfois l'homme est est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. Donc, on peut dire, comme Antigone, il est trop difficile de dire non
3- أنطلق من الفكرة المضادة Thèse adverse ثم أدحضها فكرة فكرة
certains pensent à tort qu'il est facile de dire non. la réalité en est autre. supposons par exemple que...
4- أقبل بالفكرة المضادة مؤقتا ثم أنقلب عليها concession
Il est vrai que...... mais
التناسق في الافكار
لا حظوا معي هذه الجمل
La maison est blanche. Je suis avec mon père
هذا الانتقال من الجملة الاولى إلى الجملة الثانية غامض. يجب تجنبه.
La maison est ouverte. Elle n'est pas fermée
الجملتين لهما نفس المعنى، يسمى هذا بالاطناب. تجنب هذه العملية. كن مباشرا، لا تكثر الكلام أو تحوم حوله.
La maison est blanche. La maison est habitée par des touristes. la maison est belle
كيف أتجنب التكرار؟
أولا بآستعمال الضمير المناسب: elle
ثانيا بآستعمال مرادف: demeure, résidence
ثالثا بآستعمال تقييم - إيجابي أو سلبي: ce paradis هذه الجنة، Cette tombe هذه المقبرة.
ما يجب أن تعرفه:
- لا يكون الامتحان على الموضوع في حد ذاته (إرهاب، إعدام، طفولة، قصة...)، بمعنى لا يجب أن تستعرض عضلاتك المعرفية في الثقافة العامة،
- الامتحان يكون على آليات الكتابة التي قد آكتسبتها في الدرس.
- و عليه، إن كانت أفكارك ثمينة، و لا تعرف طرق تقديمها، فأنت لم تقدم شيئا،
- و إن كانت لديك أفكار بسيطة، لكنك تعطيها في قالب أدبي راق، فأنت قد نجحت.
- أما إذا كنت تملك الاثنين: الفكرة و الاسلوب، فقد وفيت.
كيفية تنقيط الامتحان في الانشاء:
يراعى في الامتحان معايير 4:
* التناسق في الافكار: تجدون أسفله نموذجا للتناسق
* اللغة السليمة: الحذر من الاخطاء اللغوية الشائعة ( pluriel, accents, la terminaison ...)
* التقديم: الكتابة الواضحة، إحترام الفقرات و توضيحها، تجنب الاكثار من التشطيب...
المواضيع:
لديكم موضوع واحد في الامتحان، في كل الحالات، كل المواضيع مرتبطة بنوع النص Typologie textuelle ، كيف؟
1-النص السردي Texte narratif
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
Raconte une séquente narrative où tu présentes tes sentiments vis-vis d'un objet d'enfance
المطلوب إذن هو سرد قصة حيث تعبر عن إحساسك و شيء طغى طفولتك، لعبة، قلم، دفتر، سيارة خشبية...
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص سردي:
** الزمن: بما أن الامر يتعلق بحكاية، فلا بد من إستعمال الماضي Le passé simple et l'imparfait
متى أستعمل l'imparfait و متى أستعمل Le passé simple ؟
عندي فعلين: ألعب مع سيارتي الصغيرة jouer avec ma voiture--- دق أحدهم باب الغرفة Frapper à la porte
قارن معي أخي الحبيب مدة اللعب و مدة الدق على الباب la durée de l'action
-----كما تلاحظ، مدة اللعب طويلة......... إذن أستعمل l'imparfait .........
Je jouais avec ma voiture
----- مدة الدق قصيرة ....... إذن أستعمل Le passé simple ....
Quelqu'un frappa à la porte
** روابط زمنية: puis, ensuite, enfin...
** حقل معجمي مناسب Champ lexical: عد معي للموضوع، المطلوب هو إحساسي بلعبة الطفولة
إذن، لا أنسى أن أستعمل حقلا دلاليا مناسبا للاحاسيس
مثلا:من أجل إحساس الفرحة أستعمل حقلا معجميا للفرحة
Champ lexical de la joie: heureux, tranquilité, pays des merveilles, rêver, etc
2-النص الوصفي Texte de--xx--if
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
A la manière du narrateur, décris une maison marocaine traditionnelle
المطلوب إذن هو وصف منزل مغربي تقليدي على طريقة الراوي الذي يصف دار الشوافة
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص وصفي:
** الزمن: لا تورط نفسك بآستعمال زمن الماضي، استعمل الحاضر Le présent. و إن كنت مضطرا للوصف في الماضي، فممنوع آستعمال Le passé simple. إستعمل l'imparfait
** روابط مكانية: à côté de, près de, en haut, en bas, derrière...
** إستراتيجية وصف: لا تصف غرفة النوم، ثم تنتقل إلى السطح، ثم تعود للتكلم عن الحمام... يجب أن تتخذ موقفا للرؤية. مثلا، تشاهد المنزل التقليدي من الخارج إلى الداخل، أو العكس... ومن العام إلى الخاص...
3-النص الحجاجي Texte argumentatif
مثلا في مسرحية Antigone قد يكون المطلوب ما يلي:
Antigone affirme qu'il est difficile de dire non. Etes-vous d'accord avec cette idée?
المطلوب إذن هو رأيي في فكرة Antigone
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص حجاجي:
** الزمن: استعمل الحاضر Le présent
** روابط منطقية: تجدون الجدول كاملا على هذا الرابط
** فكرة مدافعة عنها Thèse soutenue ou défendue: هي فكرتك، أو موقفك.
لا تجب ب: Je suis d'accord ou je suis contre...
عليك ببناء الحجاج، و المصحح سيفهم الموقف
كيف أبني الحجاج؟
1- فكرتي المدافع عنها + حجج + أمثلة
Il est difficile de dire non. parfois, l'homme est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. les conséquences sont lourdes.
2- العكس
Parfois l'homme est est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. Donc, on peut dire, comme Antigone, il est trop difficile de dire non
3- أنطلق من الفكرة المضادة Thèse adverse ثم أدحضها فكرة فكرة
certains pensent à tort qu'il est facile de dire non. la réalité en est autre. supposons par exemple que...
4- أقبل بالفكرة المضادة مؤقتا ثم أنقلب عليها concession
Il est vrai que...... mais
التناسق في الافكار
لا حظوا معي هذه الجمل
La maison est blanche. Je suis avec mon père
هذا الانتقال من الجملة الاولى إلى الجملة الثانية غامض. يجب تجنبه.
La maison est ouverte. Elle n'est pas fermée
الجملتين لهما نفس المعنى، يسمى هذا بالاطناب. تجنب هذه العملية. كن مباشرا، لا تكثر الكلام أو تحوم حوله.
La maison est blanche. La maison est habitée par des touristes. la maison est belle
كيف أتجنب التكرار؟
أولا بآستعمال الضمير المناسب: elle
ثانيا بآستعمال مرادف: demeure, résidence
ثالثا بآستعمال تقييم - إيجابي أو سلبي: ce paradis هذه الجنة، Cette tombe هذه المقبرة.
م
هام الطريقة السليمة لكتابة نص انشائي/ La Production écrite
ما يجب أن تعرفه:
- لا يكون الامتحان على الموضوع في حد ذاته (إرهاب، إعدام، طفولة، قصة...)، بمعنى لا يجب أن تستعرض عضلاتك المعرفية في الثقافة العامة،
- الامتحان يكون على آليات الكتابة التي قد آكتسبتها في الدرس.
- و عليه، إن كانت أفكارك ثمينة، و لا تعرف طرق تقديمها، فأنت لم تقدم شيئا،
- و إن كانت لديك أفكار بسيطة، لكنك تعطيها في قالب أدبي راق، فأنت قد نجحت.
- أما إذا كنت تملك الاثنين: الفكرة و الاسلوب، فقد وفيت.
كيفية تنقيط الامتحان في الانشاء:
يراعى في الامتحان معايير 4:
* التناسق في الافكار: تجدون أسفله نموذجا للتناسق
* اللغة السليمة: الحذر من الاخطاء اللغوية الشائعة ( pluriel, accents, la terminaison ...)
* التقديم: الكتابة الواضحة، إحترام الفقرات و توضيحها، تجنب الاكثار من التشطيب...
المواضيع:
لديكم موضوع واحد في الامتحان، في كل الحالات، كل المواضيع مرتبطة بنوع النص Typologie textuelle ، كيف؟
1-النص السردي Texte narratif
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
Raconte une séquente narrative où tu présentes tes sentiments vis-vis d'un objet d'enfance
المطلوب إذن هو سرد قصة حيث تعبر عن إحساسك و شيء طغى طفولتك، لعبة، قلم، دفتر، سيارة خشبية...
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص سردي:
** الزمن: بما أن الامر يتعلق بحكاية، فلا بد من إستعمال الماضي Le passé simple et l'imparfait
متى أستعمل l'imparfait و متى أستعمل Le passé simple ؟
عندي فعلين: ألعب مع سيارتي الصغيرة jouer avec ma voiture--- دق أحدهم باب الغرفة Frapper à la porte
قارن معي أخي الحبيب مدة اللعب و مدة الدق على الباب la durée de l'action
-----كما تلاحظ، مدة اللعب طويلة......... إذن أستعمل l'imparfait .........
Je jouais avec ma voiture
----- مدة الدق قصيرة ....... إذن أستعمل Le passé simple ....
Quelqu'un frappa à la porte
** روابط زمنية: puis, ensuite, enfin...
** حقل معجمي مناسب Champ lexical: عد معي للموضوع، المطلوب هو إحساسي بلعبة الطفولة
إذن، لا أنسى أن أستعمل حقلا دلاليا مناسبا للاحاسيس
مثلا:من أجل إحساس الفرحة أستعمل حقلا معجميا للفرحة
Champ lexical de la joie: heureux, tranquilité, pays des merveilles, rêver, etc
2-النص الوصفي Texte de--xx--if
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
A la manière du narrateur, décris une maison marocaine traditionnelle
المطلوب إذن هو وصف منزل مغربي تقليدي على طريقة الراوي الذي يصف دار الشوافة
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص وصفي:
** الزمن: لا تورط نفسك بآستعمال زمن الماضي، استعمل الحاضر Le présent. و إن كنت مضطرا للوصف في الماضي، فممنوع آستعمال Le passé simple. إستعمل l'imparfait
** روابط مكانية: à côté de, près de, en haut, en bas, derrière...
** إستراتيجية وصف: لا تصف غرفة النوم، ثم تنتقل إلى السطح، ثم تعود للتكلم عن الحمام... يجب أن تتخذ موقفا للرؤية. مثلا، تشاهد المنزل التقليدي من الخارج إلى الداخل، أو العكس... ومن العام إلى الخاص...
3-النص الحجاجي Texte argumentatif
مثلا في مسرحية Antigone قد يكون المطلوب ما يلي:
Antigone affirme qu'il est difficile de dire non. Etes-vous d'accord avec cette idée?
المطلوب إذن هو رأيي في فكرة Antigone
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص حجاجي:
** الزمن: استعمل الحاضر Le présent
** روابط منطقية: تجدون الجدول كاملا على هذا الرابط
** فكرة مدافعة عنها Thèse soutenue ou défendue: هي فكرتك، أو موقفك.
لا تجب ب: Je suis d'accord ou je suis contre...
عليك ببناء الحجاج، و المصحح سيفهم الموقف
كيف أبني الحجاج؟
1- فكرتي المدافع عنها + حجج + أمثلة
Il est difficile de dire non. parfois, l'homme est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. les conséquences sont lourdes.
2- العكس
Parfois l'homme est est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. Donc, on peut dire, comme Antigone, il est trop difficile de dire non
3- أنطلق من الفكرة المضادة Thèse adverse ثم أدحضها فكرة فكرة
certains pensent à tort qu'il est facile de dire non. la réalité en est autre. supposons par exemple que...
4- أقبل بالفكرة المضادة مؤقتا ثم أنقلب عليها concession
Il est vrai que...... mais
التناسق في الافكار
لا حظوا معي هذه الجمل
La maison est blanche. Je suis avec mon père
هذا الانتقال من الجملة الاولى إلى الجملة الثانية غامض. يجب تجنبه.
La maison est ouverte. Elle n'est pas fermée
الجملتين لهما نفس المعنى، يسمى هذا بالاطناب. تجنب هذه العملية. كن مباشرا، لا تكثر الكلام أو تحوم حوله.
La maison est blanche. La maison est habitée par des touristes. la maison est belle
كيف أتجنب التكرار؟
أولا بآستعمال الضمير المناسب: elle
ثانيا بآستعمال مرادف: demeure, résidence
ثالثا بآستعمال تقييم - إيجابي أو سلبي: ce paradis هذه الجنة، Cette tombe هذه المقبرة.
ما يجب أن تعرفه:
- لا يكون الامتحان على الموضوع في حد ذاته (إرهاب، إعدام، طفولة، قصة...)، بمعنى لا يجب أن تستعرض عضلاتك المعرفية في الثقافة العامة،
- الامتحان يكون على آليات الكتابة التي قد آكتسبتها في الدرس.
- و عليه، إن كانت أفكارك ثمينة، و لا تعرف طرق تقديمها، فأنت لم تقدم شيئا،
- و إن كانت لديك أفكار بسيطة، لكنك تعطيها في قالب أدبي راق، فأنت قد نجحت.
- أما إذا كنت تملك الاثنين: الفكرة و الاسلوب، فقد وفيت.
كيفية تنقيط الامتحان في الانشاء:
يراعى في الامتحان معايير 4:
* التناسق في الافكار: تجدون أسفله نموذجا للتناسق
* اللغة السليمة: الحذر من الاخطاء اللغوية الشائعة ( pluriel, accents, la terminaison ...)
* التقديم: الكتابة الواضحة، إحترام الفقرات و توضيحها، تجنب الاكثار من التشطيب...
المواضيع:
لديكم موضوع واحد في الامتحان، في كل الحالات، كل المواضيع مرتبطة بنوع النص Typologie textuelle ، كيف؟
1-النص السردي Texte narratif
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
Raconte une séquente narrative où tu présentes tes sentiments vis-vis d'un objet d'enfance
المطلوب إذن هو سرد قصة حيث تعبر عن إحساسك و شيء طغى طفولتك، لعبة، قلم، دفتر، سيارة خشبية...
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص سردي:
** الزمن: بما أن الامر يتعلق بحكاية، فلا بد من إستعمال الماضي Le passé simple et l'imparfait
متى أستعمل l'imparfait و متى أستعمل Le passé simple ؟
عندي فعلين: ألعب مع سيارتي الصغيرة jouer avec ma voiture--- دق أحدهم باب الغرفة Frapper à la porte
قارن معي أخي الحبيب مدة اللعب و مدة الدق على الباب la durée de l'action
-----كما تلاحظ، مدة اللعب طويلة......... إذن أستعمل l'imparfait .........
Je jouais avec ma voiture
----- مدة الدق قصيرة ....... إذن أستعمل Le passé simple ....
Quelqu'un frappa à la porte
** روابط زمنية: puis, ensuite, enfin...
** حقل معجمي مناسب Champ lexical: عد معي للموضوع، المطلوب هو إحساسي بلعبة الطفولة
إذن، لا أنسى أن أستعمل حقلا دلاليا مناسبا للاحاسيس
مثلا:من أجل إحساس الفرحة أستعمل حقلا معجميا للفرحة
Champ lexical de la joie: heureux, tranquilité, pays des merveilles, rêver, etc
2-النص الوصفي Texte de--xx--if
مثلا في رواية La boîe à merveilles قد يكون المطلوب ما يلي:
A la manière du narrateur, décris une maison marocaine traditionnelle
المطلوب إذن هو وصف منزل مغربي تقليدي على طريقة الراوي الذي يصف دار الشوافة
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص وصفي:
** الزمن: لا تورط نفسك بآستعمال زمن الماضي، استعمل الحاضر Le présent. و إن كنت مضطرا للوصف في الماضي، فممنوع آستعمال Le passé simple. إستعمل l'imparfait
** روابط مكانية: à côté de, près de, en haut, en bas, derrière...
** إستراتيجية وصف: لا تصف غرفة النوم، ثم تنتقل إلى السطح، ثم تعود للتكلم عن الحمام... يجب أن تتخذ موقفا للرؤية. مثلا، تشاهد المنزل التقليدي من الخارج إلى الداخل، أو العكس... ومن العام إلى الخاص...
3-النص الحجاجي Texte argumentatif
مثلا في مسرحية Antigone قد يكون المطلوب ما يلي:
Antigone affirme qu'il est difficile de dire non. Etes-vous d'accord avec cette idée?
المطلوب إذن هو رأيي في فكرة Antigone
لا تتسرع
فكر أولا ما هي شروط نجاح نص حجاجي:
** الزمن: استعمل الحاضر Le présent
** روابط منطقية: تجدون الجدول كاملا على هذا الرابط
** فكرة مدافعة عنها Thèse soutenue ou défendue: هي فكرتك، أو موقفك.
لا تجب ب: Je suis d'accord ou je suis contre...
عليك ببناء الحجاج، و المصحح سيفهم الموقف
كيف أبني الحجاج؟
1- فكرتي المدافع عنها + حجج + أمثلة
Il est difficile de dire non. parfois, l'homme est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. les conséquences sont lourdes.
2- العكس
Parfois l'homme est est confonté à des situations où " non" signifie la révolte, le mépris. Donc, on peut dire, comme Antigone, il est trop difficile de dire non
3- أنطلق من الفكرة المضادة Thèse adverse ثم أدحضها فكرة فكرة
certains pensent à tort qu'il est facile de dire non. la réalité en est autre. supposons par exemple que...
4- أقبل بالفكرة المضادة مؤقتا ثم أنقلب عليها concession
Il est vrai que...... mais
التناسق في الافكار
لا حظوا معي هذه الجمل
La maison est blanche. Je suis avec mon père
هذا الانتقال من الجملة الاولى إلى الجملة الثانية غامض. يجب تجنبه.
La maison est ouverte. Elle n'est pas fermée
الجملتين لهما نفس المعنى، يسمى هذا بالاطناب. تجنب هذه العملية. كن مباشرا، لا تكثر الكلام أو تحوم حوله.
La maison est blanche. La maison est habitée par des touristes. la maison est belle
كيف أتجنب التكرار؟
أولا بآستعمال الضمير المناسب: elle
ثانيا بآستعمال مرادف: demeure, résidence
ثالثا بآستعمال تقييم - إيجابي أو سلبي: ce paradis هذه الجنة، Cette tombe هذه المقبرة.
م
الاثنين، 17 مايو 2010
إنشاءا فلسفيا من إنجاز تلميذة
منقول
إنشاء فلسفي من إنجاز تلميذة لتحليل ومناقشة نص مع ملاحظات "المصحح"
أقدم لكم في مايلي إنشاءا فلسفيا من إنجاز تلميذة يدرّسها صديقي وزميلي الأستاذ الشبة محمد، كان قد عرض إنشاء هذه التلميذة في منتدى الحجاج ، وبادرت بالتعليق عليه وإبداء بعض الملاحظات
وحيث ان ملاحظاتي لم تتوقف عند مجرد إصدار أحكام بشأن قيمة إنشاء التلميذة، بل تضمنت في الحقيقة تصوري المفصل لممقتضيات الإنشاء الفلسفي والمعايير التي أعتمدها في تصحيح إنجازات المتعلمين وتنقيطها، فقد ارتأيت نشرها هنا على موقعي الشخصي تعميما للفائدة
وغني عن البيان أننا أحوج ما نكون إلى أن ننشر على الملأ تفاصيل هذه العملية الغامضة المسماة تصحيحا، بحيث يخرج المصحح من عزلته الأنطلوجية ليقاسم الغير /المصحح الآخر تجربته، خصوصا وأن التصحيح في مادة الفلسفة يشكل مصدر قلق التلاميذ واوليائهم.. فحري بنا إذن أن ننشر تفاصيل هذه العملية "الخيمائية" العجيبة كما نمارسها، ونناقش بعضنا البعض في وجاهة طريقة التصحيح والتقويم المتبعة، وبدون هذا النشر وبدون ذلك النقاش ستظل قواعد الإنشاء الفلسفي ومعايير التصحيح عرضة للذاتية بل ولــ "السيبة" حيث كل واحد يغني على ليلاه..
أتمنى أن يجد التلاميذ في تفوق هذه التلميذة وفي أخطائها عبرة يستخلصونها، وأن يجد زملائي في ملاحظاتي مادة يستلهمونها أو ينتقدونها (الأمران سيّان) ولمن شاء الانخراط في النقاش، هاهو عنوان الموضوع في منتدى الحجاج: اضغط هنــــــــــا
إليكم الآن النص:
« إننا نكن الاحترام للأشخاص فقط ، وليس للأشياء. فالأشياء قد تثير فينا الميل نحوها بل الحب إن تعلق الأمر بالحيوانات (مثل الخيل والكلاب وغيرها)، كما قد تثير فينا الخوف كما هو الحال حيال البحر أو بركان أو حيوان مفترس، لكنها لا تثير فينا الاحترام أبدا. وهناك أمر يقترب كثيرا من الشعور بالاحترام وهو الإعجاب، والإعجاب بوصفه انفعالا أي دهشة قد يحمل أيضا للأشياء، من قبيل الجبال الشامخة أو الأشياء العظيمة أو الكثيرة أو المسافات الهائلة التي تفصلنا عن الأجرام السماوية أو قوة وسرعة بعض الحيوانات…الخ، إلا أن كل هذه الأشياء ليست من الاحترام في شيء.
وقد يكون فرد ما موضوع حب أو خوف أو إعجاب قد يبلغ حد الدهشة، إلا أنه قد لا يكون مع ذلك موضوع احترام، فمزاجه المداعب أو شجاعته وقوته ومكانته بين غيره من الناس، قد تجعلني أشعر بعواطف من قبيل الحب والخوف والإعجاب. إلا أن ما يظل غائبا هنا هو الاحترام الذي أكنه له. يقول أحد المفكرين: " أنحني أمام سيد كبير، إلا أن عقلي لا ينحني"، وأنا أضيف: " إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا، أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء سواء أردت أو كرهت.»
حلل وناقش
• إجابة التلميذة:وقد قمت بترقيم فقرات إنشائها تسهيلا للإحالة عليها عند إبداء ملاحظاتي
[1] في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.
[2] إن ميلنا للأشياء وحبنا لها أو الخوف منها، كالحيوانات الأليفة أو المناظر الطبيعية، لا يحتم علينا احترامها في نظر صاحب النص. وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب، ورغم ذلك فإن هذا لا يعني أن كل ما نعجب به نحترمه، لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس. وقد ميز صاحب النص بين صنفين من الأشخاص؛ الصنف الأول ليس له في الاحترام شيئا أما الصنف الثاني فهو جدير بالاحترام.
[3] إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي – أو ذي مزاج مداعب وشجاعة وقوة، فهذا الشخص يلقى منا الحب والإقبال عليه بإعجاب ودهشة، غير أنه يبقى بعيدا عن الاحترام إذ يمكن لنا انتقاده واستبداله في أي وقت.
[4] أما الصنف الآخر، قد لا يكون بارزا داخل المجتمع ولا معروفا بين الناس لا بمكانته ولا بشخصيته لكن مع ذلك ينال منا كل أشكال الاحترام والتقدير، لأننا نجد فيه استقامة في الطبع لا نجدها في أنفسنا، كما جاء ذكره في النص على لسان أحد المفكرين الذي عزز به صاحب النص أفكاره ولخصها في هذه القولة: « إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء أردت أو كرهت ».
[5] من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه يبرز لنا قيمة الشخص الجديرة بالاحترام، فهو يميز الشخص عن باقي الأشياء لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها في أي وقت واستبدالها. لكن قيمة الإنسان تبقى ثابتة لا تقدر بثمن وهي التي تمنحه الاحترام والتقدير بغض النظر عن المكانة والشخصية. ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص، فهو أيضا يرى أن قيمة الشخص لا تقدر بثمن عكس الأشياء، فهو يربط قيمة الشخص بالذات الأخلاقية أو ما سماه العقل الأخلاقي العملي. فبهذا المفهوم حثنا كانط على عدم النظر إلى الشخص كمجرد شيء يباع ويشترى في الأسواق، بل يجب تغيير نظرنا إليه لأنه ذات تملك عقلا أخلاقيا يستحق الاحترام، وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت.
[6] ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام. وهذا ما جعل طوم ريغان يعيب النقص الذي جاء به كانط وذلك بإقصائه لفئات اجتماعية أخرى، وقد أعطى أمثلة: كالبويضة المخصبة والمواليد بدون دماغ والمجانين ...الخ. فجاء طوم ريغان بمعيار بديل يحدد قيمة الشخص وهو ما سماه " الذات التي تستشعر حياتها".ويمكن أن أستخلص ما يعنيه في هذه العبارة في كون أن هذه الذات تمتلك وعيا مرتبطا بالزمان والمكان تستشعر به الحياة وتتطلع إلى المستقبل. فالأشخاص الغائبون عن الوعي لا يزالون متمسكين بالحياة ويتطلعون إلى مستقبل أفضل ويسترجعون الماضي. فهل هذه الفئة غير جديرة بالاحترام ؟
[7] من خلال هذا السؤال يتبين لنا نقص ما جاء به كانط ، وبهذا يجعلنا نتطلع إلى البديل الذي جاء به طوم ريغان. لكن هذا الأخير اعترف أن ما جاء به يعاني أيضا من نقص الشمولية لأنه أيضا يقصي بعض الفئات الاجتماعية، ويبقى لنا المجال مفتوحا للبحث عن بديل آخر.
[8] ومن ناحية أخرى نجد بعض الفلسفات تربط قيمة الشخص بمدى الدور الإيجابي الذي يقوم به في المجتمع، حيث نجد مثلا الفيلسوف غوسدورف يحدد قيمة الشخص في مدى تأثيره في المجتمع إذ عليه أن ينفتح على الكون وعلى الغير، وهو لا يوجد ولا يكتمل إلا بالمشاركة والتضامن والأخذ والعطاء. وفي نفس السياق ذهب راولز إلى أن قيمة الشخص تتحدد في علاقته مع الآخرين وبالتزامه بالغايات القصوى لتحقيق العدالة ونشر المبادئ المميزة لها.
[9] هكذا يربط كل من غوسدورف وراولز قيمة الشخص باندماجه في المجتمع وطبيعة علاقته بالآخرين، وهذا يجعل قيمة الشخص نسبية وعلائقية. اما كانط وطوم ريغان فهما يتحدثان عن قيمة مطلقة يمتلكها الشخص بغض النظر عن طبيعة علاقته بالآخرين.
[10] من هنا يبدو أن إشكال قيمة الشخص أثار العديد من النقاشات التي تعددت بشأنها الآراء والتصورات، لكن يبقى أكيد أن الإنسان كشخص يمتلك قيمة عليه أن يزكيها ويحافظ عليها وهي لا تخرج في نظري عن المقومات الأساسية لهوية الشخص كالإرادة والوعي والأخلاق والمسؤولية والحرية، إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟
انتهى موضوع التلميذة.
• ملاحظاتي كــ "مصحح"
وسأحاول فيما يلي أن أبسط مكامن القوة في موضوع التلميذة وأظهرها أشد ما يكون الاظهار حتى تنجلي واضحة ليستلهمها تلامذتنا الآخرون، ووسأشفع كل تعليق بالتنبيه إلى بعض أوجه القصور التي هي نصيب كل عمل بشري مندرج في إطار التعلم، أملا في أن تتجاوزها هذه التلميذة مستقبلا وأن يتفطن إليه غيرها فلايقع فيها.
بصفة عامة:
تمتلك التلميذة كفايات لغوية وبلاغية لافتة للأنظار، فلغتها سليمة نحويا وتركيبيا إلا فيما نذر، وقد تجلت هذه الكفاية في سلاسة العبارة، وفي المرونة التي انتقلت بواسطتها بين الجمل والفقرات، وكذا في غياب التكرار..
كذلك يتسم موضوعها بالتنامي وبوجود خيط ناظم عصم الموضوع من التشتت والتيه والدوران ليس في حلقة بل في حلقات مفرغة..
بالنسبة للطرح الإشكالي/المقدمة/الفهم:
نأت هذه التلميذة عن تلك المقدمات المكرورة البئيسة (بندرج النص ضمن.. أو أثار مفهوم كذا جدلا..)، كتبت التلميذة:
في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.
- لقد انطلقت أولا من الواقع، لأن الموضوع يتيح هذه الإمكانية، وليس هناك أفضل من بدء التفلسف انطلاقا من الواقع
- اجتهدت في خلق تقابل وتوتر مشرعن لطرح الإشكال وهو التقابل بين: تمايز وتباين صفات الناس ومراتبهم ومقاماتهم، وبين واجب الاحترام الذي يفترض أن يشملهم دون تمييز !
يظهر التوتر جيدا من الناحية اللغوية في استعمالها لكلمة : "فرغم"
طرحت التلميذة الأسئلة التالية:
-هل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ و
- هل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟
- ماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
الجميل في هذه الأسئلة أنها أسئلة النص لا أسئلة الملخص ! وهذا أمر محمود، لأن أغلب التلاميذ يعتقدون ان أسئلة الملخص هي نفسها أسئلة النص، فيفرضون على النص أسئلة الملخص، أو لنقل إنم يطمسون إشكالات النص تحت ركام إشكالات الملخص.. متناسين أن علينا أن نطرح بالضبط الأسئلة المفترض أن النص يجيب عليها، وأن تحليلنا للنص يمثل بسطا لهذه الإجابة قبل محاكمتها في لحظة المناقشة..
ولا يراودني أدنى شك في أن إفلات التلميذة من هذا المنزلق البنيوي الخطير، ونجاحها في طرح أسئلة-النص عوض أسئلة-الملخص يعود إلى سلامة المنهجية التي لقنت لها، أي إلى مجهودات مدرسها !!
بيد أن السؤال المطروح في منتصف المقدمة، كان أقل توفيقا من إخوته! وقد عمدتُ إلى كتابته بلون أحمر ! جاءت صياغة السؤال غامضة، ولم توَفق التلميذة في التعبير. صحيح أنني حدست مرادها، لكن لا أنصحها بالمراهنة على قدرة المصحح على فهم مقاصد الغير!!
بالنسبة للتحليل:
لابد أولا من ملحوظة: يطلب منا كمصححين أن ننقط التحليل من 0 إلى 5 وكذلك المناقشة، ولكن كيف يعرف المصحح نهاية التحليل وبداية المناقشة !؟ يعلم كل مصحح أنه يقوم بعمل "اعتباطي" إلى حد ما وهو رسم خط وهمي يفصل بين التحليل والمناقشة داخل مايسمى بالعرض (مادام التلميذ لا يقول هذا تحليل وهذه مناقشة !)
شخصيا، ومن أجل تقويم منصف، سأعتبر الفقرات: 2، 3، 4 و 5 في موضوع التلميذة بمثابة تحليل! أما احتساب الفقرة 5 كمناقشة فسيقزم التحليل لصالح المناقشة!. صحيح أنها استدعت في الفقرة الخامسة بعض مكتسباتها المعرفية حول كانط، بيد أنها إنما فعلت ذلك في معرض تحليل النص وشرحه وتوضيح أفكاره! وهذا ما جعلها تختم الفقرة المذكورة بالإحالة مجددا على آخر جملة في النص، حيث كتبت التلميذة:
وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت
إن لم نعتبرها جزءا من التحليل، فلا أقل من أن نعتبرها جزءا مشتركا بين التحليل والمناقشة، أي كفقرة انتقالية، تلخص التحليل وتمهد للمناقشة
بعد هذا التنويه، أقول إن التلميذة نجحت إلى حد بعيد في فهم النص، وهو عموما نص في المتناول، وتجلى ذلك في إعادة عرض وتنظيم للمادة المعرفية للنص كما تجلت في بنيته المفاهمية، وفي مايلي أهم التمفصلات التي رصدتها في موضوعها:
إن ميلنا للأشياء وحبنا لها ...وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب ...وقد ميز صاحب النص بين صنفين ... إن الصنف الأول ... أما الصنف الآخر ... من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه... ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص...
إلى جانب ذلك، تجرأت التلميذة على ضرب أمثلة من الواقع للبرهنة على فهمها للنص، حين كتبت التلميذة:
إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي
أو، حين كتبت:
لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها
بصفة عامة، أعتقد أنها قالت أغلب مايمكن لتلميذ باكالوريا في الثامنة عشر من عمره أن يقوله عن مثل هذا النص، خصوصا وأن التلميذة لا تملك مفتاح النص وهو أن " شيء واحد خيّر بذاته بغض النظر عن نتائجه، يستحق الاحترام لذاته، ألا وهو الإرادة الطيبة.. وأن القانون الأخلاقي بداخل الإنسان هو الذي يرفعه فوق مرتبة الشيء أو مملكة الطبيعة"
إنما أؤاخدها لأنها لم تقف بما يكفي عند مفاهيم: الحب، الخوف، الميل، الإعجاب، الاحترام (لأن النص ليس شيئا آخر غير بنية من المفاهيم)
أحمد لها وقوفها عند مفهوم "الشيء" وقابليته للاستبدال والبيع.. وكذا وقوفها نسبيا عند مفهوم الاحترام، كتبت التلميذة:
أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس
لكن رشاقة العبارة خانتها :icon_biggrin: ، فلم تفصح عن شيء !! وكان بمقدورها أن تشرح الآحترام سياقيا داخل النص بوصفه ذلك التقدير الضروري (شئت أم أبيت) الصادر من العقل والمتجه إلى أخلاقية المرء.
لقد كفاها صاحب النص مؤونة شرح مفهوم الإعجاب، وقد اكتفت هي باستعادة شرحه حيث كتبت التلميذة:
لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة
ولكن ألم يكن بمقدروها أن تحفر قليلا في مفهوم الخوف، بوصفه انفعالا ينتابنا عندما نستشعر خطرا محدقا بنا، كأن الذات مهددة بالتلاشي امام الخطر الصادر عن الموضوع المخيف أو عظمته التي قد تسحق الإنسان أحيانا كالبركان..
كذلك الأمر بالنسبة للميل والحب الذي لايعدو أن يكون هوى يجتاح النفس ويستبد بها، قد يتلاشى ذات يوم كاهتمام المرء بكلاب مدربة أو خيول أصيلة، ثم إن مانميل إليه لايحظى بتقدير وإعجاب كوني.. الكثيرون لا يميلون إلى الخيول ويكرهون الكلاب.. :icon_eek:
أما عن الإعجاب فكان حريا بها أن تتأمل فقط الأمثلة لترى أن الإعجاب شعور أمام ماهو هائل: مسافات سحيقة، كواكب، جبال شامخة... يتجاوز الذات لكنه بخلاف المخيف لايهدد بقاءنا !!
أظن أن التلاميذ، وهذه التلميذة بالضبط قادرة على مثل هذه المفهمة، لو تم لفت انتباهها إلى ذلك بشكل يجعلها تعي المطلب
المناقشة:
يمكن القول أن المناقشة هي الدابة السوداء La bete noire التي تتربص بالتلاميذ في المنعطف الثاني من إنشائهم، والواقع أنني أعذرهم: إذ كيف يمكن للمرء ان يناقش فيلسوفا يقول: الشخص البشري وحده -دون الأشياء والحيوان- جدير بالاحترام بسبب أخلاقيته !!؟
ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن للتلاميذ أحيانا بعض الحدوس واللُمع الرائعة، منها قول هذه التلميذة:
ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام
لقد خُيّل للتلميذة أن كانط-الملخص يجعل قيمة الشخص كامنة في صفة ذاتية في الشخص، في حين ان كانط-النص يجعلها متوقفة على موقف أو شعور الغير نحو الشخص ! طبعا لقد فاتها أن القيمة تعني أصلا: "مايجعل الشيء موضوع رغبة أو تفضيل أو ..احترام من طرف غيره، تبعا لنوع القيمة !!
لقد كانت هذه التلميذة مبدعة وذكية حتى وهي تخطئ ! :icon_biggrin: سيعتبر البعض حكمي هذا متناقضا، لكن بعض الأخطاء كهذه إنما تعبر في نظري عن ذكاء وعن محاولة جدية وحريئة للفهم أو التأويل رغم غياب عناصر معرفية كافية، بسبب محدودية اطلاع التلاميذ على المتن الفلسفي.
أما ما تبقى من المناقشة، فلم تخرج فيه التلميذة عن المعهود التلاميذي، وإن كانت زلتها أهون لأنها اعتمدت سردا خفيفا مختصرا، ولم "تنزل على" فقرات الملخص بكاملها.
وهكذا، ففي ما يخص احتجاجها بطوم ريغان، كان بإمكانها أن تذكّرنا أولا أن مبرر احترام الشخص حسب النص كامن في "استقامة الطبع"، وأن تتساءل بعد ذلك، هل كل الناس يملكون استقامة الطبع، ويحق لها تبعا ذلك أن تجادل صاحب النص محتجة بمثال الأطفال والرضع والمعتوهين والبويضة.. عندها يكون استدعاء ريغان مشروعا
كان عليها لو ركزت قليلا أن تثير إحراجات كثيرة ننتهي إليها فيما لو تبنينا موقف صاحب النص، من قبيل كيفية التعامل مع المجرم الذين لم يظهر أبدا أي استقامة في الطبع !! هل يظل جديرا بالاحترام رغم ذلك!؟
ولكن مهلا !! لماذا سنحاجج دائما بإسم الفلاسفة :icon_scratch: ! لم لانجادل صاحب النص بشأن قصْره الاحترام على الشخص دون الكلاب والخيول؟! ألا نجد كلابا أوفى من البشر وخيولا أنفع من بعض بني آدم !!؟ ألا تستحق شيئا م نالاحترام بسبب ذلك !؟ لماذا سنستمر في قصر الاحترام على الكائن البشري..!؟
لهذا ألفت انتباه تلامذتي دائما إلى أن المناقشة تعني من بين ما تعني:
- إبراز أهمية النص: مالجديد الذي يعلمنا إياه !؟ وهل يسمح لنا بتناول قضايا ووقائع على نحو أفضل ؟
- الإفصاح عن النتائج المترتبة عن تبني اطروحة النص: ماذا نكسب؟ ماذا نخسر؟ ماذا يحصل لو مضينا مع صاحب النص إلى أقصى الشوط !؟
أما الفقرة رقم 8 من موضوعها، فمجرد كونها تبدأ ب " اما من جهة أخرى" وتتضمن "وفي نفس السياق.." فذلك دليل أن التلميذة قد انساقت وراء المعهود التلاميذي وأمسك الملخص بتلابييها فلم يعد الحوار قائما بين النص ومواقف أخرى، بل استحال الحوار إلى جدل بين المواقف نفسها بعيدا عن النص.
ولكنني لا أحاسبها رغم ذلك على هذه الزلة،إذ كيف يمكن للمرْ ان يجعل غوسدورف أو راولز محاورين لصاحب النص، اللهم إلا إذا فطن التلميذ -وهذا فوق طاقته- أن "استقامة الطبع" التي تحدث عنها النص تعضّد قيمة الشخص وتوجب احترامه لأنها رأس الفضائل الأخلاقية وستنعكس لامحالة على علاقته الإيجابية بالأغيار من خلال: المشاركة والتضامن والعطاء..
أو إذا فطن إلى أن بإمكاننا أن نعطي لاستقامة الطبع مضمونا سياسيا، ونخرج بها من دائرة الأخلاق إلى مجال السياسة، فتتحول إلى صفات مواطن داخل مدينة.. راولز..
ولكن هل من المعقول توقع كل هذه البهلوانيات Acrobaties الفكرية :icon_bounce: من تلميذ البكالوريا !!.
التركيب/الخاتمة:
من خلال تجربتي كمصحح، أستطيع الجزم ان قيمة الخلاصة أو التركيب تتوقف على قيمة المناقشة وليس التحليل،
جاءت خلاصة موضوعها تقليدية امتثالية conformiste لكنها مقبولة في نظري ، لأنها تدخل ضمن المعهود التلاميذي الذي نجده حتى لدى أكثرهم نجابة وتباهة، وهنا يتمثل دورنا في مدهم بنماذج يستلهمون من خلالها إمكانيات أخرى للتركيب والخلاصة..
ما كان لها أن تخلص إلى غير ذلك، مادامت لم تجادل صاحب النص بشكل جدي، ومادامت لم تحاكم أطروحته بشكل يظهر محدودية تصوره او إمكانيات تجاوزه...
ومن الطريف أن السؤال الذي ختمت به موضوعها:
إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟
كان أولى به أن يتخد مكانه في المناقشة، في إطار تطوير أفكار النص أي استكشاف امتداداتها داخل مجالات أخرى أو تقاطعها مع إشكاليات قريبة .. وهي شكل آخر من أشكال المناقشة
وعوض أن تكتفي بطرحه في الخاتمة ليظل مفتوحا، كان حريا أن تستل قوته الاستفهامية لتفتح جبهات جديدة لمناقشة صاحب النص..
والآن وباختصار، ماهي النقطة التي يستحقها هذا الموضوع؟ ء :icon_scratch:
باختصار، ورغم كل القصور والهفوات التي سجلتها بصدد موضوع التلميذة ، إلا أن حكمي النهائي هو أن الموضوع جيد، ويستحق نقطة جيدة، ومبرري في ذلك أن كل تقويم للإنجاز التلاميذي لابد أن يراعي "الممكن التلاميذي"، والموقع النسبي للموضوع داخل مجموعة الأوراق، وحيث ان تجربتي كمصحح علمتني أن من بين 100 ورقة أصححها، أعثر في المتوسط على 8 أوراق جيدة من بينها واحدة ممتازة،فإني شبه متيقن أن ورقة هذه التلميذة ستكون من بين السبعة وربما كانت هي الورقة الثامنة المتميزة!!
إنشاء فلسفي من إنجاز تلميذة لتحليل ومناقشة نص مع ملاحظات "المصحح"
أقدم لكم في مايلي إنشاءا فلسفيا من إنجاز تلميذة يدرّسها صديقي وزميلي الأستاذ الشبة محمد، كان قد عرض إنشاء هذه التلميذة في منتدى الحجاج ، وبادرت بالتعليق عليه وإبداء بعض الملاحظات
وحيث ان ملاحظاتي لم تتوقف عند مجرد إصدار أحكام بشأن قيمة إنشاء التلميذة، بل تضمنت في الحقيقة تصوري المفصل لممقتضيات الإنشاء الفلسفي والمعايير التي أعتمدها في تصحيح إنجازات المتعلمين وتنقيطها، فقد ارتأيت نشرها هنا على موقعي الشخصي تعميما للفائدة
وغني عن البيان أننا أحوج ما نكون إلى أن ننشر على الملأ تفاصيل هذه العملية الغامضة المسماة تصحيحا، بحيث يخرج المصحح من عزلته الأنطلوجية ليقاسم الغير /المصحح الآخر تجربته، خصوصا وأن التصحيح في مادة الفلسفة يشكل مصدر قلق التلاميذ واوليائهم.. فحري بنا إذن أن ننشر تفاصيل هذه العملية "الخيمائية" العجيبة كما نمارسها، ونناقش بعضنا البعض في وجاهة طريقة التصحيح والتقويم المتبعة، وبدون هذا النشر وبدون ذلك النقاش ستظل قواعد الإنشاء الفلسفي ومعايير التصحيح عرضة للذاتية بل ولــ "السيبة" حيث كل واحد يغني على ليلاه..
أتمنى أن يجد التلاميذ في تفوق هذه التلميذة وفي أخطائها عبرة يستخلصونها، وأن يجد زملائي في ملاحظاتي مادة يستلهمونها أو ينتقدونها (الأمران سيّان) ولمن شاء الانخراط في النقاش، هاهو عنوان الموضوع في منتدى الحجاج: اضغط هنــــــــــا
إليكم الآن النص:
« إننا نكن الاحترام للأشخاص فقط ، وليس للأشياء. فالأشياء قد تثير فينا الميل نحوها بل الحب إن تعلق الأمر بالحيوانات (مثل الخيل والكلاب وغيرها)، كما قد تثير فينا الخوف كما هو الحال حيال البحر أو بركان أو حيوان مفترس، لكنها لا تثير فينا الاحترام أبدا. وهناك أمر يقترب كثيرا من الشعور بالاحترام وهو الإعجاب، والإعجاب بوصفه انفعالا أي دهشة قد يحمل أيضا للأشياء، من قبيل الجبال الشامخة أو الأشياء العظيمة أو الكثيرة أو المسافات الهائلة التي تفصلنا عن الأجرام السماوية أو قوة وسرعة بعض الحيوانات…الخ، إلا أن كل هذه الأشياء ليست من الاحترام في شيء.
وقد يكون فرد ما موضوع حب أو خوف أو إعجاب قد يبلغ حد الدهشة، إلا أنه قد لا يكون مع ذلك موضوع احترام، فمزاجه المداعب أو شجاعته وقوته ومكانته بين غيره من الناس، قد تجعلني أشعر بعواطف من قبيل الحب والخوف والإعجاب. إلا أن ما يظل غائبا هنا هو الاحترام الذي أكنه له. يقول أحد المفكرين: " أنحني أمام سيد كبير، إلا أن عقلي لا ينحني"، وأنا أضيف: " إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا، أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء سواء أردت أو كرهت.»
حلل وناقش
• إجابة التلميذة:وقد قمت بترقيم فقرات إنشائها تسهيلا للإحالة عليها عند إبداء ملاحظاتي
[1] في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.
[2] إن ميلنا للأشياء وحبنا لها أو الخوف منها، كالحيوانات الأليفة أو المناظر الطبيعية، لا يحتم علينا احترامها في نظر صاحب النص. وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب، ورغم ذلك فإن هذا لا يعني أن كل ما نعجب به نحترمه، لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس. وقد ميز صاحب النص بين صنفين من الأشخاص؛ الصنف الأول ليس له في الاحترام شيئا أما الصنف الثاني فهو جدير بالاحترام.
[3] إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي – أو ذي مزاج مداعب وشجاعة وقوة، فهذا الشخص يلقى منا الحب والإقبال عليه بإعجاب ودهشة، غير أنه يبقى بعيدا عن الاحترام إذ يمكن لنا انتقاده واستبداله في أي وقت.
[4] أما الصنف الآخر، قد لا يكون بارزا داخل المجتمع ولا معروفا بين الناس لا بمكانته ولا بشخصيته لكن مع ذلك ينال منا كل أشكال الاحترام والتقدير، لأننا نجد فيه استقامة في الطبع لا نجدها في أنفسنا، كما جاء ذكره في النص على لسان أحد المفكرين الذي عزز به صاحب النص أفكاره ولخصها في هذه القولة: « إن عقلي ينحني أمام إنسان ينتمي إلى طبقة دنيا أجد فيه استقامة الطبع تبلغ حدا لا أجده في نفسي، وعقلي ينحني له سواء أردت أو كرهت ».
[5] من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه يبرز لنا قيمة الشخص الجديرة بالاحترام، فهو يميز الشخص عن باقي الأشياء لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها في أي وقت واستبدالها. لكن قيمة الإنسان تبقى ثابتة لا تقدر بثمن وهي التي تمنحه الاحترام والتقدير بغض النظر عن المكانة والشخصية. ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص، فهو أيضا يرى أن قيمة الشخص لا تقدر بثمن عكس الأشياء، فهو يربط قيمة الشخص بالذات الأخلاقية أو ما سماه العقل الأخلاقي العملي. فبهذا المفهوم حثنا كانط على عدم النظر إلى الشخص كمجرد شيء يباع ويشترى في الأسواق، بل يجب تغيير نظرنا إليه لأنه ذات تملك عقلا أخلاقيا يستحق الاحترام، وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت.
[6] ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام. وهذا ما جعل طوم ريغان يعيب النقص الذي جاء به كانط وذلك بإقصائه لفئات اجتماعية أخرى، وقد أعطى أمثلة: كالبويضة المخصبة والمواليد بدون دماغ والمجانين ...الخ. فجاء طوم ريغان بمعيار بديل يحدد قيمة الشخص وهو ما سماه " الذات التي تستشعر حياتها".ويمكن أن أستخلص ما يعنيه في هذه العبارة في كون أن هذه الذات تمتلك وعيا مرتبطا بالزمان والمكان تستشعر به الحياة وتتطلع إلى المستقبل. فالأشخاص الغائبون عن الوعي لا يزالون متمسكين بالحياة ويتطلعون إلى مستقبل أفضل ويسترجعون الماضي. فهل هذه الفئة غير جديرة بالاحترام ؟
[7] من خلال هذا السؤال يتبين لنا نقص ما جاء به كانط ، وبهذا يجعلنا نتطلع إلى البديل الذي جاء به طوم ريغان. لكن هذا الأخير اعترف أن ما جاء به يعاني أيضا من نقص الشمولية لأنه أيضا يقصي بعض الفئات الاجتماعية، ويبقى لنا المجال مفتوحا للبحث عن بديل آخر.
[8] ومن ناحية أخرى نجد بعض الفلسفات تربط قيمة الشخص بمدى الدور الإيجابي الذي يقوم به في المجتمع، حيث نجد مثلا الفيلسوف غوسدورف يحدد قيمة الشخص في مدى تأثيره في المجتمع إذ عليه أن ينفتح على الكون وعلى الغير، وهو لا يوجد ولا يكتمل إلا بالمشاركة والتضامن والأخذ والعطاء. وفي نفس السياق ذهب راولز إلى أن قيمة الشخص تتحدد في علاقته مع الآخرين وبالتزامه بالغايات القصوى لتحقيق العدالة ونشر المبادئ المميزة لها.
[9] هكذا يربط كل من غوسدورف وراولز قيمة الشخص باندماجه في المجتمع وطبيعة علاقته بالآخرين، وهذا يجعل قيمة الشخص نسبية وعلائقية. اما كانط وطوم ريغان فهما يتحدثان عن قيمة مطلقة يمتلكها الشخص بغض النظر عن طبيعة علاقته بالآخرين.
[10] من هنا يبدو أن إشكال قيمة الشخص أثار العديد من النقاشات التي تعددت بشأنها الآراء والتصورات، لكن يبقى أكيد أن الإنسان كشخص يمتلك قيمة عليه أن يزكيها ويحافظ عليها وهي لا تخرج في نظري عن المقومات الأساسية لهوية الشخص كالإرادة والوعي والأخلاق والمسؤولية والحرية، إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟
انتهى موضوع التلميذة.
• ملاحظاتي كــ "مصحح"
وسأحاول فيما يلي أن أبسط مكامن القوة في موضوع التلميذة وأظهرها أشد ما يكون الاظهار حتى تنجلي واضحة ليستلهمها تلامذتنا الآخرون، ووسأشفع كل تعليق بالتنبيه إلى بعض أوجه القصور التي هي نصيب كل عمل بشري مندرج في إطار التعلم، أملا في أن تتجاوزها هذه التلميذة مستقبلا وأن يتفطن إليه غيرها فلايقع فيها.
بصفة عامة:
تمتلك التلميذة كفايات لغوية وبلاغية لافتة للأنظار، فلغتها سليمة نحويا وتركيبيا إلا فيما نذر، وقد تجلت هذه الكفاية في سلاسة العبارة، وفي المرونة التي انتقلت بواسطتها بين الجمل والفقرات، وكذا في غياب التكرار..
كذلك يتسم موضوعها بالتنامي وبوجود خيط ناظم عصم الموضوع من التشتت والتيه والدوران ليس في حلقة بل في حلقات مفرغة..
بالنسبة للطرح الإشكالي/المقدمة/الفهم:
نأت هذه التلميذة عن تلك المقدمات المكرورة البئيسة (بندرج النص ضمن.. أو أثار مفهوم كذا جدلا..)، كتبت التلميذة:
في حياتنا اليومية العادية نصادف ونتعرف على أشكال مجتمعية وفكرية مختلفة من الناس، فرغم تباين معتقداتهم وأعراقهم ومكانتهم يتساوون في كونهم أناس. فهل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ وهل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟ وهل أفعالنا وأفكارنا تتطابق مع بعضها البعض في علاقتها مع الآخر أم لكل منهما عمل منعزل عن الآخر ؟
إن صاحب النص ينطلق من فكرة رئيسية وهي كون الاحترام مخصص للأشخاص فقط. فماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
هذا ما سنبرزه من خلال تحليلنا للنص الذي بين أيدينا.
- لقد انطلقت أولا من الواقع، لأن الموضوع يتيح هذه الإمكانية، وليس هناك أفضل من بدء التفلسف انطلاقا من الواقع
- اجتهدت في خلق تقابل وتوتر مشرعن لطرح الإشكال وهو التقابل بين: تمايز وتباين صفات الناس ومراتبهم ومقاماتهم، وبين واجب الاحترام الذي يفترض أن يشملهم دون تمييز !
يظهر التوتر جيدا من الناحية اللغوية في استعمالها لكلمة : "فرغم"
طرحت التلميذة الأسئلة التالية:
-هل نحن مجبرون على احترام الإنسان رغم اختلاف أنماطه أم يمكن تمييز فئة عن أخرى؟ و
- هل نحن أحرار في اختيار من نحترمهم؟
- ماذا نقول عن إعجابنا وحبنا لبعض الأشياء ؟ أهو شعور عاطفي محض أم أنه احترام لها ؟
الجميل في هذه الأسئلة أنها أسئلة النص لا أسئلة الملخص ! وهذا أمر محمود، لأن أغلب التلاميذ يعتقدون ان أسئلة الملخص هي نفسها أسئلة النص، فيفرضون على النص أسئلة الملخص، أو لنقل إنم يطمسون إشكالات النص تحت ركام إشكالات الملخص.. متناسين أن علينا أن نطرح بالضبط الأسئلة المفترض أن النص يجيب عليها، وأن تحليلنا للنص يمثل بسطا لهذه الإجابة قبل محاكمتها في لحظة المناقشة..
ولا يراودني أدنى شك في أن إفلات التلميذة من هذا المنزلق البنيوي الخطير، ونجاحها في طرح أسئلة-النص عوض أسئلة-الملخص يعود إلى سلامة المنهجية التي لقنت لها، أي إلى مجهودات مدرسها !!
بيد أن السؤال المطروح في منتصف المقدمة، كان أقل توفيقا من إخوته! وقد عمدتُ إلى كتابته بلون أحمر ! جاءت صياغة السؤال غامضة، ولم توَفق التلميذة في التعبير. صحيح أنني حدست مرادها، لكن لا أنصحها بالمراهنة على قدرة المصحح على فهم مقاصد الغير!!
بالنسبة للتحليل:
لابد أولا من ملحوظة: يطلب منا كمصححين أن ننقط التحليل من 0 إلى 5 وكذلك المناقشة، ولكن كيف يعرف المصحح نهاية التحليل وبداية المناقشة !؟ يعلم كل مصحح أنه يقوم بعمل "اعتباطي" إلى حد ما وهو رسم خط وهمي يفصل بين التحليل والمناقشة داخل مايسمى بالعرض (مادام التلميذ لا يقول هذا تحليل وهذه مناقشة !)
شخصيا، ومن أجل تقويم منصف، سأعتبر الفقرات: 2، 3، 4 و 5 في موضوع التلميذة بمثابة تحليل! أما احتساب الفقرة 5 كمناقشة فسيقزم التحليل لصالح المناقشة!. صحيح أنها استدعت في الفقرة الخامسة بعض مكتسباتها المعرفية حول كانط، بيد أنها إنما فعلت ذلك في معرض تحليل النص وشرحه وتوضيح أفكاره! وهذا ما جعلها تختم الفقرة المذكورة بالإحالة مجددا على آخر جملة في النص، حيث كتبت التلميذة:
وعلى هذا الشخص أن يجعل لنفسه هبة وكرامة يميز بها نفسه عن غيره، فتنحني له العقول سواء أرادت أو كرهت
إن لم نعتبرها جزءا من التحليل، فلا أقل من أن نعتبرها جزءا مشتركا بين التحليل والمناقشة، أي كفقرة انتقالية، تلخص التحليل وتمهد للمناقشة
بعد هذا التنويه، أقول إن التلميذة نجحت إلى حد بعيد في فهم النص، وهو عموما نص في المتناول، وتجلى ذلك في إعادة عرض وتنظيم للمادة المعرفية للنص كما تجلت في بنيته المفاهمية، وفي مايلي أهم التمفصلات التي رصدتها في موضوعها:
إن ميلنا للأشياء وحبنا لها ...وقد رأى أن للاحترام رفيقا وهو الإعجاب ...وقد ميز صاحب النص بين صنفين ... إن الصنف الأول ... أما الصنف الآخر ... من خلال تحليل النص نرى أن صاحبه... ومن هنا نرى كانط يتفق مع ما جاء به صاحب النص...
إلى جانب ذلك، تجرأت التلميذة على ضرب أمثلة من الواقع للبرهنة على فهمها للنص، حين كتبت التلميذة:
إن الصنف الأول يكون في فرد ذي مكانة اجتماعية – كأحد الملوك أو المشاهير في عصرنا الحالي
أو، حين كتبت:
لأن الأشياء قد تكون محط إعجابنا كسيارة اشتريتها أو قطة أمتلكها، لكن قيمتها تقدر بثمن ويمكننا بيعها أو التخلص منها
بصفة عامة، أعتقد أنها قالت أغلب مايمكن لتلميذ باكالوريا في الثامنة عشر من عمره أن يقوله عن مثل هذا النص، خصوصا وأن التلميذة لا تملك مفتاح النص وهو أن " شيء واحد خيّر بذاته بغض النظر عن نتائجه، يستحق الاحترام لذاته، ألا وهو الإرادة الطيبة.. وأن القانون الأخلاقي بداخل الإنسان هو الذي يرفعه فوق مرتبة الشيء أو مملكة الطبيعة"
إنما أؤاخدها لأنها لم تقف بما يكفي عند مفاهيم: الحب، الخوف، الميل، الإعجاب، الاحترام (لأن النص ليس شيئا آخر غير بنية من المفاهيم)
أحمد لها وقوفها عند مفهوم "الشيء" وقابليته للاستبدال والبيع.. وكذا وقوفها نسبيا عند مفهوم الاحترام، كتبت التلميذة:
أما الاحترام فهو قيمة أخلاقية نابعة من الهبة في النفس
لكن رشاقة العبارة خانتها :icon_biggrin: ، فلم تفصح عن شيء !! وكان بمقدورها أن تشرح الآحترام سياقيا داخل النص بوصفه ذلك التقدير الضروري (شئت أم أبيت) الصادر من العقل والمتجه إلى أخلاقية المرء.
لقد كفاها صاحب النص مؤونة شرح مفهوم الإعجاب، وقد اكتفت هي باستعادة شرحه حيث كتبت التلميذة:
لأن الإعجاب ناتج عن انفعال ودهشة
ولكن ألم يكن بمقدروها أن تحفر قليلا في مفهوم الخوف، بوصفه انفعالا ينتابنا عندما نستشعر خطرا محدقا بنا، كأن الذات مهددة بالتلاشي امام الخطر الصادر عن الموضوع المخيف أو عظمته التي قد تسحق الإنسان أحيانا كالبركان..
كذلك الأمر بالنسبة للميل والحب الذي لايعدو أن يكون هوى يجتاح النفس ويستبد بها، قد يتلاشى ذات يوم كاهتمام المرء بكلاب مدربة أو خيول أصيلة، ثم إن مانميل إليه لايحظى بتقدير وإعجاب كوني.. الكثيرون لا يميلون إلى الخيول ويكرهون الكلاب.. :icon_eek:
أما عن الإعجاب فكان حريا بها أن تتأمل فقط الأمثلة لترى أن الإعجاب شعور أمام ماهو هائل: مسافات سحيقة، كواكب، جبال شامخة... يتجاوز الذات لكنه بخلاف المخيف لايهدد بقاءنا !!
أظن أن التلاميذ، وهذه التلميذة بالضبط قادرة على مثل هذه المفهمة، لو تم لفت انتباهها إلى ذلك بشكل يجعلها تعي المطلب
المناقشة:
يمكن القول أن المناقشة هي الدابة السوداء La bete noire التي تتربص بالتلاميذ في المنعطف الثاني من إنشائهم، والواقع أنني أعذرهم: إذ كيف يمكن للمرء ان يناقش فيلسوفا يقول: الشخص البشري وحده -دون الأشياء والحيوان- جدير بالاحترام بسبب أخلاقيته !!؟
ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن للتلاميذ أحيانا بعض الحدوس واللُمع الرائعة، منها قول هذه التلميذة:
ولكن نرى اختلافا بسيطا بين كانط وصاحب النص يتمثل في كون صاحب النص صنف الفرد حسب ما يكنه له الآخرون، أما كانط فتكلم على أن كل من يملك عقلا واعيا أخلاقيا يجب أن يلقى الاحترام
لقد خُيّل للتلميذة أن كانط-الملخص يجعل قيمة الشخص كامنة في صفة ذاتية في الشخص، في حين ان كانط-النص يجعلها متوقفة على موقف أو شعور الغير نحو الشخص ! طبعا لقد فاتها أن القيمة تعني أصلا: "مايجعل الشيء موضوع رغبة أو تفضيل أو ..احترام من طرف غيره، تبعا لنوع القيمة !!
لقد كانت هذه التلميذة مبدعة وذكية حتى وهي تخطئ ! :icon_biggrin: سيعتبر البعض حكمي هذا متناقضا، لكن بعض الأخطاء كهذه إنما تعبر في نظري عن ذكاء وعن محاولة جدية وحريئة للفهم أو التأويل رغم غياب عناصر معرفية كافية، بسبب محدودية اطلاع التلاميذ على المتن الفلسفي.
أما ما تبقى من المناقشة، فلم تخرج فيه التلميذة عن المعهود التلاميذي، وإن كانت زلتها أهون لأنها اعتمدت سردا خفيفا مختصرا، ولم "تنزل على" فقرات الملخص بكاملها.
وهكذا، ففي ما يخص احتجاجها بطوم ريغان، كان بإمكانها أن تذكّرنا أولا أن مبرر احترام الشخص حسب النص كامن في "استقامة الطبع"، وأن تتساءل بعد ذلك، هل كل الناس يملكون استقامة الطبع، ويحق لها تبعا ذلك أن تجادل صاحب النص محتجة بمثال الأطفال والرضع والمعتوهين والبويضة.. عندها يكون استدعاء ريغان مشروعا
كان عليها لو ركزت قليلا أن تثير إحراجات كثيرة ننتهي إليها فيما لو تبنينا موقف صاحب النص، من قبيل كيفية التعامل مع المجرم الذين لم يظهر أبدا أي استقامة في الطبع !! هل يظل جديرا بالاحترام رغم ذلك!؟
ولكن مهلا !! لماذا سنحاجج دائما بإسم الفلاسفة :icon_scratch: ! لم لانجادل صاحب النص بشأن قصْره الاحترام على الشخص دون الكلاب والخيول؟! ألا نجد كلابا أوفى من البشر وخيولا أنفع من بعض بني آدم !!؟ ألا تستحق شيئا م نالاحترام بسبب ذلك !؟ لماذا سنستمر في قصر الاحترام على الكائن البشري..!؟
لهذا ألفت انتباه تلامذتي دائما إلى أن المناقشة تعني من بين ما تعني:
- إبراز أهمية النص: مالجديد الذي يعلمنا إياه !؟ وهل يسمح لنا بتناول قضايا ووقائع على نحو أفضل ؟
- الإفصاح عن النتائج المترتبة عن تبني اطروحة النص: ماذا نكسب؟ ماذا نخسر؟ ماذا يحصل لو مضينا مع صاحب النص إلى أقصى الشوط !؟
أما الفقرة رقم 8 من موضوعها، فمجرد كونها تبدأ ب " اما من جهة أخرى" وتتضمن "وفي نفس السياق.." فذلك دليل أن التلميذة قد انساقت وراء المعهود التلاميذي وأمسك الملخص بتلابييها فلم يعد الحوار قائما بين النص ومواقف أخرى، بل استحال الحوار إلى جدل بين المواقف نفسها بعيدا عن النص.
ولكنني لا أحاسبها رغم ذلك على هذه الزلة،إذ كيف يمكن للمرْ ان يجعل غوسدورف أو راولز محاورين لصاحب النص، اللهم إلا إذا فطن التلميذ -وهذا فوق طاقته- أن "استقامة الطبع" التي تحدث عنها النص تعضّد قيمة الشخص وتوجب احترامه لأنها رأس الفضائل الأخلاقية وستنعكس لامحالة على علاقته الإيجابية بالأغيار من خلال: المشاركة والتضامن والعطاء..
أو إذا فطن إلى أن بإمكاننا أن نعطي لاستقامة الطبع مضمونا سياسيا، ونخرج بها من دائرة الأخلاق إلى مجال السياسة، فتتحول إلى صفات مواطن داخل مدينة.. راولز..
ولكن هل من المعقول توقع كل هذه البهلوانيات Acrobaties الفكرية :icon_bounce: من تلميذ البكالوريا !!.
التركيب/الخاتمة:
من خلال تجربتي كمصحح، أستطيع الجزم ان قيمة الخلاصة أو التركيب تتوقف على قيمة المناقشة وليس التحليل،
جاءت خلاصة موضوعها تقليدية امتثالية conformiste لكنها مقبولة في نظري ، لأنها تدخل ضمن المعهود التلاميذي الذي نجده حتى لدى أكثرهم نجابة وتباهة، وهنا يتمثل دورنا في مدهم بنماذج يستلهمون من خلالها إمكانيات أخرى للتركيب والخلاصة..
ما كان لها أن تخلص إلى غير ذلك، مادامت لم تجادل صاحب النص بشكل جدي، ومادامت لم تحاكم أطروحته بشكل يظهر محدودية تصوره او إمكانيات تجاوزه...
ومن الطريف أن السؤال الذي ختمت به موضوعها:
إذ كيف يمكن أن نتحدث مثلا عن قيمة لإنسان ما لا يمتلك حريته أو لا يلتزم بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ؟؟
كان أولى به أن يتخد مكانه في المناقشة، في إطار تطوير أفكار النص أي استكشاف امتداداتها داخل مجالات أخرى أو تقاطعها مع إشكاليات قريبة .. وهي شكل آخر من أشكال المناقشة
وعوض أن تكتفي بطرحه في الخاتمة ليظل مفتوحا، كان حريا أن تستل قوته الاستفهامية لتفتح جبهات جديدة لمناقشة صاحب النص..
والآن وباختصار، ماهي النقطة التي يستحقها هذا الموضوع؟ ء :icon_scratch:
باختصار، ورغم كل القصور والهفوات التي سجلتها بصدد موضوع التلميذة ، إلا أن حكمي النهائي هو أن الموضوع جيد، ويستحق نقطة جيدة، ومبرري في ذلك أن كل تقويم للإنجاز التلاميذي لابد أن يراعي "الممكن التلاميذي"، والموقع النسبي للموضوع داخل مجموعة الأوراق، وحيث ان تجربتي كمصحح علمتني أن من بين 100 ورقة أصححها، أعثر في المتوسط على 8 أوراق جيدة من بينها واحدة ممتازة،فإني شبه متيقن أن ورقة هذه التلميذة ستكون من بين السبعة وربما كانت هي الورقة الثامنة المتميزة!!
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)