وُلد أحمد شوقي عام 1870 في مصر التي صبغته بعروبتها وإسلامها; فقد تحدّر من أعراق مختلطة: كان جدّه لأبيه كرديّا، وكانت جدّته لأبيه يونانية تعمل في قصر الخديو. لكن أبويه وُلدا بمصر وتربّيا في رحابها.
نشأ شوقي في القاهرة، وضمن له تفوقه الدراسي مجانية تعليمية في مدرسة الحقوق. وعندما تخرج فيها عام 1887، عيّنه الخديو توفيق في قصره، وأرسله إلى فرنسا في بعثة لدراسة الحقوق والترجمة طالت حتى عام 1893 .
وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية. وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
وطوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي. ولذا، ظل تأثره بالثقافة الفرنسية محدودًا، ولم ينبهر بالشعراء الفرنسيين الرمزيين والحداثيين أمثال رامبو وبودلير وفيرلين الصاعدين آنذاك.
وبعد عودة شوقي إلى مصر، تعدّدت رحلاته إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلة منها كانت، مثل رحلته الدراسية الأولى، حاسمةً في تشكيل مصيره. كانت تلك الرحلة عام 1915 إلى برشلونة الإسبانية، التي اختارها الشاعر منفًى له، عندما أُمر بمغادرة مصر بعد خلع الإنكليز للخديو عباس حلمي. وتأمل شوقي مشاهد الحضارة العربية في الأندلس، واكتشف أن الارتباط بالعروبة أبقى وأجدر منه بدولة الخلافة العثمانية. كما تعززت نزعته الوطنية الغلابة في عشق مصر والتغني بأمجادها، وشهدت سنواته التالية ذروة تألقه الإبداعي في التعبير عن الضمير القومي، وشحذه لإمكاناته الإبداعية، وتوجيه طاقاته الخلاقة لتجديد روح الشعر العربي وتمكين صياغته. وفي عام 1927، تألفت لجنة عربية لتكريمه، وخلعت عليه لقب (أمير الشعراء. )
ويصف طه حسين التحول الذي قلب إستراتيجية شوقي الشعرية بعد المنفى الإسباني قائلاً: (إنه قد تحوّل تحولاً خطيرًا حقّا لا نكاد نعرف له نظيرًا عند غيره من الشعراء الذين سبقوه في أدبنا العربي (...). إن شعره التقليدي قد تحرر من التقيد بظروف السياسة (...). واستكشف نفسه، وإذا هو شاعر قد خلق ليكون مجدّدًا). كما يرى طه حسين أن (شوقي)، في كثير من قصائده الأخيرة، قد أخذ يحقق النموذج الجمالي والفكري للإنسان المصري والعربي.
ومن موقع النقد الأسلوبي المعاصر، يرى الدكتور محمد الهادي الطرابلسي أن أسلوب شوقي كان (يتغذى من رصيد ثقافي واسع، فخرج يمثل عصارة مصفّاة من التراث العربي الغني، ومن المعارف الإنسانية، إلى جانب تصويره تجربة طويلة للحياة. ولقد تميز أسلوب شوقي بالتوازن بين طاقتين: الإخبارية والإيحائية، فحقق بذلك رسالة مزدوجة: فكرية وفنية معًا
لقد اعتمد شوقي على توظيف عدد من التقنيات الشعرية الفعالة لتوليد الدلالات الكلية، من أهمها تجانس التراكيب والاشتقاقات، ومفارقات الصياغة، وآليات التكرار وطرائق التصوير والتجسيد، مع قدرة فائقة على إشباع الحس الجمالي للقارئ العربي والاستجابة لتوقعاته.
وفي أخريات سنواته، عكف شوقي على استئناف مشروعه الإبداعي الرائد في كتابة عدد من المسرحيات الشعرية الرفيعة، التي أسست لهذا الفن في اللغة العربية، حتى وافته المنية عام 1932 .
ضم ديوانه (الشوقيات) 11320 بيتًا، وبلغت (أرجوزة دول العرب) و(عظماء الإسلام) 1365 بيتًا، كما وصل شعره المسرحي إلى 6179 بيتًا. هذا بالإضافة إلى الشوقيات المجهولة التي نشرها الدكتور صبري السربوني، والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 4700 بيت، بما يشهد بخصوبة شوقي وثراء منجزه الإبداعي في الشعر، وبجدارته ليكون شاعر العروبة والإسلام في العصر الحديث.
مختارات من شعره
حافظ إبراهيم
قــد كـنتُ أُوثـرُ أَن تقـولَ رِثـائي يـا مُنْصِـفَ المـوْتى مـن الأَحيـــــــاءِ
لكـنْ سـبَقْتَ, وكـلُّ طـولِ سـلامةٍ قـــدرٌ, وكــلٌ مَنِيَّــةٍ بقضــــــــــــــاءِ
الحـقُّ نـادَى فاسْـتجَبْتَ, ولـم تَـزلْ بــالحقِّ تحــفِلُ عنـدَ كـلِّ نِـــــــــداءِ
وأَتيْـت صحـراءَ الإِمـامِ تـذوب من طُــولِ الحـنينِ لسـاكن الصحـراءِ
فلقيــت فـي الـدار الإِمـامَ محـمدًا فــي زُمْــرَةِ الأَبــرارِ والحُنفــــــــاءِ
أَثَــرُ النعيــم عـلى كـريمِ جبينـه ومراشـــدُ التفســـيرِ والإِفتــــــــــــاءِ
فشــكوتما الشَّـوْقَ القـديمَ, وذُقْتُمـا طِيــبَ التـداني بعـدَ طـولِ تنـائــــي
إِنْ كــانت الأُولــى منـازلَ فُرْقـةٍ فالســمْحَةُ الأُخــرى ديــارُ لِقــــــــاءِ
وودِدْتُ لـو أَنـي فـداكَ مـن الـرَّدَى والكـــاذبون المُرْجِــفونَ فِــــــدائي
النــاطقونَ عـن الضَّغينـةِ والهـوى المُوغِــرُو المَـوْتَى عـلى الأَحيـــاءِ
مــن كــلّ هَــدَّامٍ ويَبنـى مجـدَه بكـــرائم الأَنقــاضِ والأَشـــــــــــــــلاءِ
مـا حَـطَّموكَ, وإِنمـا بـكَ حُـطِّموا مــن ذا يُحـطِّم رَفْـرَف الجـوزاء?
اُنظُـره, فـأَنت كـأَمْسِ شـأْنُكَ بـاذخٌ فـي الشـرقِ, واسْـمُكَ أَرفعُ الأَسماءِ
بــالأَمسِ, قــد حَــلَّيْتَني بقصيـدةٍ غــراءَ تُحــفَظُ كــاليدِ البيضـــــــــــــاءِ
غِيـظ الحَسُـودُ لهـا وقمـتُ بشـكرها وكمــا علمــتَ مَــوَدَّتي ووفـائــــي
فــي مَحــفلٍ بَشَّـرْتُ آمـالي بـه لمــا رَفعـتَ إِلـى السـماءِ لِـوَائــــــــي
يــا مـانِحَ السُّـودانِ شـرْخ شـبابِه ووَلِيَّــهُ فــي السّــلمِ والهيْجــــــــــاءِ
لـمَّــا نـزلْت عـلى خمائلـه ثـوَى نبْــعُ البيــانِ وراءَ نَبْــع المــــــــــاءِ
قلَّدْتَــهُ الســيفَ الحُسـامَ, وزدْتَـهُ قلمًــا كصــدرِ الصَّعْـدةِ السـمــــراءِ
قلـم جـرى الحِـقبَ الطِّوالَ فما جرى يومًـــا بفاحشـــةٍ ولا بهجــــــاءِ
يكســو بِمدْحَتِــه الكِــرامَ جلالـةً ويُشَــيِّعُ المــوْتى بحســنِ ثَنــــــــــاءِ
إِسْــكَنْدَرِيّةُ يــا عــروسَ المــاء وخميلـــةَ الحكمــاءِ والشــعـــــــــراءِ
نشــأَتْ بشــاطِئِكِ الفنـونُ جميلـةً وتَرعــرعَتْ بســمائِك الزهـــــــراءِ
جــاءَتْكِ كــالطيرِ الكـريمِ غرائبًـا فجمعتِهـــا كـــالرَّبْوَةِ الغنَّــــــــــــاءِ
قـد جـمَّلوكِ, فصِـرْتِ زِنْبَقَـةَ الثرَى للوافـــــدين ودُرَّةَ الدَّأْمــــــــــــاءِ
غرَسُـوا رُبـاكِ عـلى خمـائلِ بـابلٍ وبَنَـوْا قصـورَك فـي سَـنا الحمراءِ
واســتحدثوا طُرُقًـا مُنـوَّرة الهـدى كسـبيلِ عيسـى فـي فِجـاجِ المـــاءِ
فخُــذي كـأَمِس مـن الثقافـة زينـةً وتجـــمَّلِي بشـــبابكِ النُّجَبــــــــــاءِ
وتقلَّــدي لغــةَ الكتــابِ; فإِنَّهــا حَجَــرُ البنــاءِ, وعُــدَّةُ الإِنشــــــــــاءِ
بَنَــتِ الحضـارةَ مَـرَّتيْن, ومهَّـدتْ للمُلــكِ فــي بغــدادَ والفَيْحــــــــاءِ
وسَــمَتْ بقرطبـةٍ ومصـرَ, فحلَّتـا بيـــن الممـــالكِ ذِرْوَة العَليــــــــاءِ
مـاذا حشـدتِ مِـن الدمـوع "لحافظٍ" وذخـرْتِ مـن حـزنٍ لـه وبُكـاءِ?
ووجــدْتِ مِـن وقـع البـلاءِ بفقـدهِ إِن البــلاءَ مَصــارِعُ العظمــــــــاءِ
اللــهُ يشــهدُ قــد وَفيْـتِ سـخيَّةً بــالدَّمع غــيرَ بَخيلــةِ الخطبـــــــــاءِ
وأَخـذتِ قِسـطًا مـن مَناحـةِ مـاجدٍ جَــمِّ المــآثِرِ, طيِّــبِ الأَنبــــــــاءِ
هَتــف الـرُّواةُ الحـاضرون بشـعره وحــدا بــه البـادون فـي البَيْـداءِ
لبنــانُ يَبكيـه, وتبكـي الضـادُ مـن حَــلبٍ إِلـى الفيْحـا إِلـى صَنْعــــاءِ
عـربُ الوَفـاءِ وَفـوْا بذمّـةِ شـاعرٍ بــانى الصفـوفِ, مُـؤلفِ الأَجـزاءِ
حـافظَ الفصحـى, وحـارسَ مَجْدِهـا وإِمــامَ مَــنْ نجَـلتْ مـن البُلغـاءِ
مــا زِلْـتَ تهتـفُ بـالقديم وفضلـهِ حــتى حَــمَيْت أَمانــةَ القُدمـــــــاءِ
جــدّدت أُســلوبَ (الوليدِ) ولفظَــه وأَتيْــت للدّنيــا بســحر (الطائي)
وجـريْت فـي طلـبِ الجديدِ إِلى المدى حــتى اقـترنْت بصـاحب البُؤسـاءِ
مـاذا وراءَ المـوت مـن سَلْوَى, ومن دَعَـةٍ, ومـن كـرَمٍ, ومـن إِغضاءِ?
اشـرحْ حقـائقَ مـا رأَيْـت, ولم تزل أَهــلاً لِشــرْح حقــائِقِ الأشـيــــــاءِ
رُتـبُ الشـجاعةِ فـي الرِّجـالِ جلائلٌ وأَجَـــــلُّهُنَّ شــــجاعــــــــةُ الآراءِ
كـم ضِقـتَ ذَرْعًـا بالحيـاة وكيْدِهـا وهتفــت بالشــكوى مـن الضــــَّـراءِ
فهلُــمَّ فـارِقْ يـأْسَ نفسِـك سـاعةً واطلُـعْ عـلى الـوادي شُـعاعَ رجـــــاءِ
وأَشــرْ إِلـى الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ خُــلِقتْ أَسِــرَّتُهُ مــن السَّـــــــــــــراءِ
يــا طالمــا مَـلأَ النَّـدِيَّ بشاشـةً وهــدى إِليــك حــوائجَ الفقــــــــــــــــراءِ
اليــومَ هـادنْت الحـوادِثَ; فـاطَّرِحْ عِـبْءَ السـنين, وأَلْـق عِـبْءَ الداءِ
خــلَّفْت فــي الدنيـا بيانًـا خـالدًا وتــركْت أَجيــالاً مــن الأبنـــــــــــاءِ
وغـدًا سـيذكرك الزمـانُ, ولـم يَزلْ للدِّهــرِ إِنصــافٌ وحسـنُ جـزاءِ
أنْدَلُسِيَّةٌ
نظمها الشاعر في منفاه بإسبانيا، وفيها يحن للوطن
يــا نـائح (الطلْحِ), أَشـباهٌ عَوَادِينـا نَشْـجى لِـوَادِيكَ, أَم نَأْسَـى لوادينـا?
مــاذا تقُـصُّ علينـا غـيرَ أَنّ يـدًا قصَّـتْ جنـاحك جـالت في حواشينا?
رمـى بنـا البيـنُ أَيْكًـا غـيرَ سامِرنا - أَخـا الغـريب - وظِـلاًّ غيرَ نادينا
كـلٌّ رَمَتْـه النَّـوى: رِيشَ الفِـراق لنا سَـهْمًا, وسُـلّ عليـكَ البيـنُ سِـكِّينا
إِذا دعـا الشـوقُ لـم نَـبرحْ بمُنْصَدِع مــن الجنــاحين عــيٍّ لا يُلَبِّينــــــــا
فـإِن يَـكُ الجـنسُ يا ابنَ الطَّلْحِ فرّقنا إِنّ المصــائبَ يجــمعْنَ المُصابينـا
لــم تـأْلُ مـاءك تَحْنانًـا, ولا ظمـأً ولا ادِّكـــارًا, ولاشــجْوا أَفانينـــــــــا
تَجُــرُّ مـن فنَـنٍ سـاقًا إِلـى فَنَـنٍ وتســحبُ الــذيلَ ترتـادُ المؤاسـينــــــــا
أُسـاةُ جسـمِكَ شـتَّى حـين تطلبهـم فمَــنْ لروحـك بـالنُّطْس المُدَاوينـا?
آهــا لنــا نـازِحَيْ أَيْـكٍ بـأَندَلُسٍ وإِن حَلَلْنَــا رفيفًــا مـن رَوَابينـــــــا!!
رسْـمٌ وقفنـا عـلى رَسْـمِ الوفـاء له نَجــيش بـالدَّمع, والإِجـلالُ يَثنينـا
لِفِتْيَــةٍ لا تنــال الأرضُ أَدمُعَهــم ولا مَفـــــارقَهم إِلاَّ مُصَلِّينــــــــــــا
لـو لـم يسـودوا بـدينٍ فيـه مَنْبَهـةٌ للنــاسِ; كـانت لهـم أَخـلاقُهم دينـا
لـم نَسْـرِ مـن حـرَمٍ إِلاَّ إِلـى حَـرَم كـالخمر مـن (بابلٍ) سـارت (لدارينا) لمـا نَبـا الخـلدُ نـابت عنـه نُسْـختهُ تَمــــــــاثُلَ الــورْدِ (خِيريًّا) و(نسْـرينا)
نسْــقِي ثـراهُمْ ثَنَـاءً, كلَّمـا نُـثِرتْ دُموعُنـــــــــــا نُظِمــتْ منهــا مراثينـا
كــادت عيــونُ قوافينــا تُحَرّكُـه وكِـدْنَ يـوقِظـــــْنَ فـي التُّرْبِ السلاطينا
لكـنّ مصـرَ وإِن أَغضـتْ عـلى مِقَةٍ عَيْـنٌ مـن الخــــُـلْدِ بالكـافور تَسـقينا
عــلى جوانبِهــا رَفَّــتْ تَمَائِمُنَـا وحــولَ حافاتِهــا قـامــــــــــــــتْ رَواقينـا
ملاعِــبٌ مَرِحَــتْ فيهــا مَآرِبُنـا وأَربُــعٌ أَنِسَــتْ فيهــا أَمانينـــــــــــــــــــا
ومَطْلَــعٌ لِسُــعودٍ مــن أَوَاخِرنـا ومَغْــرِبٌ لجُــدُودٍ مــن أَوَالينـــــــــــــــــا
بِنَّـا, فلـم نَخْـلُ مـن رَوْحٍ يُراوِحُنـا مـن بَـرِّ مصـرَ, وَرَيْحَـانٍ يُغادِينـــــــــا
كـأُمِّ موسَـى, عـلى اسـمِ اللـه تكْفُلُنا وباســمهِ ذهبــتْ فـي اليَـمِّ تُلقِينــــــــــا
ومصـرُ كـالكَرْمِ ذي الإِحسـان: فاكهةٌ لحـــاضِرينَ, وأَكــوابٌ لبَادينــــــــا
يـا سـاريَ الـبرقِ يَرمِي عن جوانِحنا بعـدَ الهـدوءِ, ويهمِـي عـن مآقينــــــا لمـا تَرقـرق فـي دمـع السـماءِ دمًا هـاج البكـا, فخَضبْنَـا الأَرضَ باكينـــــــا الليــلُ يشــهد لـم نهتِـك دَيَاجِيَـهُ عــلى نيــامٍ, ولـم نهتِـف بسـالينا
أيها النيل
مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ? وبــأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ?
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من علْيــا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ?
وبــــــــــأَيِّ عَيْــنٍ, أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ أَم أَيِّ طُوفــانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ?
وبــأَىِّ نَـــــــــــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ للضفَّتيْـــن, جَديدُهــا لا يَخــلَقُ?
تَسْـــوَدُّ دِيباجًـــــــا إِذا فارقتهـــا فـإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْـــــرَقُ
فــي كــلِّ آونــــــــــــــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً عجبًــا, وأَنــت الصـابغُ المُتــــَـأَنِّقُ
أَتَـت الدهـورُ عليـكَ, مَهــْـدُكَ مُـتْرَعٌ وحِيــاضُكَ الشُّــرق الشـهيــــَّةُ دُفَّـقُ
تَسْــقِي وتُطْعِـمُ, لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ بـــالواردين, ولا خــــــــــــوانُك يَنفُــقُ
والمــاءُ تَسْــكُبُه فيُسْـبَكُ عَسْـجَدًا والأَرضُ تُــــــــغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ
تُعيــي مَنـابِعُك العقـولَ, ويسـتـــــــــــوي مُتخــبِّطٌ فــي علمِهــا ومُحــقِّقُ
أَخـلَقْتَ راووقَ الدهـورِ, ولـم تـزل بــكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك, لا تَـــــــــتروَّقُ
حــمراءُ فـي الأَحـواض, إِلاّ أَنهـا بيضــاءُ فـي عُنُـق الـثرى تَتـــــــــــأَلَّقُ
دِيــنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويــــــــــَـرزُقُ?
لــو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن لِســواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلــــــــــــــُقُ
جـعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً إِنَّ العبـــادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّــــــــــــــقُ
دانــوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ عَــذْبِ المشــارعِ, مَـدُّهُ لا يُلْحَـــــــــــقُ
مُتقيِّــــد بعهـــودِه ووُعـــودِه يَجـري عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصــــــــــــــدُقُ
يَتقبَّــلُ الــوادي الحيــاةَ كريمـةً مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّــــــــــــــــقُ
متقلِّــب الجــنبيْن فــي نَعْمائِــهِ يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـي نَـداك فيُـــــــــــــورِقُ
فيبيــتُ خِصْبًـا فـي ثَـراه ونِعْمـة ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموسِــــــــــــــــقُ
وإِليـك - بَعْـدَ اللـهِ - يَرجِـع تحتـه مـا جَـفَّ, أَو مـا مـات, أَو ما يَنْــــــــفُقُ
أَيـن الفراعنـةُ الأُلـى اسـتذرى بهـم (عيسى), و(يوسف)و(الكَلِيمُ) المصْعَقُ? المُــورِدونَ النــاسَ مَنْهَـلَ حكمـةٍ أَفْضَــى إِليــه الأَنبيــاءُ ليَســــــــــــتقوا
الرافعــون إِلــى الضحـى آبـاءَهم فالشـمسُ أَصلُهـمُ الـوَضِيءُ المُعْــــرِقُ
وكأَنمــا بيــن البِــلى وقبــورِهم عهــدٌ عـلى أَنْ لا مِسـاسَ, ومَـوْــــــــثِقُ
فحجـابُهم تحـت الـثرى مـن هَيْبَـةٍ كحجــابهم فـوق الـثرى لا يُخــــــــرَقُ
بلغــوا الحقيقـةَ مِـنْ حيـاة علمُهـا حُجُــبٌ مُكَثَّفَــةٌ, وسِــرٌّ مُغلَــــــــــــــقُ
وتبيَّنـوا معنـى الوجـودِ, فلـم يَـرَوْا دونَ الخـــلودِ ســـعادةً تَتحــقّــــــــَقُ
يَبنــون للدنيــا كمــا تَبنِـي لهـم خِرَبًــا, غـرابُ البَيْـن فيهـا يَنْعَـــــــــــــقُ
فقصــورُهم; كُــوخٌ, وبيـتُ بَـداوةٍ وقبــورُهم; صـرْحٌ أَشَـمُّ, وجَوْســَـقُ
رفعــوا لهـا مِـنْ جَـنْدَلٍ وصفـائحٍ عَمَــدًا, فكــانت حائطًـا لا يُنْتــــــــَـقُ
تتشــايعُ الــدَّاران فيـه: فمـا بـدا دُنْيـا, ومـا لـم يَبْـدُ أُخـرى تَصْــــــــدُقُ
للمــوتِ سِــرٌّ تحتَــه, وجِــدارُه سُـورٌ عـلى السـرِّ الخـفيِّ, وخَـنْــــــــــدَقُ
وكــأَنَّ مــنزلهم بأَعمــاقِ الـثرى بيــن المحلَّــةِ والمحلَّــةِ" فُنْـــــــــــــدُقُ
مَوْفــورةٌ تحــت الـثرى أَزْوَادُهـم رَحْـب بهـم بيـن الكهـوف المُطْبِــــــــقُ
ولِمَـنْ هيـاكلُ قـد عـلا البـاني بها بيــن الثريَّــا والــثَّرى تتنَسّـــــــــــــَـقُ?
منهــا المشـيَّدُ كـالبروجِ, وبعضُهـا كــالطَّوْدِ مُضطَّجِــعٌ أَشَـمُّ مُنَطَّــــــــقُ
جُــدُدٌ كــأَوّلِ عهدهــا, وحِيالَهـا تتقــادَمُ الأَرضُ الفضــاءُ وتَعْتــــــــــُـقُ
مِــنْ كـلِّ ثقْـلٍ كـاهلُ الدُّنيـا بـه تَعِـبٌ, ووَجْـهُ الأَرضِ عنـه ضَــــــــيِّـقُ
عـال عـلى بـاع البِـلى, لا يَهتـدِي مــا يَعتــلِي منــه ومـا يَتســـــــــــلَّقُ
مُتمكِّـنٌ كـالطودِ أَصـلاً فـي الـثرى والفـرعُ فـي حَـرمِ السـماءِ مُحـلّــــــِقُ
هــي مــن بنـاءِ الظلـمِ, إِلا أَنـه يَبيَـضُّ وجـهُ الظلـمِ منـه ويُشْـــــــــــــرِقُ
لــم يُـرْهِق الأُمَـمَ الملـوكُ بمثلهـا فخــرًا لهــم يَبْقَـى وذكـرًا يَعْبـــــــــــَـقُ
فُتِنَــتْ بشـطَّيْكَ العِبَـادُ, فلـم يـزل قـــاصٍ يَحُجُّهُمَــا, ودانٍ يَــرْمُــــــــــقُ
وتضــوَّعَتْ مِسْـكَ الدُّهـورِ, كأَنمـا فــي كــلِّ ناحيـة بَخـورٌ يُحْـــــــــرَقُ
وتقـابلتْ فيهـا عـلى السُّـرُرِ الـدُّمَى مُسْـــتَرْدِيات الـــذلّ لا تَتَفَنَّــــــــــقُ
عَطَلـتْ, وكـان مكـانُهنّ مـن العُلى (بِلْقِيسُ) تَقْبِسُ مــن حـلاهُ وتَسْـرقُ
وعَـلا عليهـن الـترابُ, ولـم يكـن يَزْكُــو بِهـنّ سـوى العبـير ويَلـــبَـقُ
حُجُراتُهــا مَوْطــوءَةٌ, وســتورُها مَهتوكــةٌ, بيــد البِــلى تَتخـــــــــرّقُ
أَوْدَى بزينتهــا الزمــانُ وحَلْيهــا والحســنُ بــاقٍ والشـبابُ الـرَّيِّقُ
لــو رُدَّ فِرعــونُ الغـداةَ; لراعـه أَنّ الغَـــرانيق العُــلَى لا تَنطــقُ
خــلع الزمـانُ عـلى الـورى أَيامَـه فـإِذا الضُّحـى لـكَ حِصَّـةٌ والرَّوْنَقُ
لــكَ مــن مواسـمِه ومـن أَعيـادِه مــا تَحْسِـرُ الأَبصـارُ فيـه وتَـبْرَقُ
لا (الفرسُ) أُوتــوا مثَلـه يومًـا, ولا (بغدادُ) فـي ظـلِّ (الرشيد) و(جِـلَّق)
فَتْــحُ الممـالك, أَو قيـامُ (العِجْلِ), أَو يـومُ القبـور, أَو الزفـافُ المُـونِقُ?
كــم مــوكبٍ تَتخَـايلُ الدنيـا بـه يُجْـلَى كمـا تُجْـلَى النجـومُ ويُنْسـقُ!
(فرعونُ) فيــه مـن الكتـائبِ مُقبِـلٌ كالسُّـحْبِ, قَـرْنُ الشـمس منهـامُفتِقُ
تَعْنــو لعزَّتِــه الوجــوه, ووجهـهُ للشـمسِ فـي الآفـاقِ عـانٍ مُطــــــــــرِقُ
آبــتْ مــن السـفرِ البعيـدِ جـنودُه وأَتتْــه بــالفتحِ الســعيدِ الفَيْلَـــــــــــــــقُ
ومَشـى الملـوكُ مُصفَّـدِين, خـدودُهم نعــلٌ لفرعــونَ العظِيـم ونُمْــــــــرُقُ
نبذه عن سيرة أمير الشعراء
أحمد شوقي .
ولد عام 1868 في قصر الخديوي اسماعيل ، لم يكن آباؤه مصريين ، جده لأبيه هو أحمد على ، قدم الى مصر في عهد محمد على كان يحسن العربية والتركية فولى أمانة الجمارك وتوفى عن ثروة طائلة تحدرت الى شوقي أبنه .
نشأ شوقي في قصر اسماعيل وكان يعطف عليه ويبدو بين يديه بدرات الذهب .
تخرج على التعليم المدني الآخذ بالمنحي الأوروبي ، بدلا من التعليم الازهري الآخذ بالمنحي الديني .
عام 1885 دخل كلية الحقوق وشرع يدبج القصائد بمدح الخديوي توفيق ولما انشئ / قسم الترجمة في كلية الحقوق مال إليه وتخرج منه بعد عامين .
أثر تخرجه كان يتقن العربية التي ثقفها على معلمه الشيخ بسيوني البيباني وكان هذا شاعرا يمدح الخديوي فجرى تلميذه على مذهبه ، وأتقن كذلك الفرنسية التي سيفيد منها في الاطلاع على الشعر الاجنبي في المنزل .
عينه الخديوي توفيق مفتشا في الخدمة الخديوية وكان أبوه يتولى هذا المنصب .
بعد عام عزل الخديوي على ايفاده للتخصص في اوروبا فارتحل شوقي الى مونبليي في فرنسا حيث التحق بكلية الحقوق فيها وكان في الصيف يتجول في انحاء فرنسا ويطلع على معالمها الحضارية .
وفي نهاية السنة الثالثة اصيب بداء شديد اشرف منه على الموت فنصحه الاطباء بانتجاع البلاد الافريقية فعزم على السفر الى الجزائر حيث قضى اربعين يوما مستشفيا .
واقام في القصر اثر عودته وعام 1896 حضر مؤتمر المستشرقين في سويسرا وسافر منها الى بلجيكا للتجول في حواضرها .
اثر وفاة الخديوي توفيق تولى السلطة الخديوي عباس فلم يقرب شوقي الا بعد ان توسط له بعض المقربين ثم وثق به وجعله من خاصته الادنين .
وفي عام 1907 نظم قصيدة قصيدة للرد على اللورد كرومر حين ندد بنظام الجيش المصري منتصرا بذلك للخديوي .
هجا الثائر عرابي باشا اثر عودته من منفاه آخذا بذلك جانبا القصر .
دفعه اسماعيل الى مدح الخليفة التركي ليستدر عطفه عليه وقد اشاد بنصر الاتراك على الروس والبلقان ، كانت المدائح في عبدالحميد ومحمد رشاد .
اقام شوقي في اسبانيا حتى عام 1819 عندما عقدت الهدنة فسمح له بالتجوال في انحاء اسبانيا فشاهد محمد العرب في قرطبه واشبيلية وغرناطة وفي هذه الاثناء نظم اندلسياته معارضا البحتري والشريف الرضي وموشحات شعراء الاندلس .
في عام 1926 زاره الشاعر الهندي الكبير طاغور وكان بيته منتج زعماء العرب ، كما أنه اختير عضوا في مجلس الشيوخ .
في عام 1927 اعاد طبع ديوانه شوقيات ، واقيمت له حفله بهذه المناسبة وبويع على امارة الشعر بايعه عليها شعراء العرب أمثال سبلي ملاط وخليل مطران وأمين نخله وحافظ ابراهيم .
منذ عام 1924 اصبح المطرب محمد عبدالوهاب يتبعه كظلة ويلحن ويغني معظم قصائده وفي تلك الفترة طابت الحياة لشوقي وكانت دارته كالحانة ، كما انه كان يختلط بالشعب وينتقل من مقهى الى آخر .
حاول الاتجاه الى الشعر المسرحي فنظم مسرحيات قيس وليلى وكليوبترا وعلى بك الكبير .
توفى عام 1932 وخرجت المة المصرية تشيع شاعرها ورثاه شعراء العرب جميعا .
وكانت وفاتة بقصره المعروف باسم كرمة بن هاني على ضفاف النيل بالجيزة .
طبع شعرة باسم الشوقيات في اربعة أجزاء كما طبعت مسرحياته وقصصة النثرية المقامية الاسلوب ومقالاتة المعروفة باسم اسواق الذهب ، كما طبعت منفصلة ارجروزته المعروفة عن تاريخ العرب والاسلام .
التجارب والموضوعات العامة في شعر شوقي :
ان عرض مثل هذه النماذج والتجارب يبين موقف الشاعر من بعض القضايا المصيرية أو غير المصيرية التي اعتجلت في وجدانه حينا من الزمن كما انها قد تطلنعا على الهموم الكبرى التي تنازعه في شطر حياته ، ومما لا شك فيه ان شوقي كان وطنيا بمعنى انه كان يعني في شعره بشئون وطنة دون النظر في عمق تجربته واخلاصها ومدى الثورية والتقدمية التي تمخضت عنها فإذا اسقطنا الشعر المدحي المباشر الذي كان ينظمه في ذوي السلطة وبخاصة الاتراك الذين كان يصحب جيوشهم ويرثيهم ويهنئهم يمجد الخلافة ويؤلب لها كل فضية وخير ويحشد حولها صور ملحمية مستفادة في معظمها . من أجواء المدح كما اثر في شعر المتنبي وبخاصة في شعر ابي تمام ومن اليه وفي هذه القصائد نقع على وصف القتال والاحتفال بالنصر والرثاء للهزائم الطارئة كما انه ينفح الخليفة العثماني بتلك المثالية المأثورة في شعر مدح وذكر الوقائع في سجل احداثها الفلي ونجد القصيدة وقد مضت في التمطي والتطاول والتكثيف والتهجم بالدقائق وتخوض في الاحداث فكان شوقي عاد الى مهمة الشاعر القديم في الدفاع عن قبيلته وهجاء اعدائها والتغني بمآثرها وبطولاتها ففي قصيدة ( صدى الحرب ) وهي قصيدة مطولة يتغنى بسيف الاتراك البطاش والذي يذود عن الحق وعن الدين ،به يؤدب الطغاة وتداوي الدول مكن الداء الذي ينتابها في العنجهية والكبرياء وبه تنام الخطوب عن الرعيه فيما يسهر سيف الحزم المتربص بكل عدو فعبد الحميد يجلس على عرش الدهر وتخشاه الليالي وهو الذي يبعث الرزق والخطب ويحي الارض الموات وهو الذي يسهر لينام المسلمون ويتمرس بالبطولة والفتح في سبيل الامة فالسيف اصدق من حكمة سقراط وعزمه أمضى من شعر هومير وقد بز الاسكندر في الفتوح يحسم النزاع بين الحق والباطل يتهدد الاعداء ويصدق البلاء فيهم ثم أنه يمتدح الجنود فيقول :
ملكت سبيلهم ففي الشرق مضرب
لجيشك ممدود وفي الغرب مضرب
تمانون ألفا اسد غاب ضارغم
لها مخلب فيهم وللموت مخلــــــــــــب
اذا حملت فالشر وسنان نائـــــــــــــــم
وان غبت فالشر يقظان مغضــــــــــب
ولا شك ان الغريزة الدينية قد تميل بالشاعر الى التعصب الى فئة دون الاخرى الا ان الشاعر المسئول عن مصير الحقيقة ومصير الوحدة البشرية والذي يؤمن بكلية الانسان وشموليته يسقط دينه الروحي من عليائه الى زحمة القتال والتناحر بين البشر يجله عن التمرغ في وحول الدم ومباءة التوحش والغريزة وشوقي لم يكن من رواد الحقيقة الكلية الخالصة من كل شائبه وغير المتطعمة على ذاتها بمباذل البشر واحقادهم وتكالبهم على السلطة والنفوذ وسعيهم الى ان يحيا بعضهم من دماء الآخرين ولحومهم ..
ان للشاعر موقف واحد تجاه هذه القضية هو موقف الداعي الى السلم في سبيل الانسان فايا من مات من الفريقين لم يمت هو ذاته ، والانسان هو الذي مات به ومن خلاله ولو ترى شوقي واخذ بالمنحى التأملي لادراك هذه الحقيقة ولما استسلم الى غرائز القتل والدم وما الى ذلك مما يدعوه مجرمو الشرق والغرب بطولة ، تلك التي تغتذي من احشاء الانسان وتودعه قبر العدم فيما هي توهمه بأنها اودعته قبر الخلود لحا الله الارتزاق في الشعر فإن اولى ضحاياه السلام والحقيقية والاخوة الانسانية ويقع في هذا المضمار امتداحه للسيف على غرار الاقديمن دون افادة من تجارب المحدثين ومن تجارب مؤيدي السلام وزوال الحرب تلك العاهة الكبرى في تاريخ الانسان ، بلى ان الشاعر مسئول عن مصير الانسان وعن الاخوة والحرية للجميع فما باله يمتدح السيف بقوله :
بحقك يعلو الحق والحق أغلــــــــب
وينصر دين الله أيان تضـــــــــــرب
وما السيف الا آيه الملك في الورى
ولا الامر الا للذي يتطلـــــــــــــــب
شوقي في مرآة سكرتيره :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونتوقف مع هذه السطور القليلة اما العادات الصغيرة لشوقي كما يرويها سكرتيره ، فإن هذه العادات لها دلالتها الخاصة على شخصية شوقي ، من ذلك أنه كان لا يحب أن ينفرد بنفسه أبدا فكان يرتاح خمس دقائق بدون انيس وقد يكون هذا الامر غريبا على فنان مبدع يحتاج دائما الى الانفراد بنفسه ولكننا نعلم من هذا الكتاب ان الكثير من قائد شوقي كان يمليها على سكرتيره ومع ذلك فقد كان شوقي يحتمل الوحدة اذا ما كان يعمل في بعض مسرحياته ذلك لان المسرحيات كانت تفرض عليه في أغلب الاحيان أن يكتبها بنفسه ، لانها تحتاج الى مرحلة من التفكير والتخطيط قبل مرحلة الصياغة الشعرية وهذا امر يختلف عن كتابة القصائد التي تعبر عن خواطر مباشرة يستطيع أن يمليها على الغير ...
ومن عادات شوقي ايضا انه كان يدخل السينما كل ليلة بعد العشاء ولم ينقطع عن هذه العادة الا في الشهور الاخيرة من حياته وهي شهور المرض الذي مات على أثره سنة 1932 وكان شوقي يحب السطوع أو يتعاطاه كل يوم ثم انقطع عنه سنة 1928 قبل وفاته بأربع سنوات وكان اذا اراد كتابة قصيدة عالجة لسبب او مناسبة كأن تكون هذه القصيدة مطلوبة منه لالقائها في أحد الاحتفالات أو المناسبات المحددة فقد كان شوقي في هذه الحالة يتناول صفار ثلاث بيضات يشربها نيئه ثم يبدأ في النظم فلا تمض ساعة حتى تكتمل القصيدة .
شوقي في مرآة إبنه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغريب والملفت للنظر أن شوقي كان يحض إبنه على عدم كتاب الشعر ويروي لنا حسين أبنه عن والده والذي سماه ابي شوقي فيقول (( كان ابي يحملنا على الذهاب الى اهرام الجيزة كل يوم جمعة تقريبا ، كنا نأخذ معنا طعامنا ثم نذهب الى مقهى صغير منعزل أمام فندق مينا هاوس وكنا نختار هذا المكان المتواضع لنكون أحرار أذ كنا نذهب في عصبة بوهيمية مرحة كثيرة الصخب من أدباء وفنانين وكان يحضر معنا هذه الرحلات المرحوم حافظ بك ابراهيم الذي كانت صحبته مسلية جدا ، سألني حافظ بك مرة اثناء إحدى هذه الرحلات أتقول الشعر ؟ فأجبته : أجل ولكن قليلا فقال : إذن قل شيئا في الهرم أو في ابو الهول فقلت :
أيا هرمي مصر سلام عليكم
ولكني لم أتمكن من تكملة البيت ، عندئذ فكر حافظ إبراهيم لحظة ثم قال سلام مشوق منذ خمس إليكما
وهو يعني بالخمس ، الخمس سنوات التي قضاها شوقي وأسرته بالمنفى وانشدت حافظ بك ابيات كنت نظمتها في مناسبة أخرى فالتقيت الى ابى وقال ، اتعلم يا شوقي أن ابنك يرجى منه ؟ عليك ان تتعهده ليصير شاعرا مطبوعا فأجا إني افضل ان يعني هو بالنثر لا بالنظم لان الشعر لا يتحمل الوسط ، وحسين لن يبلغ في القمة : فقال حافظ موجها الى الخطاب : لا تطع مشورة أبيك يا حسين ، إنه يقول ذلك لانه غيران منك إذا يخشى ان تسبقه في يوم من الايام : فقال أبي في مرارة : لماذا بربك تريد أن يكون المسكين شاعرا لماذا بربك تريد أن يكون المسكين شاعرا ؟ أليشقى مثلنا ويحرق اعصابه ؟
ويعلق حسين شوقي على هذه الحالة بعد ذلك فيقول ( عرفت صدق كلام أبي بعد مرور عشر سنوات على هذا الحديث عند وفاته لما سألت طبيبنا النمساوي عن سبب الموت لان أبي لم يكن متقدما في السن اذ توفى في الثانية والستين فأجابني الطبيب بأن أبي وإن لم يكن مسنا كانت أعصابه مع الاسف بالية ، وكانت أعصاب شيخ جاوز الثمانين .
وما يقوله عن والده وضعف اعصابه تؤكد مصادر أخري فقد كان الشعر يمتص حياة شوقي بلا رحمه .
المراجع :
*- دراسة ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء .
تأليف : رجاء النقاش .
دار سعاد الصباح لللنشر .
*- احمد شوقي أمير الشعراء
الجزء الثالث – الموضوعات العامة .
تأليف : إليا الحاوي .
دار الكتاب اللبناني – بيروت
*- الشعر العربي المعاصر – دراسة وتقييم
- احمد شوقي أمير الشعراء
الجزء الثاني – دراسة عامة .
تأليف : إليا الحاوي .
دار الكتاب اللبناني – بيروت
الثلاثاء، 19 أبريل 2011
تحليل قصيدة أنشودة المطر للسياب
أنشودة المطر - للسيّاب
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَـهُ المَسَاء ،
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف ،
وَالمَوْتُ ، وَالميلادُ ، والظلامُ ، وَالضِّيَاء ؛
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي ، رَعْشَةُ البُكَاء
كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر !
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر ...
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم ،
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر...
مَطَر...
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ - التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : " بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. " -
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِـهَا وَتَشْرَبُ المَطَر ؛
كَأنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟
بِلا انْتِهَاءٍ - كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ،
كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى - هُوَ الْمَطَر !
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار ،
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ .
أصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـه النشيجْ :
" يَا خَلِيجْ
يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى ... "
أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ ،
حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ
لم تترك الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تَئِنُّ ، والمهاجرين
يُصَارِعُون بِالمجاذيف وبالقُلُوع ،
عَوَاصِفَ الخليج ، والرُّعُودَ ، منشدين :
" مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا - خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ - حِينَ يُعْشُب الثَّرَى- نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
في كُلِّ قَطْرَةٍ مِنَ المَطَر
حَمْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ مِنْ أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وَكُلّ دَمْعَةٍ مِنَ الجيَاعِ وَالعُرَاة
وَكُلّ قَطْرَةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العَبِيدْ
فَهيَ ابْتِسَامٌ في انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جَدِيد
أوْ حُلْمَةٌ تَوَرَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيــدْ
في عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، وَاهِب الحَيَاة !
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
سيُعْشِبُ العِرَاقُ بِالمَطَر ... "
أصِيحُ بالخليج : " يا خَلِيجْ ...
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـهُ النشيجْ :
" يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى . "
وينثر الخليجُ من هِبَاتِـهِ الكِثَارْ ،
عَلَى الرِّمَالِ ، : رغوه الأُجَاجَ ، والمحار
وما تبقَّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لُجَّـة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
" مطر .
مطر ..
مطر ...
في كلِّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراءُ من أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حُلْمَةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، واهب الحياة . "
وَيَهْطُلُ المَطَرْ ..
المصدر : عن ديوانه " أنشودة المطر " ، ضمن مجموعته الكاملة المجلد الأول ص 474 . دار العودة - بيروت - 1997
حدد نوع الصور التي قامت عليها هذه القصيدة ثم اشرحها؟:cup:
أولا: التعريف بالشاعر :بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة:
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
المفردات :
السحر :قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
التحليل
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر ..
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَـهُ المَسَاء ،
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف ،
وَالمَوْتُ ، وَالميلادُ ، والظلامُ ، وَالضِّيَاء ؛
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي ، رَعْشَةُ البُكَاء
كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر !
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر ...
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم ،
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر...
مَطَر...
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ - التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : " بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. " -
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِـهَا وَتَشْرَبُ المَطَر ؛
كَأنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟
بِلا انْتِهَاءٍ - كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ،
كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى - هُوَ الْمَطَر !
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار ،
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ .
أصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـه النشيجْ :
" يَا خَلِيجْ
يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى ... "
أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ ،
حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ
لم تترك الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تَئِنُّ ، والمهاجرين
يُصَارِعُون بِالمجاذيف وبالقُلُوع ،
عَوَاصِفَ الخليج ، والرُّعُودَ ، منشدين :
" مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا - خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ - حِينَ يُعْشُب الثَّرَى- نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
في كُلِّ قَطْرَةٍ مِنَ المَطَر
حَمْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ مِنْ أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وَكُلّ دَمْعَةٍ مِنَ الجيَاعِ وَالعُرَاة
وَكُلّ قَطْرَةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العَبِيدْ
فَهيَ ابْتِسَامٌ في انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جَدِيد
أوْ حُلْمَةٌ تَوَرَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيــدْ
في عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، وَاهِب الحَيَاة !
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
سيُعْشِبُ العِرَاقُ بِالمَطَر ... "
أصِيحُ بالخليج : " يا خَلِيجْ ...
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـهُ النشيجْ :
" يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى . "
وينثر الخليجُ من هِبَاتِـهِ الكِثَارْ ،
عَلَى الرِّمَالِ ، : رغوه الأُجَاجَ ، والمحار
وما تبقَّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لُجَّـة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
" مطر .
مطر ..
مطر ...
في كلِّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراءُ من أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حُلْمَةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، واهب الحياة . "
وَيَهْطُلُ المَطَرْ ..
المصدر : عن ديوانه " أنشودة المطر " ، ضمن مجموعته الكاملة المجلد الأول ص 474 . دار العودة - بيروت - 1997
حدد نوع الصور التي قامت عليها هذه القصيدة ثم اشرحها؟:cup:
أولا: التعريف بالشاعر :بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة:
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
المفردات :
السحر :قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
التحليل
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر ..
تحليل قصيدة ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة ) للقيصر/ فلاح الغريب
تحليل ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة)للقيصر/ فلاح الغريب.
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني = فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ِيْوما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَالكِ
جو النص:
سقوط بغداد،وإرجاع العراق إلى العصر الحجري،وتدمير الحضارة الإسلامية، ودفن كلّ محاولة للتطور العلمي عند العرب،وإبقائهم في ذيل قائمة التطوّر الإنساني والحضاري، ونهب خيراتهم؛ليبقوا لقمة سائغة للغرب،الذي أخذ يبذر كلّ أشكال الفتن،وكلّ أنواع السموم الفكري،التي تتناسب مع قنابله وأحقاده،وحلمه ،بتفتيت العالم الإسلامي،والعمل على إفراغ الدين الإسلامي من محتواه،وقتل كلّ نسمة أمل بالثقة بالنفس،وجعل أرضنا مزرعة لهم ولأبنائهم،وسكانها عبيداً لهم ولأحفادهم.
أفكار النص: وموضوع القصيدة الشكوى ورثاء بغداد ،يصف القيصر في بداية قصيدته جمال بغداد ومرابعها ومغانيها وليالي أنسها ونعيمها وعزّها ومجدها قبل أن تغتالها يد الغدر والتآمر، ويستهلها بمناجاة الأديب الكبير عيسى جرابا،ويأسه من لقاء أصحابه وخلانه،مبيناً أن الشعر يعجز عن وصف هول الكارثة،علما بأن شعر القيصر كان ينساب انسياباّ دفّاقاً وهو يتغنّى بأمجادها قبل تدميرها وفي أيّام عزّها. ولهول المصيبة يُصدم العقل وتشلّ حركته ،فجمالها يحوّله دعاة الحضارة والديمقراطيّة قبحاً،وبناياتها الشامخات يجعلونها يباباً وأطلالاً،والغناء بكاءً،والصباح المشرق ليلا دامساً،والأفراح أحزاناً،والصفاء مكراً،والابتسامات أشجاناً،والطرب شكوى.
وخيول الروم تدمّر الأخضر واليابس،والأهل والإخوان يتفرّجون ،وخيولهم لم تعد تصهل،لأنّها أُعدّت لمقاتلة الإخوان وأبناء العمومة،ورايات نكفورن كلب الروم تعلو خفّاقة،وأيام العز العربي قد ولّت،ولا حيلة للشاعر سوى البكاء على بغداد،وزفرات حرى ،وأشواق بائسة،وتحيّات مكلومة.
يتبع
العاطفة:
تجلّت في القصيدة عدة عواطف،أهمها:
1.الإعجاب ببغداد، وجمال طبيعتها،وحلاوة لياليها،وأمجادها،قبل اجتياح مغول العصر لها.
2.عاطفة الحزن والأسى والألم عمّا حلّ ببغداد،وما حصل لها من تدمير لكل ما هو جميل.
3.عاطفة الكره لجموع الكفر،وما اقترفته أيديهم من هدم وهدٍ ولحد.
4.عاطفة الحب والإعجاب بتاريخ بغداد وأبطالها،ومآثرها.
5.الدهشة لمواقف ذوي القربى،بسكوت قسم ،وتآمر قسم ثان،ومشاركة قسم ثالث...
6.الأمل بالتحرر والانعتاق في آخر المطاف.
7.حبّ العقيدة،ورجالاتها.
ويبدو الشاعر من خلال قصيدته متأثراً أشد التأثر،معتزاً بالذات والقيم الأصيلة،وهي في مجملها عواطف حزينة صادقة،تنم عما يعانيه الشاعر من إحباط وقهر،تحركه أحاسيسه المرهفة،مع الشعور بالأنفة والعزة،وحلم بالمستقبل،وكلها عواطف إنسانية متوهجة.
الخصائص الأسلوبية في النص:
أولاً التصوير الفني:
حرص الشاعر على إبراز أفكاره وترسيخها في نفس السامع أو المتلقي بحشد العديد من الصور الفنية التي انتزعها من بيئته التراثية والثقافيّة،ومن ذلك:
1.قال:
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
(سَوَادُ عينَيْكِ):شبه بغداد بفتاة عينيها سوداوين في الجمال،حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2. (النجومُ الداري في ليَالِيْكِ ) كناية عن ليالي الأنس في بغداد قبل النكبة.
3.قال:
من هاهنا قد رَسَمْتِ المَجْدَ وابتسَمَتْ = أزهارُ روضِكِ وازدَانتْ مَغَانيكِ
(رَسَمْتِ المَجْدَ)
شبه القيصر بناء المجد بالرسم ،بجامع الإيجاد في كلٍ، حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
4.( ابتسَمَتْ أزهارُ روضِكِ)شبّه ابتسام أزهار الروض بفتاة تبتسم بجامع البهجة في كلٍ،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به فالاستعارة مكنية.
5.( وازدَانتْ مَغَانيكِ )شبه المغاني بعروس تزدان لعريسها ،بجامع الجمال في كلٍ، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
يقول الغريب:
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
6.(بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
7. .(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
8. (إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي) شبّه الشعر حُرُوفَ الشّعرِ بإنسان يُتعب،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة. 9.( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ) شبّه حروف الشعر بإنسان يرتمي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
10.يقول الشاعر:
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )يشبه الشاعر نفسه بقيصر، تشبيه بليغ.
11.( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ )يشبه بديع الشعر بالهديّة، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
12.يقول القيصر:
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
13.(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي )يشبه المعاني بملكة يعلو التاج مفرقيها،
، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
14.كما يشبه تاج المعاني بشيء لا يؤرّق...مكنيّة.
15.( دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ )شبه درّ البيان بكائن حي يأتي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
16وو(دُرَّ البَيَانِ) كناية عن الشعر الفصيح القوي البليغ.
( دُرَّ البَيَانِ)كنية عن اللفظ الفصيح،.( تاجَ المعاني)كناية عن المعنى الشريف.
17.( فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)ذكر القوافي(الجزء) وراد به الكل(الشعر) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
يقول الغريب:
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
18.( رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بشجرة ناعمة،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
19.( والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بإنسان يطرب، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية 20.( شدوُ المآثرِ) شبه ما تُحدثه المآثر بالشدو،بجامع الفرح في كلّ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
21.( الدّهرُ يَرْوِيكِ )شبه الشاعر الدهر بإنسان يروي ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
22.يشبه الغريب (مآثرنا) ب(سِنة)أي نعاس،تشبيه بليغ. فلم يترك مغول العصر لبغداد فرصة لتهنأ بنعيمها.
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
23.( وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا ) كناية عن التاريخ العربي الحافل بالأمجاد والبطولات.
24.( صَمْتُ الثّريَّا)و( وألحانُ المَسَاء) كناية عن غياب السرور والفرح عند الشاعر،وعند صاحب النخوة بمجيء الغزو والدمار.
25.( بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ )يشبه الشاعر القلب بالبلبل،، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالشاعر يتوجّع على محبوبته..ويبكيها.
والعبارة أيضاً كناية عن الأسى والحزن،بسبب الاحتلال وجرائمه وأعوانه.
26.(القلب)ذكر الشعر القلب(الجزء) وأرادبه(الشخص ذا المروءة(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئية.
يقول القيصر:
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
27(أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) يشبه القيصر غياب بغداد بغياب وجه غانية جميلة،بسبب الاحتلال،بجامع غياب الجمال في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
ويتوجع الشاعر ويتأوه من عظم ما رأى وما سمع.
28( وجْهُ غَانِيَةٍ ) ذكر الوجه(الجزء)وأراد به الغانية(الكل)مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
ويقول الشاعر:
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
29.( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ) شبه بغداد بفتاة ذات حُسن وجمال، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
فالشاعر يقارن بين محبوبته الجميلة قبل الاغتصاب،والمدمّرة والمستباحة بعد الانتهاك.
30. (بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
31.(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
32.يشبه الشاعر بغداد بالطلل بجامع التدمير الشامل الشامل الشامل في كلّ،تشبيه بليغ من النوع المقلوب،لأنّ التدمير في المشبه(بغداد) أقوى منه في المشبه به (الطلل).
33.( ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ ) كناية عن جمال روابي بغداد قبل الاغتصاب،وإزالة عفتها،بعد أن جنى عليها الصديق والعدو والقريب.
ويقول فلاح:
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
34.يستحضر الشاعر بيت الشاعر العذري، الذي يتأسّى على محبوبته،فيقول:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
ويسمّي النقّاد هذه الطاهرة بالتّناص الأدبي.
35.( وأشواقي وتذكرتي دفنتُها)ويشبه إخفاء الأشواق والذكريات بالدفن بجامع عدم الظهور في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
36.( دفنتُها في فؤادٍ) شبه الفؤاد بالقبر، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالذكريات الحلوة أضاعها التدمير والتشنيع.
ويقول القيصر:
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
37.كناية عن توحّد الشاعر مع العراق،والاندماج،ويركّز الشاعر على الجمال، الذي ذوى وأصبح قبحاً على أيدي أصحاب التقدم والحرية،باسم مساعدة الشعوب،أقصد تدميرها ومحوها عن الخارطة.
ويقول الغريب:
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
38(وفي الرّصافة غنّى القلبُ) ذكر الشاعر القلب(الجزء) وأراد به شخصه(الكلّ) مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفيه أيضا استعاره مكنيّة.
ونلاحظ أن الشاعر يهرب من حاضره بعقله المكدود في هذه الأبيات،من هول ما رأى من مفاجع ومواجع إلى ماضي بغداد الزاهر.
39.(وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ) كناية عن حب الشاعر لمحبوبته بغداد.
40.( وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ ) كناية عن قناعة المحبوبة ورضاها على المحبوب ولفتاته.
يقول القيصر:
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
41.كناية عن بكاء الشاعر على بغداد وما ألمّ بها من فواجع يندى بها جبين الأحرار.
يقول الغريب محاولاً أن يختفي وراء الكلمة مثلي تماماّ،ومعنا الحق في ذلك:
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
42.( فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني ) كناية عن سكوت العامة والخاصة عما يحصل،وعمّا حصل.
43.( ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ )كناية عن غياب الأصالة العربية،وتخاذل الإخوان وأبناء العمومة وتقصيرهم في الدفاع عن الشرف المهدور والمستباح.....(أسد علي وفي الحروب نعامة).
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
44.( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا )الضاد:كناية عن اللغة العربيّة،كناية عن موصوف. 45.( لا همسٌ يذكّرنا )كناية عن سكوت العرب عما حلّ من تدمير أخت،واستباحة شرفها. يتساءل القيصر متعجبا عن سبب صمت أبناء العربية صمت أصحاب الرقيم، فلم يحركوا ساكناً،ولم يقيموا حتّى بمظاهرة شجباً واستنكاراً،وهل اكتفوا بالماضي المجيد،وتركوا صناعة التاريخ للباغي.
46.( بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ)المشبه الهاء العائدة على الضاد،والمشبه به: الفرات،تشبيه مرسل مجمل. يتساءل الشاعر مستغرباً(والشاعر وأنا أحيانا نختبئ وراء الكلمة) لماذا لم تعد الأم تساعد ابتنها،ولماذا تخلت عنها؟
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
يتساءل القيصر هل لزعيم المحتل(بوش) من أمل في نجاحه في العراق؟وبُعيد احتلال العراق صرّح بوش في إحدى الكنائس،قائلاً وهو يهذي(لقد جاءني الرب الليلة الماضية،وقال لي: يا جورج إنّ العراق هبة أمريكا)وسنبقى فيه ما لا يقلّ عن سبعين عاما .
وكأني بالقيصر يستعيد قوته،ويتغلب على ضعفه،ويقول-وكأنني متربع في رأسه-:
لن يقوى بوش على بغداد وأرض المسلمين حاضراً،تماما مثلما خاب ظن نكفور سابقاّ،وكأنّ التاريخ يعيد نفسه.
47.( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ )كناية عن أمجاد بغداد.
يقول القيصر:
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
هذا بيت يحمل المعاني الكبيرة،والدلالات العميقة-والقلم لا يسعفني،تماماّ مثلما لم تؤاتِيْ الشاعر القوافيِ(فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ)،يذكرنا الشاعر بتاريخ بغداد المجيد، فها هو الإمام أحمد بن حنبل يقارع ثلاثة خلفاء:المأمون والمعتصم ثمّ الواثق في قضية خلق القرآن،يُسجن ويُجلد بالسياط وتُخلع يده ويُكبّل بالسلاسل، ويُعارض الخلفاء، ويرى أنّ القرآن ليس مخلوقا،وساعد الإمام في محنته العامة والعلماء،وسأروي لكم قصة عالم أهمله التاريخ،هذا العالم من بلدتي إذنا/الخليل،قبره موجود في الأراضي المحتلة، يبعد عن بيتي ثلاثة كيلو مترات ،عندما علم هذا العالم بمحنة الإمام أحمد، هبّ مسرعاً إلى بغداد،قاطعاً الجبال والأودية والفيافي والصحاري،متجشماً المخاطر ،راكباً دابّة،وليس سيّارة أو طائرة ،إلى أن قابل الخليفة،فسلّم عليه وقال:عظّم الله أجركم في القرآن الكريم ،فقال له الخليفة زاجراً: ولِمَ؟ فقال العالم:ألست تزعم بأنّه مخلوق؟ قال الخليفة:نعم ،فردّ عليه العالم :و أليس كلّ مخلوق سيموت؟والقرآن سيموت إذن.
أخذ الخليفة حينها يتراجع،ثمّ أطلق سراح أحمد بن حنبل،والسؤال ما دور العلماء عندما انتهكت محارم الحمى؟؟؟ وأين العلماء اليوم الذين لهم مواقف عزّ دينية كوقفات أبي حنيفة النعمان؟ وما دور العامة اليوم؟
ويقول الغريب بعد أن امتص هول الضربة،حيث أخذ يستردّ قوته:
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
48.( رِّياحِ الهُوْجِ)كناية عن المصائب. ويشبه الشاعر كلاً من الرياح والليالي بإنسان ينبئ ويخبّر،استعارة مكنيّة في كلّ.
49.(كفَّ الصَّليبِ) كناية عن بطش وهمجيّة المحتلين.
50.( عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ )شبّه القيصر الودّ برحّالة ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
فلدى الشاعر بُعد نظر واستشراف للمستقبل،فيقول-وهذا ما حصل في بداية غزو العراق، عندما خرجت الدهماء ترحب بجند الغزو- إنّ المحتلين النصارى وراء ضحكاتهم الصفراء الويل والثبور،وصح ما توقّعه القيصر ببصيرته الثّاقبة ،وإن الأدهى والأمر من مصائب المحتل،والذلّ الذي لحق بنا وبك هو سكوت أولي الأمر،ولقد رأينا كيف أن أحدهم يستقبل بوش برقصة السيوف‘وهذا تعبير عمّا لحق بنا من ذل،يحاولا الشاعر أن يبتعد عن قول مثل هذا لكن ضغط شجاعته،وشعوره بدفقة شعورية عارمة تنتاب مشاعره، وتكاد تعصف بها-يقول ويخرج عن طوره .
ويقول فلاح،حيث أخذ يزداد قوّة أمام ضغوطات نبل المشاعر والمروءة،وإمارات الضعف أخذت تتراجع وتتهاوى أمام وقع استشرافاته المستقبلية،ومراجعته للتاريخ:
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ينادي الشاعر محبوبته،والنداء هنا يفيد التحبب،فيقول لها:إنّ الاحتلال لن يدم،بعد أن أطبق جند الكفر على حماك بصلف وغرور،واستخفّ بتاريخك،ويؤكّد الشاعر قوله بحرف الجر الزائد في(بدائمَةٍ ) والشاعر يتخوّف من غدر ومكر الأعادي،لكنه ببصيرة المؤمن الصابر الدارس لأصول الدين والتاريخ، مدرك أنّ الاحتلال في زوال،وأن المجد العربي عائد لا محالة إلى ربوع العراق .
(الليالي)كناية عن مصائب الأعادي(ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ)كناية عن سيطرة جموع الكفر على عاصمة الحضارة الإسلامية التي تشكل كابوسا يقضّ مضاجع بوش ومن لفّ لفّه.(الفجر)كناية عن تحرر العراق،فالشاعر باستشرافه للمستقبل يقرر أن الاحتلال سيندحر مهزوماً،وستعود العزة ومعاني الرفعة والسمو إلى ربوعه،وستستمرّ شامخة في كبد السماء،لتؤكّد مكانة العراق الذي سينتصر وسيلقّن الأعادي درساً لن ينسوه،ومن الملاحظ أن استشراف الشاعر قد تحقّق ويتحقّق بعون الله.
(وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ) يشبه الشاعر المجد بشيء يُلمح ويخفق ويناغي، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
(وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ )
يشبه الشاعر الفجر بشيء يُرسم...ويشبّهه مرة أخرى بإنسان يُلقي التحيّة،وفي الحالتين، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
يقول القيصر بعد أن استعاد كلّ قواه،و ولّى ضعفه هارباً:
وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَال
وعندما طلبت من الأحرار نُصرة العراق الذبيح،رأيت مواكب الأبطال قد هبّوا لنجدته،والشاعر يستخدم الفعل الماضي؛لأنه يصلح للسرد القصصي .
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد يتغنّى بهم،وهم مستمتعون.
المشبّه به:صورة الحادي يسير على وقع أنغام قصيدة عذبة،وهو يستمتع بها.
وجه الشبه:صورة شيء يستمتع بشيء آخر.
نوع التشبيه:تمثيلي.
(أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد حولهم يتغنّى بهم،
المشبه به: زهرةُ الروضِ والنّدى يكسُوها ألقاً. أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وجه الشبه:وجود شيء جميل تحفّ به أشياء جميلة.
نوع التشبيه:تمثيلي.
ويصوّر الشاعر مواكب الأحرار الذين هبّوا لنُصرة العراق الذبيح، والأمجاد تحيط بهم،بزهرة الربا تحفّ بها قطرات الندى،أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وهؤلاء الأحرار ساروا على سنة ربهم وحملوا راية الجهاد،راجين نصرته؛لإنقاذ العراق الجريح.
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
والشاعر يقذف بحممه في وجه صلف الغازي،ويخرج عن الأطواق بحذر شديد، يشارك الأحرار،ليس في الأحزان فقط بل بالأفعال،يلبّي داعي الجهاد،يريد مرضاة ربه،وطاعة قلبه(والعمل) بلسم لتفريج الكُرب،والتخفيف من موجات الدفقات الشعورية المتتابعة والضاغطة على أوصال مشاعره الإنسانيّة،وها هو يخرج عن...(الكلمات لا تؤاتيني،ولا إبداع في غياب الحريّة) وقول الشاعر في بغداد زفرات حرّى،محمّلة بالأشجان والأشواق،والتحيّات،والأوج اع من أمّة تاهت،وفقدت بوصلتها،وقتلت دليلها قرباناّ لأحفاد نكفور . والصور الشعرية نابضة بالحركة،مثل:ترتمي،الحان،غ� �ّيد،يأتي ،المدرار ،الريح،يغطي،،الريح،يغطي،خ فافا،سقط.....
وهي زاخرة بعنصر اللون،مثل:دراري،الليل،الف� �ر،بدر،سواد.
وحافلة بعنصر الصوت،مثل:أنغام،شادي،شدو،� �اجيني،سألت،صدى، ،صوت،صهيل....الخ
ثانياّ:
اللغة والأسلوب:
[color="red"]أ.العنوان: ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة).
يوحي العنوان معاني التاريخ الإسلامي المتلألئ كالدرر في حواضره المختلفة،وخاصّة بغداد الرشيد،التي تسبى أمام عجز كامل،وتدمير للنفس،فينقطع الكلام،وتتوقف الأقلام،وتنتشر الأوهام،وتموت الأحلام،وتعجز الأقدم،من هول زلزال قذائف الكفر،وقوّة ضخ ماكينته الإعلاميّة الضخمة ،وحربه الإعلامية.
،فتأتي ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة) لتتلألأ في سماء ليل عربي مدلهم؛لتقول ابتعدوا عن الأوهام،والسكوت عجز،والدرة كوكب متلألئ،استوحت معانيها من تاريخ متلألئ ،والعنوان يختزل التاريخ،ويوحي بما يجب أن يكون عليه الحاضر،فجاء العنوان موفّقاً.
ب.الألفاظ والتراكيب:
جاءت المفردات والتراكيب سهلة وواضحة تلائم الموقف الذي يعبّر عنه الشاعر،ففي مواقف الأسى والحزن والشعور بالمرارة اختار الألفاظ التي التي تعبّر عن لواعج نفسه،وحرقة كبده،ومكنونات فؤاده، بلغة تعبيرية تتسم بالعفويّة والتلقائيّة،فألفاظه سهلة ومأنوسة،ومثال ذلك:أشواق،الصدى،القلب، يشجيني،الفؤاد،أحزان...إلخ.
واختار التراكيب المألوفة،والتي اكتسبها من واقع الحياة والممارسة ولها قدرة على التأثير والإيحاء،تنساب عذبة رقراقة في كلّ أذن،ويستعذبها السامع،وهذه الألفاظ والأساليب تشي ظلالها وإشعاعاتها لتصوّر لنا أحوال الشاعر،وأحواله النفسيّة والشعورية معبرة عن ألم الهزيمة،وذلّ الانكسار ،وقد حشد الشاعر العديد من هذه الألفاظ العاطفية والانفعالية، كما في مثل :( أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) ،( من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ) ،(ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ )، ( لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ)،( وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ ) ،(وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ)،( سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي)، ( دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ ) .( وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )،( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي) ، (وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني ) ،(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ ) ، ( شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ) ومثلها كثير.
أما في نهاية القصيدة فقد اختار ألفاظه من معجم يحمل في طيّاته لغة التحدي،والإيمان بالنصر الإلهي، كما في قوله : (بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً) ،( إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ)،
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية)، ( بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)،( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
ج. الأساليب الخبريّة والإنشائيّة: راوح الشاعر في أساليبه التعبيرية بين الخبر والإنشاء؛حتى لا يكون أسلوبه على وتيرة واحدة،وليجدد نشاط السامع،ويؤثر فيه،ومن الأساليب الإنشائية: الاستفهام الذي يفيد الأسى والحزن(سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ )وفي قوله:( أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ)،ويفيد النفي:( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ)
،والنداء الذي يفيد التحبب والتقرب، في قوله:( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ)
( والتعجب والاستغراب:( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ )،(أم طَلَلٌ عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ)،ويفيد الدهشة والاستغراب كما في قوله:( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ وكما في قوله:( (فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)
أمّا الأساليب الخبريّة،فهي في مجملها تحمل معاني الأسى والحزن والوجد،وتدلّ على هول المصيبة،وألم الفراق والضياع،وعلى قسوة المعاناة،ومرارة التجربة،مثل،( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ)،
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ) ،(وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي)،( وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ)
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني )،
(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )،(شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ)
(وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا )،(لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ)وأغلب القصيدة جاءت أساليبها خبريّة.
د.التناص:
وتعريفه :يرى ميخائيل باختن أن التّناص :تداخل السياقات ووجود علاقة بين نص قديم وآخر جديد .
وترى جوليا كرستيفا أن التّناص :لوحة فسيفسائية من الاقتباسات,وكل نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخرى،وهو أنواع:
التناص الأدبي،ومنه في القصيدة: سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وهذا البيت يذكّرنا بقول الشاعر:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
التناص التاريخي،ومنه: ( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،(وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
التناص الديني:ومنه :( وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ )،(وفقهُ نعمانَ في أقْصَى
أقاصِيْكِ).
وهذا يدلل على سعة ثقافة الشاعر.
ثالثاّ:الوزن والموسيقا:
اختار الشاعر بحر البسيط ؛ليجد متنفساّ للتعبير عن همومه وآلامه،وكذلك أسهم الصائت الطويل (صوت ياء المد) والصائت القصير(الكسرة)، في إيجاد مساحة كافية للتأوّه،وبث الشكوى،والإعلان عما يفيض به قلب الشاعر من لواعج الأسى والحزن،وصوت (النون)يتّسم بالوضوح السمعي كما يرى علماء الأصوات،و يرى الخليل بن أحمد أن هذا الصوت أحد أصوات ثلاثة تجّمل الكلمة،وتولّد الجرس،كل ذلك ساعد على إيجاد نغم موسيقي مفعم باللوعة والأسى والوجد
شخصيّة الشاعر:
اتّسمت شخصيّة الشاعر بالشخصيّة المؤمنة بربها العاملة بأوامره،فهو يقول:
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
وهو ملتزم بقضايا وطنه ودينه،وهذا ساهم على إنجاح هذا العمل،ويتّسم الشاعر بالصدق الفني،فجعله محلقاً بالرغم من الأطواق،التي عملت على تقصيرها،ويبدو أن الشاعر طويل النفس.
ويبدو الشاعر من خلال هذا النص، جيّاش العاطفة،مرهف الحس،رقيق المشاعر،متمسّكاً بالمبادئ السامية،برغم المحبطات.[/color]
منهجي النقديّ:
المنهج التضافريّ،حيث اتكأت على المنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، والبنيويّ ، والمنهج الأخير كان اعتمادي عليه أكثر.،
وآخر دعوانا أن الحمد لله.
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني = فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ِيْوما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَالكِ
جو النص:
سقوط بغداد،وإرجاع العراق إلى العصر الحجري،وتدمير الحضارة الإسلامية، ودفن كلّ محاولة للتطور العلمي عند العرب،وإبقائهم في ذيل قائمة التطوّر الإنساني والحضاري، ونهب خيراتهم؛ليبقوا لقمة سائغة للغرب،الذي أخذ يبذر كلّ أشكال الفتن،وكلّ أنواع السموم الفكري،التي تتناسب مع قنابله وأحقاده،وحلمه ،بتفتيت العالم الإسلامي،والعمل على إفراغ الدين الإسلامي من محتواه،وقتل كلّ نسمة أمل بالثقة بالنفس،وجعل أرضنا مزرعة لهم ولأبنائهم،وسكانها عبيداً لهم ولأحفادهم.
أفكار النص: وموضوع القصيدة الشكوى ورثاء بغداد ،يصف القيصر في بداية قصيدته جمال بغداد ومرابعها ومغانيها وليالي أنسها ونعيمها وعزّها ومجدها قبل أن تغتالها يد الغدر والتآمر، ويستهلها بمناجاة الأديب الكبير عيسى جرابا،ويأسه من لقاء أصحابه وخلانه،مبيناً أن الشعر يعجز عن وصف هول الكارثة،علما بأن شعر القيصر كان ينساب انسياباّ دفّاقاً وهو يتغنّى بأمجادها قبل تدميرها وفي أيّام عزّها. ولهول المصيبة يُصدم العقل وتشلّ حركته ،فجمالها يحوّله دعاة الحضارة والديمقراطيّة قبحاً،وبناياتها الشامخات يجعلونها يباباً وأطلالاً،والغناء بكاءً،والصباح المشرق ليلا دامساً،والأفراح أحزاناً،والصفاء مكراً،والابتسامات أشجاناً،والطرب شكوى.
وخيول الروم تدمّر الأخضر واليابس،والأهل والإخوان يتفرّجون ،وخيولهم لم تعد تصهل،لأنّها أُعدّت لمقاتلة الإخوان وأبناء العمومة،ورايات نكفورن كلب الروم تعلو خفّاقة،وأيام العز العربي قد ولّت،ولا حيلة للشاعر سوى البكاء على بغداد،وزفرات حرى ،وأشواق بائسة،وتحيّات مكلومة.
يتبع
العاطفة:
تجلّت في القصيدة عدة عواطف،أهمها:
1.الإعجاب ببغداد، وجمال طبيعتها،وحلاوة لياليها،وأمجادها،قبل اجتياح مغول العصر لها.
2.عاطفة الحزن والأسى والألم عمّا حلّ ببغداد،وما حصل لها من تدمير لكل ما هو جميل.
3.عاطفة الكره لجموع الكفر،وما اقترفته أيديهم من هدم وهدٍ ولحد.
4.عاطفة الحب والإعجاب بتاريخ بغداد وأبطالها،ومآثرها.
5.الدهشة لمواقف ذوي القربى،بسكوت قسم ،وتآمر قسم ثان،ومشاركة قسم ثالث...
6.الأمل بالتحرر والانعتاق في آخر المطاف.
7.حبّ العقيدة،ورجالاتها.
ويبدو الشاعر من خلال قصيدته متأثراً أشد التأثر،معتزاً بالذات والقيم الأصيلة،وهي في مجملها عواطف حزينة صادقة،تنم عما يعانيه الشاعر من إحباط وقهر،تحركه أحاسيسه المرهفة،مع الشعور بالأنفة والعزة،وحلم بالمستقبل،وكلها عواطف إنسانية متوهجة.
الخصائص الأسلوبية في النص:
أولاً التصوير الفني:
حرص الشاعر على إبراز أفكاره وترسيخها في نفس السامع أو المتلقي بحشد العديد من الصور الفنية التي انتزعها من بيئته التراثية والثقافيّة،ومن ذلك:
1.قال:
سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ = أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ
(سَوَادُ عينَيْكِ):شبه بغداد بفتاة عينيها سوداوين في الجمال،حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2. (النجومُ الداري في ليَالِيْكِ ) كناية عن ليالي الأنس في بغداد قبل النكبة.
3.قال:
من هاهنا قد رَسَمْتِ المَجْدَ وابتسَمَتْ = أزهارُ روضِكِ وازدَانتْ مَغَانيكِ
(رَسَمْتِ المَجْدَ)
شبه القيصر بناء المجد بالرسم ،بجامع الإيجاد في كلٍ، حذف المشبه،واستعار بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
4.( ابتسَمَتْ أزهارُ روضِكِ)شبّه ابتسام أزهار الروض بفتاة تبتسم بجامع البهجة في كلٍ،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به فالاستعارة مكنية.
5.( وازدَانتْ مَغَانيكِ )شبه المغاني بعروس تزدان لعريسها ،بجامع الجمال في كلٍ، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
يقول الغريب:
بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي = فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ
6.(بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
7. .(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
8. (إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي) شبّه الشعر حُرُوفَ الشّعرِ بإنسان يُتعب،ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة. 9.( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ) شبّه حروف الشعر بإنسان يرتمي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
10.يقول الشاعر:
وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ = وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )يشبه الشاعر نفسه بقيصر، تشبيه بليغ.
11.( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ )يشبه بديع الشعر بالهديّة، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
12.يقول القيصر:
وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي = وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
13.(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي )يشبه المعاني بملكة يعلو التاج مفرقيها،
، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
14.كما يشبه تاج المعاني بشيء لا يؤرّق...مكنيّة.
15.( دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ )شبه درّ البيان بكائن حي يأتي، ذكر المشبه،وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
16وو(دُرَّ البَيَانِ) كناية عن الشعر الفصيح القوي البليغ.
( دُرَّ البَيَانِ)كنية عن اللفظ الفصيح،.( تاجَ المعاني)كناية عن المعنى الشريف.
17.( فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)ذكر القوافي(الجزء) وراد به الكل(الشعر) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
يقول الغريب:
رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ = شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ
18.( رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بشجرة ناعمة،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنيّة.
19.( والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )شبّه الفؤاد بإنسان يطرب، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية 20.( شدوُ المآثرِ) شبه ما تُحدثه المآثر بالشدو،بجامع الفرح في كلّ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
21.( الدّهرُ يَرْوِيكِ )شبه الشاعر الدهر بإنسان يروي ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا = لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ
22.يشبه الغريب (مآثرنا) ب(سِنة)أي نعاس،تشبيه بليغ. فلم يترك مغول العصر لبغداد فرصة لتهنأ بنعيمها.
صَمْتُ الثّريَّا وألحانُ المَسَاء ومَا = بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ
23.( وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا ) كناية عن التاريخ العربي الحافل بالأمجاد والبطولات.
24.( صَمْتُ الثّريَّا)و( وألحانُ المَسَاء) كناية عن غياب السرور والفرح عند الشاعر،وعند صاحب النخوة بمجيء الغزو والدمار.
25.( بقلْبِ غرِّيدكِ الشاكي سَيُبْكِيكِ )يشبه الشاعر القلب بالبلبل،، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالشاعر يتوجّع على محبوبته..ويبكيها.
والعبارة أيضاً كناية عن الأسى والحزن،بسبب الاحتلال وجرائمه وأعوانه.
26.(القلب)ذكر الشعر القلب(الجزء) وأرادبه(الشخص ذا المروءة(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئية.
يقول القيصر:
أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ = من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ
27(أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) يشبه القيصر غياب بغداد بغياب وجه غانية جميلة،بسبب الاحتلال،بجامع غياب الجمال في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
ويتوجع الشاعر ويتأوه من عظم ما رأى وما سمع.
28( وجْهُ غَانِيَةٍ ) ذكر الوجه(الجزء)وأراد به الغانية(الكل)مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
ويقول الشاعر:
أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ أم طَلَلٌ = عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ
29.( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ) شبه بغداد بفتاة ذات حُسن وجمال، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
فالشاعر يقارن بين محبوبته الجميلة قبل الاغتصاب،والمدمّرة والمستباحة بعد الانتهاك.
30. (بَغدادُ)ذكر الشاعر(الجزء) وأراد به العراق(الكل) مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.
31.(بَغدادُ)ذكر الشاعر( المحل) وأراد ما فيها من الناس(الحال) مجاز مرسل علاقته المحليّة.
32.يشبه الشاعر بغداد بالطلل بجامع التدمير الشامل الشامل الشامل في كلّ،تشبيه بليغ من النوع المقلوب،لأنّ التدمير في المشبه(بغداد) أقوى منه في المشبه به (الطلل).
33.( ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ ) كناية عن جمال روابي بغداد قبل الاغتصاب،وإزالة عفتها،بعد أن جنى عليها الصديق والعدو والقريب.
ويقول فلاح:
سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وذكرياتي وريّانُ الهَوَى وصدىً = من المشَاعرِ يعنيني ويعنِيكِ
34.يستحضر الشاعر بيت الشاعر العذري، الذي يتأسّى على محبوبته،فيقول:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
ويسمّي النقّاد هذه الطاهرة بالتّناص الأدبي.
35.( وأشواقي وتذكرتي دفنتُها)ويشبه إخفاء الأشواق والذكريات بالدفن بجامع عدم الظهور في كلٍ، حذف المشبه،ثمّ استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ،على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
36.( دفنتُها في فؤادٍ) شبه الفؤاد بالقبر، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية. فالذكريات الحلوة أضاعها التدمير والتشنيع.
ويقول القيصر:
وشطُّ دجلةَ يحكينِي إلى وَطَنِي = وموطني للنّجُومِ الزّهْرِ يحكيكِ
37.كناية عن توحّد الشاعر مع العراق،والاندماج،ويركّز الشاعر على الجمال، الذي ذوى وأصبح قبحاً على أيدي أصحاب التقدم والحرية،باسم مساعدة الشعوب،أقصد تدميرها ومحوها عن الخارطة.
ويقول الغريب:
وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ = منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ
38(وفي الرّصافة غنّى القلبُ) ذكر الشاعر القلب(الجزء) وأراد به شخصه(الكلّ) مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفيه أيضا استعاره مكنيّة.
ونلاحظ أن الشاعر يهرب من حاضره بعقله المكدود في هذه الأبيات،من هول ما رأى من مفاجع ومواجع إلى ماضي بغداد الزاهر.
39.(وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ) كناية عن حب الشاعر لمحبوبته بغداد.
40.( وانْشَرَحَت منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ ) كناية عن قناعة المحبوبة ورضاها على المحبوب ولفتاته.
يقول القيصر:
أرى حُرُوفي وأحزاني تصاحبُها = والعينُ سكّابُهَا المدرارُ يبكيكِ
41.كناية عن بكاء الشاعر على بغداد وما ألمّ بها من فواجع يندى بها جبين الأحرار.
يقول الغريب محاولاً أن يختفي وراء الكلمة مثلي تماماّ،ومعنا الحق في ذلك:
فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني = ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ
42.( فما رأيتُ سُطورَ الشعر ترقُبُني ) كناية عن سكوت العامة والخاصة عما يحصل،وعمّا حصل.
43.( ولا سَمعتُ صهيلَ الخيلِ يحْميكِ )كناية عن غياب الأصالة العربية،وتخاذل الإخوان وأبناء العمومة وتقصيرهم في الدفاع عن الشرف المهدور والمستباح.....(أسد علي وفي الحروب نعامة).
وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا = بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ
وَهلْ هنا قد أقامَ الدّهرَ معتصمٌ ؟ = وسطّرتْ أحرفُ الأمجادِ ماضيكِ
44.( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا )الضاد:كناية عن اللغة العربيّة،كناية عن موصوف. 45.( لا همسٌ يذكّرنا )كناية عن سكوت العرب عما حلّ من تدمير أخت،واستباحة شرفها. يتساءل القيصر متعجبا عن سبب صمت أبناء العربية صمت أصحاب الرقيم، فلم يحركوا ساكناً،ولم يقيموا حتّى بمظاهرة شجباً واستنكاراً،وهل اكتفوا بالماضي المجيد،وتركوا صناعة التاريخ للباغي.
46.( بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ)المشبه الهاء العائدة على الضاد،والمشبه به: الفرات،تشبيه مرسل مجمل. يتساءل الشاعر مستغرباً(والشاعر وأنا أحيانا نختبئ وراء الكلمة) لماذا لم تعد الأم تساعد ابتنها،ولماذا تخلت عنها؟
وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ = وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ
يتساءل القيصر هل لزعيم المحتل(بوش) من أمل في نجاحه في العراق؟وبُعيد احتلال العراق صرّح بوش في إحدى الكنائس،قائلاً وهو يهذي(لقد جاءني الرب الليلة الماضية،وقال لي: يا جورج إنّ العراق هبة أمريكا)وسنبقى فيه ما لا يقلّ عن سبعين عاما .
وكأني بالقيصر يستعيد قوته،ويتغلب على ضعفه،ويقول-وكأنني متربع في رأسه-:
لن يقوى بوش على بغداد وأرض المسلمين حاضراً،تماما مثلما خاب ظن نكفور سابقاّ،وكأنّ التاريخ يعيد نفسه.
47.( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ )كناية عن أمجاد بغداد.
يقول القيصر:
وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ = وفقهُ نعمانَ في أقْصَى أقاصِيْكِ
هذا بيت يحمل المعاني الكبيرة،والدلالات العميقة-والقلم لا يسعفني،تماماّ مثلما لم تؤاتِيْ الشاعر القوافيِ(فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ)،يذكرنا الشاعر بتاريخ بغداد المجيد، فها هو الإمام أحمد بن حنبل يقارع ثلاثة خلفاء:المأمون والمعتصم ثمّ الواثق في قضية خلق القرآن،يُسجن ويُجلد بالسياط وتُخلع يده ويُكبّل بالسلاسل، ويُعارض الخلفاء، ويرى أنّ القرآن ليس مخلوقا،وساعد الإمام في محنته العامة والعلماء،وسأروي لكم قصة عالم أهمله التاريخ،هذا العالم من بلدتي إذنا/الخليل،قبره موجود في الأراضي المحتلة، يبعد عن بيتي ثلاثة كيلو مترات ،عندما علم هذا العالم بمحنة الإمام أحمد، هبّ مسرعاً إلى بغداد،قاطعاً الجبال والأودية والفيافي والصحاري،متجشماً المخاطر ،راكباً دابّة،وليس سيّارة أو طائرة ،إلى أن قابل الخليفة،فسلّم عليه وقال:عظّم الله أجركم في القرآن الكريم ،فقال له الخليفة زاجراً: ولِمَ؟ فقال العالم:ألست تزعم بأنّه مخلوق؟ قال الخليفة:نعم ،فردّ عليه العالم :و أليس كلّ مخلوق سيموت؟والقرآن سيموت إذن.
أخذ الخليفة حينها يتراجع،ثمّ أطلق سراح أحمد بن حنبل،والسؤال ما دور العلماء عندما انتهكت محارم الحمى؟؟؟ وأين العلماء اليوم الذين لهم مواقف عزّ دينية كوقفات أبي حنيفة النعمان؟ وما دور العامة اليوم؟
ويقول الغريب بعد أن امتص هول الضربة،حيث أخذ يستردّ قوته:
كأنني بالرِّياحِ الهُوْجِ تخبُرُني = أنَّ الليالي ستُنْبِيْنِي وتُنْبِيْكِ
وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ = وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ
أمَرُّ منْ عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ = صَمْتُ الأكابرِ عنْ ذُلٍّ يغطِّيكِ
48.( رِّياحِ الهُوْجِ)كناية عن المصائب. ويشبه الشاعر كلاً من الرياح والليالي بإنسان ينبئ ويخبّر،استعارة مكنيّة في كلّ.
49.(كفَّ الصَّليبِ) كناية عن بطش وهمجيّة المحتلين.
50.( عَهْدِ وِدٍّ في تَرَحُّلِهِ )شبّه القيصر الودّ برحّالة ،ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
فلدى الشاعر بُعد نظر واستشراف للمستقبل،فيقول-وهذا ما حصل في بداية غزو العراق، عندما خرجت الدهماء ترحب بجند الغزو- إنّ المحتلين النصارى وراء ضحكاتهم الصفراء الويل والثبور،وصح ما توقّعه القيصر ببصيرته الثّاقبة ،وإن الأدهى والأمر من مصائب المحتل،والذلّ الذي لحق بنا وبك هو سكوت أولي الأمر،ولقد رأينا كيف أن أحدهم يستقبل بوش برقصة السيوف‘وهذا تعبير عمّا لحق بنا من ذل،يحاولا الشاعر أن يبتعد عن قول مثل هذا لكن ضغط شجاعته،وشعوره بدفقة شعورية عارمة تنتاب مشاعره، وتكاد تعصف بها-يقول ويخرج عن طوره .
ويقول فلاح،حيث أخذ يزداد قوّة أمام ضغوطات نبل المشاعر والمروءة،وإمارات الضعف أخذت تتراجع وتتهاوى أمام وقع استشرافاته المستقبلية،ومراجعته للتاريخ:
بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ = ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ
ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ = لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ
لكنَّنِي أُبْصِرُ الأيامَ في غَدِهَا = وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ
وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ
ينادي الشاعر محبوبته،والنداء هنا يفيد التحبب،فيقول لها:إنّ الاحتلال لن يدم،بعد أن أطبق جند الكفر على حماك بصلف وغرور،واستخفّ بتاريخك،ويؤكّد الشاعر قوله بحرف الجر الزائد في(بدائمَةٍ ) والشاعر يتخوّف من غدر ومكر الأعادي،لكنه ببصيرة المؤمن الصابر الدارس لأصول الدين والتاريخ، مدرك أنّ الاحتلال في زوال،وأن المجد العربي عائد لا محالة إلى ربوع العراق .
(الليالي)كناية عن مصائب الأعادي(ورايةُ الكفرِ قد أمَّتْ أرَاضِيْكِ)كناية عن سيطرة جموع الكفر على عاصمة الحضارة الإسلامية التي تشكل كابوسا يقضّ مضاجع بوش ومن لفّ لفّه.(الفجر)كناية عن تحرر العراق،فالشاعر باستشرافه للمستقبل يقرر أن الاحتلال سيندحر مهزوماً،وستعود العزة ومعاني الرفعة والسمو إلى ربوعه،وستستمرّ شامخة في كبد السماء،لتؤكّد مكانة العراق الذي سينتصر وسيلقّن الأعادي درساً لن ينسوه،ومن الملاحظ أن استشراف الشاعر قد تحقّق ويتحقّق بعون الله.
(وألْمَحُ المجْدَ خفّاقاً يناغِيكِ) يشبه الشاعر المجد بشيء يُلمح ويخفق ويناغي، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
(وأرسمُ الفجرَ وضّاحاً على أفُقٍ = يسمُو سَمَاءً ويَحْيَى إذْ يُحَيِّيْكِ )
يشبه الشاعر الفجر بشيء يُرسم...ويشبّهه مرة أخرى بإنسان يُلقي التحيّة،وفي الحالتين، ذكر المشبّه وكنّى بالمشبه به،فالاستعارة مكنية .
يقول القيصر بعد أن استعاد كلّ قواه،و ولّى ضعفه هارباً:
وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً = إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ
كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ
أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
عليكِ منِّي سَلامُ اللهِ أبْعثُهُ = كَهَاطِلِ الشّوْقِ في أحْلَى ليَال
وعندما طلبت من الأحرار نُصرة العراق الذبيح،رأيت مواكب الأبطال قد هبّوا لنجدته،والشاعر يستخدم الفعل الماضي؛لأنه يصلح للسرد القصصي .
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية = بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد يتغنّى بهم،وهم مستمتعون.
المشبّه به:صورة الحادي يسير على وقع أنغام قصيدة عذبة،وهو يستمتع بها.
وجه الشبه:صورة شيء يستمتع بشيء آخر.
نوع التشبيه:تمثيلي.
(أو زهرةُ الروضِ يكسُوها النّدى ألَقاً = أو بدرُ تِمٍّ بليلٍ كادَ يحْويكِ)
المشبه:صورة الأبطال الذين هبّوا لنجدة العراق،والمجد حولهم يتغنّى بهم،
المشبه به: زهرةُ الروضِ والنّدى يكسُوها ألقاً. أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وجه الشبه:وجود شيء جميل تحفّ به أشياء جميلة.
نوع التشبيه:تمثيلي.
ويصوّر الشاعر مواكب الأحرار الذين هبّوا لنُصرة العراق الذبيح، والأمجاد تحيط بهم،بزهرة الربا تحفّ بها قطرات الندى،أو بدر التمام وحوله الليل المظلم.
وهؤلاء الأحرار ساروا على سنة ربهم وحملوا راية الجهاد،راجين نصرته؛لإنقاذ العراق الجريح.
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
حتى وقفتُ وما قَوْلي سِوَى نَغَمٍ = من التباريحِ يشْجِيني ويُشْجِيْكِ
والشاعر يقذف بحممه في وجه صلف الغازي،ويخرج عن الأطواق بحذر شديد، يشارك الأحرار،ليس في الأحزان فقط بل بالأفعال،يلبّي داعي الجهاد،يريد مرضاة ربه،وطاعة قلبه(والعمل) بلسم لتفريج الكُرب،والتخفيف من موجات الدفقات الشعورية المتتابعة والضاغطة على أوصال مشاعره الإنسانيّة،وها هو يخرج عن...(الكلمات لا تؤاتيني،ولا إبداع في غياب الحريّة) وقول الشاعر في بغداد زفرات حرّى،محمّلة بالأشجان والأشواق،والتحيّات،والأوج اع من أمّة تاهت،وفقدت بوصلتها،وقتلت دليلها قرباناّ لأحفاد نكفور . والصور الشعرية نابضة بالحركة،مثل:ترتمي،الحان،غ� �ّيد،يأتي ،المدرار ،الريح،يغطي،،الريح،يغطي،خ فافا،سقط.....
وهي زاخرة بعنصر اللون،مثل:دراري،الليل،الف� �ر،بدر،سواد.
وحافلة بعنصر الصوت،مثل:أنغام،شادي،شدو،� �اجيني،سألت،صدى، ،صوت،صهيل....الخ
ثانياّ:
اللغة والأسلوب:
[color="red"]أ.العنوان: ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة).
يوحي العنوان معاني التاريخ الإسلامي المتلألئ كالدرر في حواضره المختلفة،وخاصّة بغداد الرشيد،التي تسبى أمام عجز كامل،وتدمير للنفس،فينقطع الكلام،وتتوقف الأقلام،وتنتشر الأوهام،وتموت الأحلام،وتعجز الأقدم،من هول زلزال قذائف الكفر،وقوّة ضخ ماكينته الإعلاميّة الضخمة ،وحربه الإعلامية.
،فتأتي ( الدُّرَّةُ البَغْدَادِيَّة) لتتلألأ في سماء ليل عربي مدلهم؛لتقول ابتعدوا عن الأوهام،والسكوت عجز،والدرة كوكب متلألئ،استوحت معانيها من تاريخ متلألئ ،والعنوان يختزل التاريخ،ويوحي بما يجب أن يكون عليه الحاضر،فجاء العنوان موفّقاً.
ب.الألفاظ والتراكيب:
جاءت المفردات والتراكيب سهلة وواضحة تلائم الموقف الذي يعبّر عنه الشاعر،ففي مواقف الأسى والحزن والشعور بالمرارة اختار الألفاظ التي التي تعبّر عن لواعج نفسه،وحرقة كبده،ومكنونات فؤاده، بلغة تعبيرية تتسم بالعفويّة والتلقائيّة،فألفاظه سهلة ومأنوسة،ومثال ذلك:أشواق،الصدى،القلب، يشجيني،الفؤاد،أحزان...إلخ.
واختار التراكيب المألوفة،والتي اكتسبها من واقع الحياة والممارسة ولها قدرة على التأثير والإيحاء،تنساب عذبة رقراقة في كلّ أذن،ويستعذبها السامع،وهذه الألفاظ والأساليب تشي ظلالها وإشعاعاتها لتصوّر لنا أحوال الشاعر،وأحواله النفسيّة والشعورية معبرة عن ألم الهزيمة،وذلّ الانكسار ،وقد حشد الشاعر العديد من هذه الألفاظ العاطفية والانفعالية، كما في مثل :( أوّاهُ وازْوَرَّ عني وجْهُ غَانِيَةٍ ) ،( من الدِّيارِ فناجِيْنِي أنَاجِيْكِ) ،(ولستُ أعلمُ عمّا قد تخبِّئهُ )، ( لكِ الليالي ومكْراً من أعاديكِ)،( وأنَّ أرضَ الكرامِ الغرِّ قد سقطتْ ) ،(وأنَّ كفَّ الصَّليبِ اليومَ تشقيكِ)،( سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي)، ( دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ ) .( وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ )،( وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي) ، (وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني ) ،(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ ) ، ( شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ) ومثلها كثير.
أما في نهاية القصيدة فقد اختار ألفاظه من معجم يحمل في طيّاته لغة التحدي،والإيمان بالنصر الإلهي، كما في قوله : (بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وما سألتُ عن الأبطالِ ملحمةً) ،( إلا وموكب أحرارٍ سيفديكِ)،
(كأنَّهم في لُحُونِ المجدِ قافية)، ( بهيّة الوقْعِ في أسماعِ حَاديكِ)،( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،( وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
ج. الأساليب الخبريّة والإنشائيّة: راوح الشاعر في أساليبه التعبيرية بين الخبر والإنشاء؛حتى لا يكون أسلوبه على وتيرة واحدة،وليجدد نشاط السامع،ويؤثر فيه،ومن الأساليب الإنشائية: الاستفهام الذي يفيد الأسى والحزن(سَوَادُ عينَيْكِ أمْ أنغامُ شاديكِ )وفي قوله:( أم النجومُ الداري في ليَالِيْكِ)،ويفيد النفي:( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ)
،والنداء الذي يفيد التحبب والتقرب، في قوله:( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( بَغْدادُ ما هذه الحُمَّى بدائمَةٍ )،( وفي الرّصافة غنّى القلبُ وانْشَرَحَتْ منِّي الأسَاريْرُ .. يا بَغدادُ يكفيكِ)
( والتعجب والاستغراب:( أأنتِ بغدادُ ذاتُ الحُسْنِ ؟ )،(أم طَلَلٌ عرفتُه ذاتَ عِشْقٍ في رَوَابِيْكِ)،ويفيد الدهشة والاستغراب كما في قوله:( وما لها الضّادُ ؟ لا همسٌ يذكّرنا بأنَّها كالفُراتِ العَذْبِ تُرْويكِ وكما في قوله:( (فما لها لا تؤاتِيْنِي قوافيكِ ؟!)
أمّا الأساليب الخبريّة،فهي في مجملها تحمل معاني الأسى والحزن والوجد،وتدلّ على هول المصيبة،وألم الفراق والضياع،وعلى قسوة المعاناة،ومرارة التجربة،مثل،( بَغدادُ إنَّ حُرُوفَ الشّعرِ تتْعِبُنِي)،( فترتمِي مُحْكَمَاتٍ في نوَاحيكِ)،
(وكنتُ أزعمُ أنّي " قيْصَرٌ " حَذِقٌ) ،(وأنّني من بَدِيْعِ الشّعرِ أهديكِ)
(وأنّ تاجَ المعاني ليسَ يؤْرِقُنِي)،( وأن دُرَّ البَيَانِ اليومَ يأتيكِ)
(وأنني قد أجدتُ الشّعرَ في زمني )،
(رأيتُنِي والفؤادُ الغَضُّ يطربُهُ )،(شدوُ المآثرِ حين الدّهرُ يَرْوِيكِ)
(وما نسينَا مع النجوى مآثرَنا )،(لكنَّها سِنَةُ الجُلَّى بنادِيكِ)وأغلب القصيدة جاءت أساليبها خبريّة.
د.التناص:
وتعريفه :يرى ميخائيل باختن أن التّناص :تداخل السياقات ووجود علاقة بين نص قديم وآخر جديد .
وترى جوليا كرستيفا أن التّناص :لوحة فسيفسائية من الاقتباسات,وكل نص هو تشرُّب وتحويل لنصوص أخرى،وهو أنواع:
التناص الأدبي،ومنه في القصيدة: سألتُ لَيلَى ! وأشواقي وتذكرتي = دفنتُها في فؤادٍ من معانيكِ
وهذا البيت يذكّرنا بقول الشاعر:
يقولون ليلى بالعراق مريضة = فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
التناص التاريخي،ومنه: ( وَهلْ لنقفورَ بعدَ اليوم من أمَلٍ ؟ )،(وصوتُ هارونَ صدّاحٌ بواديكِ).
التناص الديني:ومنه :( وَصَبْرُ أحمدَ في أيامِ محْنتِهِ )،(وفقهُ نعمانَ في أقْصَى
أقاصِيْكِ).
وهذا يدلل على سعة ثقافة الشاعر.
ثالثاّ:الوزن والموسيقا:
اختار الشاعر بحر البسيط ؛ليجد متنفساّ للتعبير عن همومه وآلامه،وكذلك أسهم الصائت الطويل (صوت ياء المد) والصائت القصير(الكسرة)، في إيجاد مساحة كافية للتأوّه،وبث الشكوى،والإعلان عما يفيض به قلب الشاعر من لواعج الأسى والحزن،وصوت (النون)يتّسم بالوضوح السمعي كما يرى علماء الأصوات،و يرى الخليل بن أحمد أن هذا الصوت أحد أصوات ثلاثة تجّمل الكلمة،وتولّد الجرس،كل ذلك ساعد على إيجاد نغم موسيقي مفعم باللوعة والأسى والوجد
شخصيّة الشاعر:
اتّسمت شخصيّة الشاعر بالشخصيّة المؤمنة بربها العاملة بأوامره،فهو يقول:
وسنّةُ الله قد أحيَوْا معالِمَهَا = ونصرُ ربّك ترجُوهُ أياديكِ
وكنتُ أحسبُ أني لا أشاطرهُم = إلا الهمومَ وأني من يعزّيكِ
وهو ملتزم بقضايا وطنه ودينه،وهذا ساهم على إنجاح هذا العمل،ويتّسم الشاعر بالصدق الفني،فجعله محلقاً بالرغم من الأطواق،التي عملت على تقصيرها،ويبدو أن الشاعر طويل النفس.
ويبدو الشاعر من خلال هذا النص، جيّاش العاطفة،مرهف الحس،رقيق المشاعر،متمسّكاً بالمبادئ السامية،برغم المحبطات.[/color]
منهجي النقديّ:
المنهج التضافريّ،حيث اتكأت على المنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، والبنيويّ ، والمنهج الأخير كان اعتمادي عليه أكثر.،
وآخر دعوانا أن الحمد لله.
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)