الثلاثاء، 19 أبريل 2011

تقرير مفصلعن أحمد شوقي جاهز للطباعة

وُلد أحمد شوقي عام 1870 في مصر التي صبغته بعروبتها وإسلامها; فقد تحدّر من أعراق مختلطة: كان جدّه لأبيه كرديّا، وكانت جدّته لأبيه يونانية تعمل في قصر الخديو. لكن أبويه وُلدا بمصر وتربّيا في رحابها.
نشأ شوقي في القاهرة، وضمن له تفوقه الدراسي مجانية تعليمية في مدرسة الحقوق. وعندما تخرج فيها عام 1887، عيّنه الخديو توفيق في قصره، وأرسله إلى فرنسا في بعثة لدراسة الحقوق والترجمة طالت حتى عام 1893 .
وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية. وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
وطوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي. ولذا، ظل تأثره بالثقافة الفرنسية محدودًا، ولم ينبهر بالشعراء الفرنسيين الرمزيين والحداثيين أمثال رامبو وبودلير وفيرلين الصاعدين آنذاك.
وبعد عودة شوقي إلى مصر، تعدّدت رحلاته إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلة منها كانت، مثل رحلته الدراسية الأولى، حاسمةً في تشكيل مصيره. كانت تلك الرحلة عام 1915 إلى برشلونة الإسبانية، التي اختارها الشاعر منفًى له، عندما أُمر بمغادرة مصر بعد خلع الإنكليز للخديو عباس حلمي. وتأمل شوقي مشاهد الحضارة العربية في الأندلس، واكتشف أن الارتباط بالعروبة أبقى وأجدر منه بدولة الخلافة العثمانية. كما تعززت نزعته الوطنية الغلابة في عشق مصر والتغني بأمجادها، وشهدت سنواته التالية ذروة تألقه الإبداعي في التعبير عن الضمير القومي، وشحذه لإمكاناته الإبداعية، وتوجيه طاقاته الخلاقة لتجديد روح الشعر العربي وتمكين صياغته. وفي عام 1927، تألفت لجنة عربية لتكريمه، وخلعت عليه لقب (أمير الشعراء. )
ويصف طه حسين التحول الذي قلب إستراتيجية شوقي الشعرية بعد المنفى الإسباني قائلاً: (إنه قد تحوّل تحولاً خطيرًا حقّا لا نكاد نعرف له نظيرًا عند غيره من الشعراء الذين سبقوه في أدبنا العربي (...). إن شعره التقليدي قد تحرر من التقيد بظروف السياسة (...). واستكشف نفسه، وإذا هو شاعر قد خلق ليكون مجدّدًا). كما يرى طه حسين أن (شوقي)، في كثير من قصائده الأخيرة، قد أخذ يحقق النموذج الجمالي والفكري للإنسان المصري والعربي.
ومن موقع النقد الأسلوبي المعاصر، يرى الدكتور محمد الهادي الطرابلسي أن أسلوب شوقي كان (يتغذى من رصيد ثقافي واسع، فخرج يمثل عصارة مصفّاة من التراث العربي الغني، ومن المعارف الإنسانية، إلى جانب تصويره تجربة طويلة للحياة. ولقد تميز أسلوب شوقي بالتوازن بين طاقتين: الإخبارية والإيحائية، فحقق بذلك رسالة مزدوجة: فكرية وفنية معًا
لقد اعتمد شوقي على توظيف عدد من التقنيات الشعرية الفعالة لتوليد الدلالات الكلية، من أهمها تجانس التراكيب والاشتقاقات، ومفارقات الصياغة، وآليات التكرار وطرائق التصوير والتجسيد، مع قدرة فائقة على إشباع الحس الجمالي للقارئ العربي والاستجابة لتوقعاته.
وفي أخريات سنواته، عكف شوقي على استئناف مشروعه الإبداعي الرائد في كتابة عدد من المسرحيات الشعرية الرفيعة، التي أسست لهذا الفن في اللغة العربية، حتى وافته المنية عام 1932 .
ضم ديوانه (الشوقيات) 11320 بيتًا، وبلغت (أرجوزة دول العرب) و(عظماء الإسلام) 1365 بيتًا، كما وصل شعره المسرحي إلى 6179 بيتًا. هذا بالإضافة إلى الشوقيات المجهولة التي نشرها الدكتور صبري السربوني، والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 4700 بيت، بما يشهد بخصوبة شوقي وثراء منجزه الإبداعي في الشعر، وبجدارته ليكون شاعر العروبة والإسلام في العصر الحديث.

مختارات من شعره
حافظ إبراهيم
قــد كـنتُ أُوثـرُ أَن تقـولَ رِثـائي يـا مُنْصِـفَ المـوْتى مـن الأَحيـــــــاءِ
لكـنْ سـبَقْتَ, وكـلُّ طـولِ سـلامةٍ قـــدرٌ, وكــلٌ مَنِيَّــةٍ بقضــــــــــــــاءِ
الحـقُّ نـادَى فاسْـتجَبْتَ, ولـم تَـزلْ بــالحقِّ تحــفِلُ عنـدَ كـلِّ نِـــــــــداءِ
وأَتيْـت صحـراءَ الإِمـامِ تـذوب من طُــولِ الحـنينِ لسـاكن الصحـراءِ
فلقيــت فـي الـدار الإِمـامَ محـمدًا فــي زُمْــرَةِ الأَبــرارِ والحُنفــــــــاءِ
أَثَــرُ النعيــم عـلى كـريمِ جبينـه ومراشـــدُ التفســـيرِ والإِفتــــــــــــاءِ
فشــكوتما الشَّـوْقَ القـديمَ, وذُقْتُمـا طِيــبَ التـداني بعـدَ طـولِ تنـائــــي
إِنْ كــانت الأُولــى منـازلَ فُرْقـةٍ فالســمْحَةُ الأُخــرى ديــارُ لِقــــــــاءِ
وودِدْتُ لـو أَنـي فـداكَ مـن الـرَّدَى والكـــاذبون المُرْجِــفونَ فِــــــدائي
النــاطقونَ عـن الضَّغينـةِ والهـوى المُوغِــرُو المَـوْتَى عـلى الأَحيـــاءِ
مــن كــلّ هَــدَّامٍ ويَبنـى مجـدَه بكـــرائم الأَنقــاضِ والأَشـــــــــــــــلاءِ
مـا حَـطَّموكَ, وإِنمـا بـكَ حُـطِّموا مــن ذا يُحـطِّم رَفْـرَف الجـوزاء?
اُنظُـره, فـأَنت كـأَمْسِ شـأْنُكَ بـاذخٌ فـي الشـرقِ, واسْـمُكَ أَرفعُ الأَسماءِ
بــالأَمسِ, قــد حَــلَّيْتَني بقصيـدةٍ غــراءَ تُحــفَظُ كــاليدِ البيضـــــــــــــاءِ
غِيـظ الحَسُـودُ لهـا وقمـتُ بشـكرها وكمــا علمــتَ مَــوَدَّتي ووفـائــــي
فــي مَحــفلٍ بَشَّـرْتُ آمـالي بـه لمــا رَفعـتَ إِلـى السـماءِ لِـوَائــــــــي
يــا مـانِحَ السُّـودانِ شـرْخ شـبابِه ووَلِيَّــهُ فــي السّــلمِ والهيْجــــــــــاءِ
لـمَّــا نـزلْت عـلى خمائلـه ثـوَى نبْــعُ البيــانِ وراءَ نَبْــع المــــــــــاءِ
قلَّدْتَــهُ الســيفَ الحُسـامَ, وزدْتَـهُ قلمًــا كصــدرِ الصَّعْـدةِ السـمــــراءِ
قلـم جـرى الحِـقبَ الطِّوالَ فما جرى يومًـــا بفاحشـــةٍ ولا بهجــــــاءِ
يكســو بِمدْحَتِــه الكِــرامَ جلالـةً ويُشَــيِّعُ المــوْتى بحســنِ ثَنــــــــــاءِ
إِسْــكَنْدَرِيّةُ يــا عــروسَ المــاء وخميلـــةَ الحكمــاءِ والشــعـــــــــراءِ
نشــأَتْ بشــاطِئِكِ الفنـونُ جميلـةً وتَرعــرعَتْ بســمائِك الزهـــــــراءِ
جــاءَتْكِ كــالطيرِ الكـريمِ غرائبًـا فجمعتِهـــا كـــالرَّبْوَةِ الغنَّــــــــــــاءِ
قـد جـمَّلوكِ, فصِـرْتِ زِنْبَقَـةَ الثرَى للوافـــــدين ودُرَّةَ الدَّأْمــــــــــــاءِ
غرَسُـوا رُبـاكِ عـلى خمـائلِ بـابلٍ وبَنَـوْا قصـورَك فـي سَـنا الحمراءِ
واســتحدثوا طُرُقًـا مُنـوَّرة الهـدى كسـبيلِ عيسـى فـي فِجـاجِ المـــاءِ
فخُــذي كـأَمِس مـن الثقافـة زينـةً وتجـــمَّلِي بشـــبابكِ النُّجَبــــــــــاءِ
وتقلَّــدي لغــةَ الكتــابِ; فإِنَّهــا حَجَــرُ البنــاءِ, وعُــدَّةُ الإِنشــــــــــاءِ
بَنَــتِ الحضـارةَ مَـرَّتيْن, ومهَّـدتْ للمُلــكِ فــي بغــدادَ والفَيْحــــــــاءِ
وسَــمَتْ بقرطبـةٍ ومصـرَ, فحلَّتـا بيـــن الممـــالكِ ذِرْوَة العَليــــــــاءِ
مـاذا حشـدتِ مِـن الدمـوع "لحافظٍ" وذخـرْتِ مـن حـزنٍ لـه وبُكـاءِ?
ووجــدْتِ مِـن وقـع البـلاءِ بفقـدهِ إِن البــلاءَ مَصــارِعُ العظمــــــــاءِ
اللــهُ يشــهدُ قــد وَفيْـتِ سـخيَّةً بــالدَّمع غــيرَ بَخيلــةِ الخطبـــــــــاءِ
وأَخـذتِ قِسـطًا مـن مَناحـةِ مـاجدٍ جَــمِّ المــآثِرِ, طيِّــبِ الأَنبــــــــاءِ
هَتــف الـرُّواةُ الحـاضرون بشـعره وحــدا بــه البـادون فـي البَيْـداءِ
لبنــانُ يَبكيـه, وتبكـي الضـادُ مـن حَــلبٍ إِلـى الفيْحـا إِلـى صَنْعــــاءِ
عـربُ الوَفـاءِ وَفـوْا بذمّـةِ شـاعرٍ بــانى الصفـوفِ, مُـؤلفِ الأَجـزاءِ
حـافظَ الفصحـى, وحـارسَ مَجْدِهـا وإِمــامَ مَــنْ نجَـلتْ مـن البُلغـاءِ
مــا زِلْـتَ تهتـفُ بـالقديم وفضلـهِ حــتى حَــمَيْت أَمانــةَ القُدمـــــــاءِ
جــدّدت أُســلوبَ (الوليدِ) ولفظَــه وأَتيْــت للدّنيــا بســحر (الطائي)
وجـريْت فـي طلـبِ الجديدِ إِلى المدى حــتى اقـترنْت بصـاحب البُؤسـاءِ
مـاذا وراءَ المـوت مـن سَلْوَى, ومن دَعَـةٍ, ومـن كـرَمٍ, ومـن إِغضاءِ?
اشـرحْ حقـائقَ مـا رأَيْـت, ولم تزل أَهــلاً لِشــرْح حقــائِقِ الأشـيــــــاءِ
رُتـبُ الشـجاعةِ فـي الرِّجـالِ جلائلٌ وأَجَـــــلُّهُنَّ شــــجاعــــــــةُ الآراءِ
كـم ضِقـتَ ذَرْعًـا بالحيـاة وكيْدِهـا وهتفــت بالشــكوى مـن الضــــَّـراءِ
فهلُــمَّ فـارِقْ يـأْسَ نفسِـك سـاعةً واطلُـعْ عـلى الـوادي شُـعاعَ رجـــــاءِ
وأَشــرْ إِلـى الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ خُــلِقتْ أَسِــرَّتُهُ مــن السَّـــــــــــــراءِ
يــا طالمــا مَـلأَ النَّـدِيَّ بشاشـةً وهــدى إِليــك حــوائجَ الفقــــــــــــــــراءِ
اليــومَ هـادنْت الحـوادِثَ; فـاطَّرِحْ عِـبْءَ السـنين, وأَلْـق عِـبْءَ الداءِ
خــلَّفْت فــي الدنيـا بيانًـا خـالدًا وتــركْت أَجيــالاً مــن الأبنـــــــــــاءِ
وغـدًا سـيذكرك الزمـانُ, ولـم يَزلْ للدِّهــرِ إِنصــافٌ وحسـنُ جـزاءِ

أنْدَلُسِيَّةٌ
نظمها الشاعر في منفاه بإسبانيا، وفيها يحن للوطن
يــا نـائح (الطلْحِ), أَشـباهٌ عَوَادِينـا نَشْـجى لِـوَادِيكَ, أَم نَأْسَـى لوادينـا?
مــاذا تقُـصُّ علينـا غـيرَ أَنّ يـدًا قصَّـتْ جنـاحك جـالت في حواشينا?
رمـى بنـا البيـنُ أَيْكًـا غـيرَ سامِرنا - أَخـا الغـريب - وظِـلاًّ غيرَ نادينا
كـلٌّ رَمَتْـه النَّـوى: رِيشَ الفِـراق لنا سَـهْمًا, وسُـلّ عليـكَ البيـنُ سِـكِّينا
إِذا دعـا الشـوقُ لـم نَـبرحْ بمُنْصَدِع مــن الجنــاحين عــيٍّ لا يُلَبِّينــــــــا
فـإِن يَـكُ الجـنسُ يا ابنَ الطَّلْحِ فرّقنا إِنّ المصــائبَ يجــمعْنَ المُصابينـا
لــم تـأْلُ مـاءك تَحْنانًـا, ولا ظمـأً ولا ادِّكـــارًا, ولاشــجْوا أَفانينـــــــــا
تَجُــرُّ مـن فنَـنٍ سـاقًا إِلـى فَنَـنٍ وتســحبُ الــذيلَ ترتـادُ المؤاسـينــــــــا
أُسـاةُ جسـمِكَ شـتَّى حـين تطلبهـم فمَــنْ لروحـك بـالنُّطْس المُدَاوينـا?
آهــا لنــا نـازِحَيْ أَيْـكٍ بـأَندَلُسٍ وإِن حَلَلْنَــا رفيفًــا مـن رَوَابينـــــــا!!
رسْـمٌ وقفنـا عـلى رَسْـمِ الوفـاء له نَجــيش بـالدَّمع, والإِجـلالُ يَثنينـا
لِفِتْيَــةٍ لا تنــال الأرضُ أَدمُعَهــم ولا مَفـــــارقَهم إِلاَّ مُصَلِّينــــــــــــا
لـو لـم يسـودوا بـدينٍ فيـه مَنْبَهـةٌ للنــاسِ; كـانت لهـم أَخـلاقُهم دينـا
لـم نَسْـرِ مـن حـرَمٍ إِلاَّ إِلـى حَـرَم كـالخمر مـن (بابلٍ) سـارت (لدارينا) لمـا نَبـا الخـلدُ نـابت عنـه نُسْـختهُ تَمــــــــاثُلَ الــورْدِ (خِيريًّا) و(نسْـرينا)
نسْــقِي ثـراهُمْ ثَنَـاءً, كلَّمـا نُـثِرتْ دُموعُنـــــــــــا نُظِمــتْ منهــا مراثينـا
كــادت عيــونُ قوافينــا تُحَرّكُـه وكِـدْنَ يـوقِظـــــْنَ فـي التُّرْبِ السلاطينا
لكـنّ مصـرَ وإِن أَغضـتْ عـلى مِقَةٍ عَيْـنٌ مـن الخــــُـلْدِ بالكـافور تَسـقينا
عــلى جوانبِهــا رَفَّــتْ تَمَائِمُنَـا وحــولَ حافاتِهــا قـامــــــــــــــتْ رَواقينـا
ملاعِــبٌ مَرِحَــتْ فيهــا مَآرِبُنـا وأَربُــعٌ أَنِسَــتْ فيهــا أَمانينـــــــــــــــــــا
ومَطْلَــعٌ لِسُــعودٍ مــن أَوَاخِرنـا ومَغْــرِبٌ لجُــدُودٍ مــن أَوَالينـــــــــــــــــا
بِنَّـا, فلـم نَخْـلُ مـن رَوْحٍ يُراوِحُنـا مـن بَـرِّ مصـرَ, وَرَيْحَـانٍ يُغادِينـــــــــا
كـأُمِّ موسَـى, عـلى اسـمِ اللـه تكْفُلُنا وباســمهِ ذهبــتْ فـي اليَـمِّ تُلقِينــــــــــا
ومصـرُ كـالكَرْمِ ذي الإِحسـان: فاكهةٌ لحـــاضِرينَ, وأَكــوابٌ لبَادينــــــــا
يـا سـاريَ الـبرقِ يَرمِي عن جوانِحنا بعـدَ الهـدوءِ, ويهمِـي عـن مآقينــــــا لمـا تَرقـرق فـي دمـع السـماءِ دمًا هـاج البكـا, فخَضبْنَـا الأَرضَ باكينـــــــا الليــلُ يشــهد لـم نهتِـك دَيَاجِيَـهُ عــلى نيــامٍ, ولـم نهتِـف بسـالينا

أيها النيل
مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ? وبــأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ?
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من علْيــا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ?
وبــــــــــأَيِّ عَيْــنٍ, أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ أَم أَيِّ طُوفــانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ?
وبــأَىِّ نَـــــــــــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ للضفَّتيْـــن, جَديدُهــا لا يَخــلَقُ?
تَسْـــوَدُّ دِيباجًـــــــا إِذا فارقتهـــا فـإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْـــــرَقُ
فــي كــلِّ آونــــــــــــــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً عجبًــا, وأَنــت الصـابغُ المُتــــَـأَنِّقُ
أَتَـت الدهـورُ عليـكَ, مَهــْـدُكَ مُـتْرَعٌ وحِيــاضُكَ الشُّــرق الشـهيــــَّةُ دُفَّـقُ
تَسْــقِي وتُطْعِـمُ, لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ بـــالواردين, ولا خــــــــــــوانُك يَنفُــقُ
والمــاءُ تَسْــكُبُه فيُسْـبَكُ عَسْـجَدًا والأَرضُ تُــــــــغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ
تُعيــي مَنـابِعُك العقـولَ, ويسـتـــــــــــوي مُتخــبِّطٌ فــي علمِهــا ومُحــقِّقُ
أَخـلَقْتَ راووقَ الدهـورِ, ولـم تـزل بــكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك, لا تَـــــــــتروَّقُ
حــمراءُ فـي الأَحـواض, إِلاّ أَنهـا بيضــاءُ فـي عُنُـق الـثرى تَتـــــــــــأَلَّقُ
دِيــنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويــــــــــَـرزُقُ?
لــو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن لِســواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلــــــــــــــُقُ
جـعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً إِنَّ العبـــادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّــــــــــــــقُ
دانــوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ عَــذْبِ المشــارعِ, مَـدُّهُ لا يُلْحَـــــــــــقُ
مُتقيِّــــد بعهـــودِه ووُعـــودِه يَجـري عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصــــــــــــــدُقُ
يَتقبَّــلُ الــوادي الحيــاةَ كريمـةً مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّــــــــــــــــقُ
متقلِّــب الجــنبيْن فــي نَعْمائِــهِ يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـي نَـداك فيُـــــــــــــورِقُ
فيبيــتُ خِصْبًـا فـي ثَـراه ونِعْمـة ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموسِــــــــــــــــقُ
وإِليـك - بَعْـدَ اللـهِ - يَرجِـع تحتـه مـا جَـفَّ, أَو مـا مـات, أَو ما يَنْــــــــفُقُ
أَيـن الفراعنـةُ الأُلـى اسـتذرى بهـم (عيسى), و(يوسف)و(الكَلِيمُ) المصْعَقُ? المُــورِدونَ النــاسَ مَنْهَـلَ حكمـةٍ أَفْضَــى إِليــه الأَنبيــاءُ ليَســــــــــــتقوا
الرافعــون إِلــى الضحـى آبـاءَهم فالشـمسُ أَصلُهـمُ الـوَضِيءُ المُعْــــرِقُ
وكأَنمــا بيــن البِــلى وقبــورِهم عهــدٌ عـلى أَنْ لا مِسـاسَ, ومَـوْــــــــثِقُ
فحجـابُهم تحـت الـثرى مـن هَيْبَـةٍ كحجــابهم فـوق الـثرى لا يُخــــــــرَقُ
بلغــوا الحقيقـةَ مِـنْ حيـاة علمُهـا حُجُــبٌ مُكَثَّفَــةٌ, وسِــرٌّ مُغلَــــــــــــــقُ
وتبيَّنـوا معنـى الوجـودِ, فلـم يَـرَوْا دونَ الخـــلودِ ســـعادةً تَتحــقّــــــــَقُ
يَبنــون للدنيــا كمــا تَبنِـي لهـم خِرَبًــا, غـرابُ البَيْـن فيهـا يَنْعَـــــــــــــقُ
فقصــورُهم; كُــوخٌ, وبيـتُ بَـداوةٍ وقبــورُهم; صـرْحٌ أَشَـمُّ, وجَوْســَـقُ
رفعــوا لهـا مِـنْ جَـنْدَلٍ وصفـائحٍ عَمَــدًا, فكــانت حائطًـا لا يُنْتــــــــَـقُ
تتشــايعُ الــدَّاران فيـه: فمـا بـدا دُنْيـا, ومـا لـم يَبْـدُ أُخـرى تَصْــــــــدُقُ
للمــوتِ سِــرٌّ تحتَــه, وجِــدارُه سُـورٌ عـلى السـرِّ الخـفيِّ, وخَـنْــــــــــدَقُ
وكــأَنَّ مــنزلهم بأَعمــاقِ الـثرى بيــن المحلَّــةِ والمحلَّــةِ" فُنْـــــــــــــدُقُ
مَوْفــورةٌ تحــت الـثرى أَزْوَادُهـم رَحْـب بهـم بيـن الكهـوف المُطْبِــــــــقُ
ولِمَـنْ هيـاكلُ قـد عـلا البـاني بها بيــن الثريَّــا والــثَّرى تتنَسّـــــــــــــَـقُ?
منهــا المشـيَّدُ كـالبروجِ, وبعضُهـا كــالطَّوْدِ مُضطَّجِــعٌ أَشَـمُّ مُنَطَّــــــــقُ
جُــدُدٌ كــأَوّلِ عهدهــا, وحِيالَهـا تتقــادَمُ الأَرضُ الفضــاءُ وتَعْتــــــــــُـقُ
مِــنْ كـلِّ ثقْـلٍ كـاهلُ الدُّنيـا بـه تَعِـبٌ, ووَجْـهُ الأَرضِ عنـه ضَــــــــيِّـقُ
عـال عـلى بـاع البِـلى, لا يَهتـدِي مــا يَعتــلِي منــه ومـا يَتســـــــــــلَّقُ
مُتمكِّـنٌ كـالطودِ أَصـلاً فـي الـثرى والفـرعُ فـي حَـرمِ السـماءِ مُحـلّــــــِقُ
هــي مــن بنـاءِ الظلـمِ, إِلا أَنـه يَبيَـضُّ وجـهُ الظلـمِ منـه ويُشْـــــــــــــرِقُ
لــم يُـرْهِق الأُمَـمَ الملـوكُ بمثلهـا فخــرًا لهــم يَبْقَـى وذكـرًا يَعْبـــــــــــَـقُ
فُتِنَــتْ بشـطَّيْكَ العِبَـادُ, فلـم يـزل قـــاصٍ يَحُجُّهُمَــا, ودانٍ يَــرْمُــــــــــقُ
وتضــوَّعَتْ مِسْـكَ الدُّهـورِ, كأَنمـا فــي كــلِّ ناحيـة بَخـورٌ يُحْـــــــــرَقُ
وتقـابلتْ فيهـا عـلى السُّـرُرِ الـدُّمَى مُسْـــتَرْدِيات الـــذلّ لا تَتَفَنَّــــــــــقُ
عَطَلـتْ, وكـان مكـانُهنّ مـن العُلى (بِلْقِيسُ) تَقْبِسُ مــن حـلاهُ وتَسْـرقُ
وعَـلا عليهـن الـترابُ, ولـم يكـن يَزْكُــو بِهـنّ سـوى العبـير ويَلـــبَـقُ
حُجُراتُهــا مَوْطــوءَةٌ, وســتورُها مَهتوكــةٌ, بيــد البِــلى تَتخـــــــــرّقُ
أَوْدَى بزينتهــا الزمــانُ وحَلْيهــا والحســنُ بــاقٍ والشـبابُ الـرَّيِّقُ
لــو رُدَّ فِرعــونُ الغـداةَ; لراعـه أَنّ الغَـــرانيق العُــلَى لا تَنطــقُ
خــلع الزمـانُ عـلى الـورى أَيامَـه فـإِذا الضُّحـى لـكَ حِصَّـةٌ والرَّوْنَقُ
لــكَ مــن مواسـمِه ومـن أَعيـادِه مــا تَحْسِـرُ الأَبصـارُ فيـه وتَـبْرَقُ
لا (الفرسُ) أُوتــوا مثَلـه يومًـا, ولا (بغدادُ) فـي ظـلِّ (الرشيد) و(جِـلَّق)
فَتْــحُ الممـالك, أَو قيـامُ (العِجْلِ), أَو يـومُ القبـور, أَو الزفـافُ المُـونِقُ?
كــم مــوكبٍ تَتخَـايلُ الدنيـا بـه يُجْـلَى كمـا تُجْـلَى النجـومُ ويُنْسـقُ!
(فرعونُ) فيــه مـن الكتـائبِ مُقبِـلٌ كالسُّـحْبِ, قَـرْنُ الشـمس منهـامُفتِقُ
تَعْنــو لعزَّتِــه الوجــوه, ووجهـهُ للشـمسِ فـي الآفـاقِ عـانٍ مُطــــــــــرِقُ
آبــتْ مــن السـفرِ البعيـدِ جـنودُه وأَتتْــه بــالفتحِ الســعيدِ الفَيْلَـــــــــــــــقُ
ومَشـى الملـوكُ مُصفَّـدِين, خـدودُهم نعــلٌ لفرعــونَ العظِيـم ونُمْــــــــرُقُ
نبذه عن سيرة أمير الشعراء
أحمد شوقي .

ولد عام 1868 في قصر الخديوي اسماعيل ، لم يكن آباؤه مصريين ، جده لأبيه هو أحمد على ، قدم الى مصر في عهد محمد على كان يحسن العربية والتركية فولى أمانة الجمارك وتوفى عن ثروة طائلة تحدرت الى شوقي أبنه .
نشأ شوقي في قصر اسماعيل وكان يعطف عليه ويبدو بين يديه بدرات الذهب .
تخرج على التعليم المدني الآخذ بالمنحي الأوروبي ، بدلا من التعليم الازهري الآخذ بالمنحي الديني .
عام 1885 دخل كلية الحقوق وشرع يدبج القصائد بمدح الخديوي توفيق ولما انشئ / قسم الترجمة في كلية الحقوق مال إليه وتخرج منه بعد عامين .
أثر تخرجه كان يتقن العربية التي ثقفها على معلمه الشيخ بسيوني البيباني وكان هذا شاعرا يمدح الخديوي فجرى تلميذه على مذهبه ، وأتقن كذلك الفرنسية التي سيفيد منها في الاطلاع على الشعر الاجنبي في المنزل .
عينه الخديوي توفيق مفتشا في الخدمة الخديوية وكان أبوه يتولى هذا المنصب .
بعد عام عزل الخديوي على ايفاده للتخصص في اوروبا فارتحل شوقي الى مونبليي في فرنسا حيث التحق بكلية الحقوق فيها وكان في الصيف يتجول في انحاء فرنسا ويطلع على معالمها الحضارية .
وفي نهاية السنة الثالثة اصيب بداء شديد اشرف منه على الموت فنصحه الاطباء بانتجاع البلاد الافريقية فعزم على السفر الى الجزائر حيث قضى اربعين يوما مستشفيا .
واقام في القصر اثر عودته وعام 1896 حضر مؤتمر المستشرقين في سويسرا وسافر منها الى بلجيكا للتجول في حواضرها .
اثر وفاة الخديوي توفيق تولى السلطة الخديوي عباس فلم يقرب شوقي الا بعد ان توسط له بعض المقربين ثم وثق به وجعله من خاصته الادنين .
وفي عام 1907 نظم قصيدة قصيدة للرد على اللورد كرومر حين ندد بنظام الجيش المصري منتصرا بذلك للخديوي .
هجا الثائر عرابي باشا اثر عودته من منفاه آخذا بذلك جانبا القصر .
دفعه اسماعيل الى مدح الخليفة التركي ليستدر عطفه عليه وقد اشاد بنصر الاتراك على الروس والبلقان ، كانت المدائح في عبدالحميد ومحمد رشاد .
اقام شوقي في اسبانيا حتى عام 1819 عندما عقدت الهدنة فسمح له بالتجوال في انحاء اسبانيا فشاهد محمد العرب في قرطبه واشبيلية وغرناطة وفي هذه الاثناء نظم اندلسياته معارضا البحتري والشريف الرضي وموشحات شعراء الاندلس .
في عام 1926 زاره الشاعر الهندي الكبير طاغور وكان بيته منتج زعماء العرب ، كما أنه اختير عضوا في مجلس الشيوخ .
في عام 1927 اعاد طبع ديوانه شوقيات ، واقيمت له حفله بهذه المناسبة وبويع على امارة الشعر بايعه عليها شعراء العرب أمثال سبلي ملاط وخليل مطران وأمين نخله وحافظ ابراهيم .
منذ عام 1924 اصبح المطرب محمد عبدالوهاب يتبعه كظلة ويلحن ويغني معظم قصائده وفي تلك الفترة طابت الحياة لشوقي وكانت دارته كالحانة ، كما انه كان يختلط بالشعب وينتقل من مقهى الى آخر .
حاول الاتجاه الى الشعر المسرحي فنظم مسرحيات قيس وليلى وكليوبترا وعلى بك الكبير .
توفى عام 1932 وخرجت المة المصرية تشيع شاعرها ورثاه شعراء العرب جميعا .
وكانت وفاتة بقصره المعروف باسم كرمة بن هاني على ضفاف النيل بالجيزة .
طبع شعرة باسم الشوقيات في اربعة أجزاء كما طبعت مسرحياته وقصصة النثرية المقامية الاسلوب ومقالاتة المعروفة باسم اسواق الذهب ، كما طبعت منفصلة ارجروزته المعروفة عن تاريخ العرب والاسلام .

التجارب والموضوعات العامة في شعر شوقي :
ان عرض مثل هذه النماذج والتجارب يبين موقف الشاعر من بعض القضايا المصيرية أو غير المصيرية التي اعتجلت في وجدانه حينا من الزمن كما انها قد تطلنعا على الهموم الكبرى التي تنازعه في شطر حياته ، ومما لا شك فيه ان شوقي كان وطنيا بمعنى انه كان يعني في شعره بشئون وطنة دون النظر في عمق تجربته واخلاصها ومدى الثورية والتقدمية التي تمخضت عنها فإذا اسقطنا الشعر المدحي المباشر الذي كان ينظمه في ذوي السلطة وبخاصة الاتراك الذين كان يصحب جيوشهم ويرثيهم ويهنئهم يمجد الخلافة ويؤلب لها كل فضية وخير ويحشد حولها صور ملحمية مستفادة في معظمها . من أجواء المدح كما اثر في شعر المتنبي وبخاصة في شعر ابي تمام ومن اليه وفي هذه القصائد نقع على وصف القتال والاحتفال بالنصر والرثاء للهزائم الطارئة كما انه ينفح الخليفة العثماني بتلك المثالية المأثورة في شعر مدح وذكر الوقائع في سجل احداثها الفلي ونجد القصيدة وقد مضت في التمطي والتطاول والتكثيف والتهجم بالدقائق وتخوض في الاحداث فكان شوقي عاد الى مهمة الشاعر القديم في الدفاع عن قبيلته وهجاء اعدائها والتغني بمآثرها وبطولاتها ففي قصيدة ( صدى الحرب ) وهي قصيدة مطولة يتغنى بسيف الاتراك البطاش والذي يذود عن الحق وعن الدين ،به يؤدب الطغاة وتداوي الدول مكن الداء الذي ينتابها في العنجهية والكبرياء وبه تنام الخطوب عن الرعيه فيما يسهر سيف الحزم المتربص بكل عدو فعبد الحميد يجلس على عرش الدهر وتخشاه الليالي وهو الذي يبعث الرزق والخطب ويحي الارض الموات وهو الذي يسهر لينام المسلمون ويتمرس بالبطولة والفتح في سبيل الامة فالسيف اصدق من حكمة سقراط وعزمه أمضى من شعر هومير وقد بز الاسكندر في الفتوح يحسم النزاع بين الحق والباطل يتهدد الاعداء ويصدق البلاء فيهم ثم أنه يمتدح الجنود فيقول :
ملكت سبيلهم ففي الشرق مضرب
لجيشك ممدود وفي الغرب مضرب
تمانون ألفا اسد غاب ضارغم
لها مخلب فيهم وللموت مخلــــــــــــب
اذا حملت فالشر وسنان نائـــــــــــــــم
وان غبت فالشر يقظان مغضــــــــــب
ولا شك ان الغريزة الدينية قد تميل بالشاعر الى التعصب الى فئة دون الاخرى الا ان الشاعر المسئول عن مصير الحقيقة ومصير الوحدة البشرية والذي يؤمن بكلية الانسان وشموليته يسقط دينه الروحي من عليائه الى زحمة القتال والتناحر بين البشر يجله عن التمرغ في وحول الدم ومباءة التوحش والغريزة وشوقي لم يكن من رواد الحقيقة الكلية الخالصة من كل شائبه وغير المتطعمة على ذاتها بمباذل البشر واحقادهم وتكالبهم على السلطة والنفوذ وسعيهم الى ان يحيا بعضهم من دماء الآخرين ولحومهم ..
ان للشاعر موقف واحد تجاه هذه القضية هو موقف الداعي الى السلم في سبيل الانسان فايا من مات من الفريقين لم يمت هو ذاته ، والانسان هو الذي مات به ومن خلاله ولو ترى شوقي واخذ بالمنحى التأملي لادراك هذه الحقيقة ولما استسلم الى غرائز القتل والدم وما الى ذلك مما يدعوه مجرمو الشرق والغرب بطولة ، تلك التي تغتذي من احشاء الانسان وتودعه قبر العدم فيما هي توهمه بأنها اودعته قبر الخلود لحا الله الارتزاق في الشعر فإن اولى ضحاياه السلام والحقيقية والاخوة الانسانية ويقع في هذا المضمار امتداحه للسيف على غرار الاقديمن دون افادة من تجارب المحدثين ومن تجارب مؤيدي السلام وزوال الحرب تلك العاهة الكبرى في تاريخ الانسان ، بلى ان الشاعر مسئول عن مصير الانسان وعن الاخوة والحرية للجميع فما باله يمتدح السيف بقوله :
بحقك يعلو الحق والحق أغلــــــــب
وينصر دين الله أيان تضـــــــــــرب
وما السيف الا آيه الملك في الورى
ولا الامر الا للذي يتطلـــــــــــــــب

شوقي في مرآة سكرتيره :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونتوقف مع هذه السطور القليلة اما العادات الصغيرة لشوقي كما يرويها سكرتيره ، فإن هذه العادات لها دلالتها الخاصة على شخصية شوقي ، من ذلك أنه كان لا يحب أن ينفرد بنفسه أبدا فكان يرتاح خمس دقائق بدون انيس وقد يكون هذا الامر غريبا على فنان مبدع يحتاج دائما الى الانفراد بنفسه ولكننا نعلم من هذا الكتاب ان الكثير من قائد شوقي كان يمليها على سكرتيره ومع ذلك فقد كان شوقي يحتمل الوحدة اذا ما كان يعمل في بعض مسرحياته ذلك لان المسرحيات كانت تفرض عليه في أغلب الاحيان أن يكتبها بنفسه ، لانها تحتاج الى مرحلة من التفكير والتخطيط قبل مرحلة الصياغة الشعرية وهذا امر يختلف عن كتابة القصائد التي تعبر عن خواطر مباشرة يستطيع أن يمليها على الغير ...
ومن عادات شوقي ايضا انه كان يدخل السينما كل ليلة بعد العشاء ولم ينقطع عن هذه العادة الا في الشهور الاخيرة من حياته وهي شهور المرض الذي مات على أثره سنة 1932 وكان شوقي يحب السطوع أو يتعاطاه كل يوم ثم انقطع عنه سنة 1928 قبل وفاته بأربع سنوات وكان اذا اراد كتابة قصيدة عالجة لسبب او مناسبة كأن تكون هذه القصيدة مطلوبة منه لالقائها في أحد الاحتفالات أو المناسبات المحددة فقد كان شوقي في هذه الحالة يتناول صفار ثلاث بيضات يشربها نيئه ثم يبدأ في النظم فلا تمض ساعة حتى تكتمل القصيدة .
شوقي في مرآة إبنه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغريب والملفت للنظر أن شوقي كان يحض إبنه على عدم كتاب الشعر ويروي لنا حسين أبنه عن والده والذي سماه ابي شوقي فيقول (( كان ابي يحملنا على الذهاب الى اهرام الجيزة كل يوم جمعة تقريبا ، كنا نأخذ معنا طعامنا ثم نذهب الى مقهى صغير منعزل أمام فندق مينا هاوس وكنا نختار هذا المكان المتواضع لنكون أحرار أذ كنا نذهب في عصبة بوهيمية مرحة كثيرة الصخب من أدباء وفنانين وكان يحضر معنا هذه الرحلات المرحوم حافظ بك ابراهيم الذي كانت صحبته مسلية جدا ، سألني حافظ بك مرة اثناء إحدى هذه الرحلات أتقول الشعر ؟ فأجبته : أجل ولكن قليلا فقال : إذن قل شيئا في الهرم أو في ابو الهول فقلت :
أيا هرمي مصر سلام عليكم
ولكني لم أتمكن من تكملة البيت ، عندئذ فكر حافظ إبراهيم لحظة ثم قال سلام مشوق منذ خمس إليكما
وهو يعني بالخمس ، الخمس سنوات التي قضاها شوقي وأسرته بالمنفى وانشدت حافظ بك ابيات كنت نظمتها في مناسبة أخرى فالتقيت الى ابى وقال ، اتعلم يا شوقي أن ابنك يرجى منه ؟ عليك ان تتعهده ليصير شاعرا مطبوعا فأجا إني افضل ان يعني هو بالنثر لا بالنظم لان الشعر لا يتحمل الوسط ، وحسين لن يبلغ في القمة : فقال حافظ موجها الى الخطاب : لا تطع مشورة أبيك يا حسين ، إنه يقول ذلك لانه غيران منك إذا يخشى ان تسبقه في يوم من الايام : فقال أبي في مرارة : لماذا بربك تريد أن يكون المسكين شاعرا لماذا بربك تريد أن يكون المسكين شاعرا ؟ أليشقى مثلنا ويحرق اعصابه ؟
ويعلق حسين شوقي على هذه الحالة بعد ذلك فيقول ( عرفت صدق كلام أبي بعد مرور عشر سنوات على هذا الحديث عند وفاته لما سألت طبيبنا النمساوي عن سبب الموت لان أبي لم يكن متقدما في السن اذ توفى في الثانية والستين فأجابني الطبيب بأن أبي وإن لم يكن مسنا كانت أعصابه مع الاسف بالية ، وكانت أعصاب شيخ جاوز الثمانين .
وما يقوله عن والده وضعف اعصابه تؤكد مصادر أخري فقد كان الشعر يمتص حياة شوقي بلا رحمه .

المراجع :

*- دراسة ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء .
تأليف : رجاء النقاش .
دار سعاد الصباح لللنشر .

*- احمد شوقي أمير الشعراء
الجزء الثالث – الموضوعات العامة .
تأليف : إليا الحاوي .
دار الكتاب اللبناني – بيروت

*- الشعر العربي المعاصر – دراسة وتقييم
- احمد شوقي أمير الشعراء
الجزء الثاني – دراسة عامة .
تأليف : إليا الحاوي .
دار الكتاب اللبناني – بيروت

ليست هناك تعليقات: