الأحد، 16 مايو 2010

تحليل نص نقدي بنيوي


من البنية الى الدلالة/ حسين الواد
· يعتبر النقد الادبي كتابة نظرية ، موضوعها الادب بمختلف انواعه، وقد ظهر الخطاب النقدي منذ القديم، مع كتاب " الشعرية" للفيلسوف ارسطو. ثم تطور مع العرب في القرون الوسطى بشكله اللغوي والبلاغي. وفي عصر النهضة الاوربية تمت العودة الى الثراث النقدي القديم، ثم تطويره لتظهر مناهج نقدية جديدة ، اهمها التاريخي / الاجتماعي، ثم النفسي فالبنيوية التكوينية والبنيوية ثم السيميائيات... وانتقلت هذه التجربة الى العالم العربي في مطلع القرن العشرين، بواسطة المثاقفة والترجمة ، فظهر عندنا نقاد مختلفو المشارب، مثل طه حسين و محمد مندوروحسين مروة ومحمود امين العالم ومحمد النويهي وعزالدين اسماعيل وكمال ابو ديب ومحمد برادة ومحمد مفتاح...ومن اهم المناهج النقدية الادبية المنهج البنيوي، الذي هو قراءة داخلية للادب باعتباره بنية لغوية مغلقة مكتفية بذاتها ومستقلة عن الواقع. وهو منهج حديث ظهر كرد فعل ضد المناهج الاجتماعية/ التاريخية،خلال مرحلة الخمسينيات باوربا على يد " رولان بارت" وتلامذته، لكن اصوله تعود الى مجهودات الشكلانين الروس التي ظهرت في عشرينيات القرن 20، على يد كل من جاكوبسون وتوماشوفسكي واصحاب مدرسة " براغ" ، لكن الاب الروحي له هو فيردنان دو سوسير مكتشف اللسانيات في العصر الحديث(توفي 1913). وانتقل الى الساحة الثقافية العربية على يد مجموعة من النقاد –كما اشرنا سابقا – اولا في شكل ترجمات ، ثم كتطبيقات على الادب العربي.
· ومن الاسماء النقدية التي ظلت وفية للمنهج البنيوي عربيا نذكر الدكتور حسين الواد ( 1948-؟) الناقد التونسي ، خريج الجامعة التونسية، اشتغل بالتعليم الجامعي في بلاده والسعودية. من اهم مؤلفاته " مدخل الى شعر المتنبي / اللغة الشعرية في ديوان ابي تمام / و مناهج الدراسات الادبية الذي اقتطف منه النص.
· فما هي خصائص المنهج البنيوي في نص " من البنية الى الدلالة" للناقد حسين الواد؟
· انطلاقا من اسم الناقد حسين الواد المحسوب على المنهج البنيوي، وانطلاقا من عنوان النص الذي يوظف مفهوم البنية ، وانطلاقا ايضا من بعض المصطلحات الموظفة في النص ( البناء – التناظر – التقابل – الحركة..)، نفترض ان النص ينضوي تحت لواء الخطاب النقدي البنيوي.
· اما على مستوى المضمون فالنص ينطلق من قضية ادبية هي الشعر، المتجسدة في قصيدة شعرية لابي القاسم الشابي، مكونة من تسعة ابيات . اي ان الموضع النقدي هنا نص شعري . وتتم مقاربة النص انطلاقا من بنيته الداخلية ( مكوناته الايقاعية و الصوتية والتركيبية ).
· وقد توسل الناقد معجما نقديا لسانيا ( مجموعة مفاهيم )، للتعامل مع النص الشعري كوحدة لغوية متكاملة ومكتفية بذاتها، عناصرها اصوات وايقاع وتراكيب اسمية / فعلية . فبحث اولا في المظهر الايقاعي التقليدي ( العروض ) ، محددا القافية و الوزن ( الباء – الكامل) ، ثم انتقل الى التوقف عند الاصوات متكررة الدلالة ، وبحث في دلالاتها ( الانين- الغناء- السخط)، ثم حلل التراكيب السائدة ( جمل اسمية خبرها تراكيب فعلية) ، اذ دلت الاسمية على الاستمرار و الاطراد ، ودلت الفعلية على التسلط و الانكار و الشكوى و الصدام و الخراب. وياتي المقطع الثاني كنتيجة او حل لما طرح في المقطع الاول ، وذلك حسب تقطيع الناقد لنص الشابي( في المقطع الاول ازمة وفي الثاني انفراج) كما ورد في النص النقدي. وبعد تحليل حسين الواد لبنية النص الشعري ودلالاته الجزئية ، ينتقل الى رصد الدلالة العامة له ( هذا مشار له في العنوان " من البنية الى الدلالة")، فيقسمه الى حركتين اولاهما تناظرية ايقاعيا ومعجميا وتركيبيا. وثانيهما تقابلية تنافرية، تحدد مظاهر التضاد في مضمون النص ( الليل ضد الكواكب / و التسلط ضد المسالمة..).
· وهكذا نخلص الى ان الناقد اعتمد منهجا بنيويا ، ينطلق من داخل النص الشعري ، فيدرس مكوناته الشكلية ، ليصل الى دلالته. وذلك على عكس المنهج الاجتماعي. واهم مرجعياته في ذلك تعود الى علم اللسانيات وعلم الدلالة البنيوي كمبحثين جديدين وحديثين، يضاف اليهما مرجعيات ثراثية مثل المنطق والنحو والنقد القديم.
· ان الناقد انطلق من بنية لغوية هي نص الشابي الشعري ، وتناول مكوناته الصوتية / الايقاعية ، ثم التركيبية النحوية ، ليصل الى رصد دلالة لا توجد خارج النص وانما داخله، هي تعبير الشاعر عن ازمة ( القهر والتسلط)، وعن الانفراج ( مسالمة ووداعة).
· وقد اعتمد الناقد اسلوبا استقرائيا في معالجة موضوعه هذا، بحيث انطلق من مثال محدد( ابيات شعرية)، ثم انتقل الى معالجتها بالتركيز على عناصرها الصوتية والتركيبية، للوصول الى حكم ( الازمة و انفراجها).ومن خلال هذا نكتشف التصميم المنهجي الواضح الذي اعتمده الناقد، بحيث انطلق من معطى هو الابيات ، ثم انتقل الى استعراض نتائج تحليله لها، ليصل في الختام الى حكم كما راينا في الاستقراء.
· وعلى مستوى اللغة فقد اعتمد مظاهر الاتساق في النص، بتوظيف اليات الربط بين الجمل و الفقرات، بواسطة الادوات اللغوية او التكرار والعنونة، بالضافة الى الاحالات القبلية والبعدية على النص الشعري،او بواسطة التفسير والشرح للدلالة.مع اعتماد الحجج المنطقية والادبية( المفاهيم والشواهد).الى جانب اساليب البرهنة، مثل التفسير والتعريف، حيث حدد المفاهيم( النوع الاول- وحدة كلامية..). وكذلك الوصف( اعتماد مفاهيم لسانية ونحوية)،والمقارنة بين المقاطع. ويطغى على اللغة في النص الطابع التقريري الابلاغي ، لانها لغة الشرح والاقناع وليست لغةالامتاع كما هو الحال في الشعر والقصة.اما على مستوى الانسجام فالنص يحققه باعتباره خطابا قابلا للتاويل ، فهذا النص النقدي هو جزء مما يمكن ان يطبق على تجارب اخرى مشابهة للتجربة الشعرية للشابي. وهذا النص الشعري بدوره هو جزء من الخطاب الشعري الذي يمكن ان يخضع لنفس التحليل ، فالتغريض او البنية الكبرى يقوم على مركز جدب هو ثنائية البنية والدلالة في نص الشابي، المرتبطة بدورها بثنائية السلب/الايجاب. والمنهج البنيوي مرتبط هنا بعلوم الانسان، خاصة اللسانيات، التي تعتبر العلم المختص في اللغة، التي تتخذ هنا شكل قصيدة شعرية للشا بي.
· وبعد تحليلنا لمستويات هذا النص النقدي ، نستخلص انه يمثل جل مظاهر الكتابة النقدية البنيوية. فقد اعتمد قضية ادبية كموضوع له ( نص شعري)، ثم اعتمد مفاهيم نقدية ومنهجا بنيويا، لينتهي الى تشريح النص.ومن الماخذ المسجلة على هذا المنهج استبعاده للمجتمع والتاريخ وقتله للمبدع كذات سيكولوجية واجتماعية. ولكن قيمته الايجابية تتجلى في احترامه لخصوصية النص الادبي( الشعري/النثري) كنص لغوي ونسيج خاص مستقل – ولو نسبيا – عن واقعه الاجتماعي والنفسي.ان هذا المنهج ليست له نسخة واحدة متكررة وانما هو عدة نسخ ، تعكس كل منها خصوصية الناقد، ومستجدات الساحة النقدية، سواء في الغرب او في العالم العربي.
· اعداد ذ/ لعميري عبد الجليل/ ثانوية القدس التاهيلية بالشماعية.

ليست هناك تعليقات: